و من أهل السنّة من يوافق الامامية في الاعتقاد بالعصمة/ نصب الإمام واجب عند الكل، و لا يحصل الغرض إلاّ إذا كان معصوماً

الشّرح:
هذه هي كبرى هذا الاستدلال العقلي، وكلّ عاقل يصدّق به، لأنّ العقل حاكم بضرورة الأمن والعدل في المجتمع، وهذا من جملة فوائد وجوب وجوده الذي قام عليه الإجماع من كافّة الفرق:
قال ابن حزم: «اتفق جميع أهل السنّة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج، على وجوب الإمامة، وأن الأمة فرض واجب، عليها الانقياد لإمام عادل، يقيم فيهم أحكام اللّه ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم، وهذه فرقة ما نرى بقي منها أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن الحنفي القائم باليمامة.
قال أبو محمّد: وقول هذه الفرقة ساقط، يكفي من الردّ عليه وإبطاله إجماع كلّ من ذكرنا على بطلانه، والقرآن والسنّة قد وردا بإيجاب الإمام. من ذلك قول اللّه تعالى: (أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ) مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة، وإيجاب الإمامة.
وأيضاً، فإن اللّه عز وجل يقول: (لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَها)فوجب اليقين بأن اللّه تعالى لا يكلّف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم، وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه اللّه تعالى من الأحكام عليهم في الأموال، والجنايات، والدماء، والنكاح، والطلاق، وسائر الأحكام كلّها، ومنع الظالم، وإنصاف المظلوم، وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم، وشواغلهم، واختلاف آرائهم، وامتناع من ثحرى في كلّ ذلك ممتنع غير ممكن، إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم إنسان، ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم، إمّا لأنها ترى في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء، وإما خلافاً مجرّداً عليهم، وهذا الذي لابدّ منه ضرورة وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها، فإنه لا يقام هناك حكم حق ولا حدّ، حتى قد ذهب الدين في أكثرها، فلا تصح إقامة الدين إلا بالاسناد إلى واحد أو إلى أكثر من واحد، فإذن لابدّ من أحد هذين الوجهين، فإن الاثنين فصاعداً بينهما أو بينهم ما ذكرنا فلا يتمّ أمر ألبتة.
فلم يبق وجه تتم به الأمور إلا الإسناد إلى واحد، فاضل، عالم، حسن السياسة، قوي على الإنفاذ، إلا أنه وإن كان بخلاف ما ذكرنا، فالظلم والإهمال معه أقل منه مع الاثنين فصاعداً، وإذ ذلك كذلك ففرض لازم لكلّ الناس أن يكفوا من الظلم ما أمكنهم، إن قدروا على كفّ كلّه لزمهم ذلك، وإلا فكفّ ما قدروا على كفّه منه ولو قضية واحدة لا يجوز غير ذلك.
ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة، على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم، ولا يجوز إلا إمامة واحدة، إلا محمّد بن كرام السجستاني وأبا الصباح السمرقندي، وأصحابهما، فإنهم أجازوا كون إمامين في وقت، وأكثر في وقت واحد.
واحتج هؤلاء بقول الأنصار أو من قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين: منا أمير، ومنكم أمير.
واحتجوا أيضاً بأمر علي والحسن مع معاوية رضي اللّه عنهم.
قال أبو محمّد: وكلّ هذا لا حجة لهم فيه»(1).
لكنّ الغرض المذكور وغيره من الأغراض العقلائيّة المترتّبة على وجود الإمام، لا يحصل إلاّ إذا كان معصوماً، وإلاّ لاحتاج إلى إمام… .
هذه هي كبرى الاستدلال.
وطريق الإشكال فيه هو الردّ على النقاط المكوّنة له لو أمكن… .

(1) الفصل في الملل والنحل 4 / 149.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *