الحديث الثالث: أنا الفتى…

الحديث الثالث: أنا الفتى…
قال ابن تيمية: هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وكذبه معروف من غير جهة الإسناد من وجوه:
منها: إن لفظ الفتى في الكتاب والسنّة ولغة العرب، ليس من أسماء المدح كما ليس هو من أسماء الذم، ولكنه بمنزلة الشاب والكهل والشيخ ونحو ذلك. والذين قالوا عن ابراهيم (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهيمُ) هم الكفار ولم يقصدوا مدحه بذلك. وإنما الفتى كالشاب والحدث.
ومنها: إن النبي أجلّ من أن يفتخر بجدّه وابن عمه.
ومنها: إن النبي لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعلي ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب.
ومنها: إن هذه المناداة يوم بدر كذب.
ومنها: إن ذا الفقار لم يكن لعلي، وإنما كان سيفاً من سيوف أبي جهل غنمه المسلمون منه يوم بدر.
ومنها: إن النبي كان بعد النبوّة كهلاً قد تعدّى سن الفتيان(1).
أقول:
وحيث أنه لم يتكلّم في سند الحديث، فنحن أيضاً لا نتعرّض للبحث السندي.
وأمّا الوجوه التي ذكرها، فكلّها مردودة، وعمدتها كلامه في معنى «الفتى» وهو عجيبٌ جدّاً؟ وكأن الرجل ليس بعربي فلا يفهم العربيّة؟! انظر إلى كلام أشهر الكتب اللّغوية، في معنى «الفتى» و«الفتوة» واستشهاده بـ«لا فتى إلا علي» مرسلاً إيّاه إرسال المسلّم، حيث قال:
«والفتوّة ـ بالضم والتشديد ـ … الكرم والسخاء. هذا لغةً. وفي عرف أهل التحقيق: أن يؤثر الخلق على نفسه بالدنيا والآخرة، وصاحب الفتوّة يقال له: الفتى. ومنه: لا فتى إلا علي. وقول الشاعر:
فإن فتى الفتيان من راح واغتدى *** لضرّ عدوّ أو لنفع صديق
وعبّر عنها في الشريعة بمكارم الأخلاق…»(2).
وأمّا النداء بـ«لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذو الفقار»، فقد رواه كبار أئمة الحديث والتاريخ والسّيرة من أهل السنة:
كابن هشام في السيرة، وعنه الحافظ السهيلي(3) والحافظ الصالحي(4).
والحسن بن عرفة العبدري بإسناده عن الإمام الباقر عليه السلام. ورواه ابن عساكر(5) والمحبّ الطبري(6) وابن كثير(7) من طريق الحسن بن عرفة.
وابن جرير الطبري في تاريخه(8) وكذلك ابن الأثير(9).
وبما ذكرنا كفاية لمن أراد الهداية.
وبذلك يظهر الجواب عن سائر كلمات ابن تيمية. وباللّه التوفيق.

(1) منهاج السنّة 5 / 71.
(2) تاج العروس في شرح القاموس 10 / 276.
(3) الروض الأنف 6 / 26.
(4) سبل الهدى والرشاد 4 / 229.
(5) تاريخ دمشق 42 / 71.
(6) ذخائر العقبى 74 والرياض النضرة 2 / 190.
(7) البداية والنهاية 7 / 372.
(8) تاريخ الطبري 2 / 197.
(9) الكامل في التاريخ 2 / 154.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *