دفاع ابن تيمية

لكن علماء القوم في القرون اللاّحقة يحاولون الدفاع عنه، وقد كان عمدة ما ذكروا لذلك: دعوى إذن النبي صلّى اللّه عليه وآله له في ردّه وإيوائه، وكلّها دعاوى لا يسندها أي دليل، والدعوى المجردَّة لا تسمع في أيّ باب من أيّ أحد، ولنستمع إلى دفاع ابن تيمية عنه، فإنه قال:
«والجواب: إن الحكم بن أبي العاص كان من مسلمة الفتح، وكانوا ألفي رجل، ومروان ابنه كان صغيراً إذ ذاك… فلم يكن لمروان ذنب يطرد عليه على عهد النبي، ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة في حياة النبي، فإن كان قد طرده، فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة..
وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا: هو ذهب باختياره.
وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح ولا لها إسناد يعرف به أمرها.
ومن الناس من يروي أنه حاكى النبي في مشيته، ومنهم من يقول غير ذلك ويقولون إنه نفاه إلى الطائف، والطلقاء ليس فيهم من هاجر بل قال النبي: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية… فلم يكن الطلقاء تسكن بالمدينة.
فإن كان قد طرده، فإنما طرده من مكة لا من المدينة ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه كما تقدم وقالوا: هو ذهب باختياره.
والطرد هو النفي… وإذا كان النبي قد عزّر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيّاً طول الزمان… وإذا كان كذلك فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدّته في زمن أبي بكر وعمر، فلما كان عثمان طالت مدّته.
وقد كان عثمان شفع في عبد اللّه بن أبي سرح إلى النبي… فقبل النبي شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم؟ وقد رووا أن عثمان سأل النبي أن يردّه فأذن له في ذلك، ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد اللّه بن أبي سرح، وقصة عبد اللّه ثابتة معروفة بالإسناد الثابت، وأما قصة الحكم فعامّة من ذكرها إنما ذكرها مرسلةً… .
والمعلوم من فضائل عثمان… ممّا يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء اللّه المتقين الذين رضي اللّه عنهم ورضوا عنه، فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا يعرف حقيقته، بل مثل هذا مثل الذين يعارضون المحكم بالمتشابه، وهذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ الذين يبتغون الفتنة، ولا ريب أن الرافضة من شرار الزائغين الذين يبتغون الفتنة الذين ذمّهم اللّه ورسوله.
وبالجملة، فنحن نعلم قطعاً أن النبي لم يكن يأمر بنفي أحد دائماً ثم يردّه عثمان معصيةً للّه ورسوله، ولا ينكر عليه المسلمون، وكان عثمان أتقى للّه من أن يقدم على مثل هذا، بل هذا مما يدخله الاجتهاد، فلعلّ أبا بكر وعمر لم يردّاه لأنه لم يطلب ذلك منهما وطلبه من عثمان فأجابه إلى ذلك، أو لعلّه لم يتبين لهما توبته وتبيّن ذلك لعثمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *