الحديث الأول: عن أبي برزة

الحديث الأول: عن أبي برزة
هذا الحديث أخرجه جماعةٌ من الأئمة الحفاظ، كأبي نعيم الإصفهاني، وهذا لفظه: «حدّثنا أبو بكر الطلحي، ثنا محمد بن علي بن دحيم، ثنا عباد بن سعيد بن عباد الجعفي، ثنا محمد بن عثمان بن أبي البهلول، حدثني صالح بن أبي الأسود، عن أبي المطهر الرازي، عن الأعشى الثقفي عن سلام الجعفي عن أبي برزة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم…»(1).
ورواه الحافظ ابن عساكر عن الحافظ أبي علي الحدّاد عن أبي نعيم الحافظ…(2).
ولم يتكلّما على سنده بشيء.
وأخرجه أبو نعيم الحافظ بإسناد آخر قال:
«حدّثنا محمد بن حميد، ثنا علي بن سراج المصري، ثنا محمد بن فيروز، ثنا أبو عمرو لاهز بن عبد اللّه، ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه قال ثنا أنس بن مالك قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له ـ وأنا أسمع ـ : يا أبا برزة، إن ربّ العالمين عهد إلىّ عهداً في علي…»(3).
وأخرجه الحافظ ابن عدي بترجمة «لاهز» وقال:
«وهذا بهذا الإسناد باطل وهو منكر الإسناد منكر المتن، لأن سليمان التيمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن أنس. لا أعرف بهذا الاسناد غير هذا. ولاهز بن عبد اللّه مجهول لا يعرف، والبلاء منه. ولا أعرف للاهز هذا غير هذا الحديث»(4).
وأخرجه الحافظ الخطيب بترجمة «لاهز» كذلك ثم قال: «لم أر للاهز بن عبد اللّه غير هذا الحديث، حدّثني أحمد بن محمد المستملي، أخبرنا محمد بن جعفر الوراق قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي قال: لاهز بن عبد اللّه التيمي البغدادي غير ثقة ولا مأمون. وهو أيضاً مجهول»(5).
وأخرجه عنهم الحافظ ابن عساكر، ثم أورد كلام ابن عدي(6).
وأخرجه بإسناد آخر له غير ما تقدم فقال:«أخبرنا أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي، أنا أبو الفرج الشاهد، أنا أبو الحسن محمد بن جعفر النجار النحوي، أنا أبو عبد اللّه محمد بن القاسم المحاربي، نا عباد بن يعقوب، أنا علي بن هاشم، عن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع، عن عون بن عبيد اللّه، عن أبي جعفر وعن عمر بن علي قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن اللّه تعالى عهد إليّ في علي عهداً، قلت: ربّ بيّنه لي. قال: إسمع يا محمد…».
ثم قال ابن عساكر: «هذا مرسل»(7).
أقول:
يردّه أن الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام لا يروي إلا عن آبائه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وعمر بن علي إنما رواه عن أبيه أمير المؤمنين، ولو كان في الحديث مطعن لذكره، لكنه حديث معتبر بلا ريب، لأن رجاله ثقات بلا كلام.
و«عبّاد بن يعقوب» الرواجني من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة. قال ابن حجر: «صدوق رافضي، حديثه في البخاري مقرون، بالغ ابن حبان فقال: يستحق الترك»(8).
و«علي بن هاشم» بن البريد من رجال البخاري في المتابعات ومسلم والأربعة وقال ابن حجر: «صدوق يتشيّع»(9).
وبقي الكلام في «لاهز» قالوا في الحديث: إنه باطل. ولاهز يروي المناكير… .
وهو ردّ للأحاديث بلا دليل، ومن العجب قول ابن حجر في اللّسان: «قال ابن عدي: بغدادي مجهول يحدّث عن الثقات بالمناكير…» ثم قال بعد أن أورد الحديث: «وهذا باطل قاله ابن عدي. قلت: إي واللّه من أكبر الموضوعات، وعلي فلعن اللّه من لا يحبّه»(10).
أمّا أوّلاً: فقد ردّ الحديث بلا دليل وهو غير جائز.
وأمّا ثانياً: فقد حكى عن ابن عدي أنه يحدّث عن الثقات بالمناكير، لكنّا لم نجد هذا الكلام في الكامل، بل لقد نصّ ابن عديّ على أنه لا يعرف للرجل هذا غير هذا الحديث، وكذلك نقل عنه الخطيب، فأين «يحدّث عن الثقات بالمناكير»؟
نعم، ظاهر الخطيب ـ في مقام ردّ الحديث ـ هو الاستناد إلى طعن أبي الفتح الأزدي في لاهز… فإن كان هذا هو الدليل فالأمر سهلٌ، لأنهم قد نصّوا على ضعف الأزدي نفسه وعدم الاعتماد على تجريحاته… .
قال الذهبي: «لا يلتفت إلى قول الأزدي، فإن في لسانه في الجرح رهقاً»(11).
وقال ابن حجر: «قدّمت غير مرّة: أنّ الأزدي لا يعتبر تجريحه، لضعفه هو»(12).
وبعد، فقد قال ابن تيمية في الردّ على العلاّمة:
«هذا كذب بالموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث والعلم. ومجرّد رواية صاحب الحلية لا تفيد ولا تدلّ على الصحة، فإن صاحب الحلية قد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والأولياء وغيرهم أحاديث ضعيفة بل موضوعة باتفاق العلماء»(13).
أقول:
أوّلاً: إن احتجاج الإماميّة برواية أبي نعيم الحافظ أو غيره إنما هو من باب الإلزام، لأن هذا الرجل وأمثاله حفّاظ معتمدون عندهم وكتبهم معروفة ومشهورة بينهم.
وثانياً: قوله: إن صاحب الحلية يروي الأحاديث الموضوعة، حقٌّ ثابت، لكن هذا لا يختص به، بل المحدّثون السابقون عليه أيضاً كذلك وإن سمّيت رواياتهم بالصحاح.
وثالثاً: قد عرفت أن للحديث طرقاً عديدة، ولو كان في بعضها ضعف ما، فإن بعضها الآخر يقوّيه.
ورابعاً: إن مثل هذا الحديث غير وارد في شي من كتب الفريقين في حق أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، فمن الأولى بالاتّباع؟

(1) حلية الأولياء 1 / 66 ـ 67.
(2) تاريخ دمشق 42 / 290 ـ 291.
(3) حلية الأولياء 1 / 66.
(4) الكامل في الضعفاء 7 / 141.
(5) تاريخ بغداد 14 / 102.
(6) تاريخ دمشق 42 / 329 ـ 330.
(7) تاريخ دمشق 42 / 270.
(8) تقريب التهذيب 1 / 470.
(9) تقريب التهذيب 1 / 704.
(10) لسان الميزان 6 / 236 ـ 237.
(11) ميزان الاعتدال 1 / 61.
(12) مقدمة فتح الباري: 430.
(13) منهاج السنّة 5 / 79.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *