الحديث الرابع: عن ابن عمر، من أحبّ علياً

الحديث الرابع عن ابن عمر: من أحبّ علياً…
وهذا الحديث رواه الخوارزمي عن أبي العلاء العطار المتقدّم، من طريق محمد بن أحمد بن شاذان، بإسناده عن مالك بن أنس عن نافع، عن ابن عمر قال قال رسول اللّه… وقد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ـ وتبعه ابن حجر في لسانه ـ بترجمة ابن شاذان هذا، حيث أورد بعض رواياته في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ومن ذلك هذا الحديث إذ قال:
«ولقد ساق أخطب خوارزم من طريق هذا الدجّال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب السيد علي رضي اللّه عنه. من ذلك بإسناد مظلم عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً: من أحبّ عليّاً أعطاه اللّه بكلّ عرق في بدنه مدينةً في الجنة»(1).
ولكن شيخ الاسلام الجويني قد روى هذا الحديث بإسناده عن الخطيب الخوارزمي، وهذا نصُّ كلامه:
«أنبأني الرشيد محمد بن أبي القاسم بن عمر المقرى، عن محي الدين يوسف بن أبي الفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي إجازةً، عن ناصر بن أبي المكارم كتابةً عن أبي المؤيد ابن أحمد الخطيب إذناً إن لم يكن سماعاً، قال: أنبأنا الحافظ الحسن بن أحمد أبو العلاء العطار، ونجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي قالا: أنبأنا الشريف نور الهدى علي بن الحسن بن محمد بن علي أبو طالب الزينبي، عن الإمام محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان…»(2).
فأقول:
إن كلّ ما ذكره الذهبي دعاوى مجرَّدة!
أوّلاً: لم يترجم الذهبي ابن شاذان ولم يذكر له كلمة مدح أو ذمّ من أحد من علماء الرجال، وكأنه إنما عنونه من أجل تكذيب رواياته في فضائل أمير المؤمنين ومناقبه! فبأي وجه عبَّر عنه بالدجّال؟
وثانياً: كيف يصف رواياته في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام بأنها «باطلة سمجة ركيكة»، والحال أن من بينها أحاديث قطعيّة وأخرى لها شواهد تقوّيها؟
وثالثاً: تعبيره عن أمير المؤمنين عليه السلام بـ«السيد علي» الذي لا ريب في أنه استخفاف بمقام الإمام عليه السلام، من القرائن الواضحة الدلالة على نصبه له عليه الصّلاة والسلام.
ورابعاً: إن شيخ الإسلام الجويني من مشايخ الذهبي، كما في كتاب (المعجم المختص) الذي وضعه لذكر مشايخه.
وخامساً: الرشيد المقرى، ترجم له الحافظ ابن حجر ووصفه بأوصاف جليلة كقوله: «كامل العقل متين الديانة، له فضل وصيانة»(3).
وسادساً: محي الدين ابن الجوزي، ترجم له الذهبي وجماعة. وقد ذكر بترجمته: «روى عنه: الدمياطي والرشيد بن أبي القاسم وجماعة. ودرّس وأفتى وناظر وتصدّر للفقه ووعظ، وكان صدراً كبيراً وافر الجلالة، ذا سمت وهيبة وعبارة فصيحة، روسل به الملوك وبلغ أعلى المراتب، وكان محمود الطريقة محببّاً إلى الرعيّة… قال شمس الدين ابن الفخر: أما رياسته وعقله فتنقل بالتواتر»(4).
وسابعاً: إن ناصر بن أبي المكارم ـ تلميذ الخطيب الخوارزمي ـ من فقهاء الحنفيّة، وكبار علماء الأدب والعربية، ترجم له في سائر كتب طبقات الأدباء والفقهاء(5).
وثامناً: إن الخطيب الخوارزمي من الفقهاء والأدباء الكبار، كما تقدّم.
وتاسعاً: إن أبا العلاء العطار الهمداني من كبار الحفاظ الثقات، كما أشرنا من قبل.
فأقول: هل هؤلاء كلّهم يروون هذا الحديث «الباطل»، «السمج» «الركيك» و«بإسناد مظلم»؟ إن كانوا عالمين بذلك، فلماذا يروون هكذا حديث؟ وإن كانوا جاهلين، فكيف جهلوا والذهبي علم بذلك؟
ثم أقول: إن أغلب جمل هذا الحديث لها شواهد في الأحاديث الأخرى، فلو كان سنده ضعيفاً فإنه يقوى بغيره كما هي القاعدة المقررة عندهم. لكن قوله صلّى اللّه عليه وآله: «ألا، ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيسٌ من رحمة اللّه» هو الموجع لقلوب القوم، فيضطرهم إلى تكذيب مثل هذه الأحاديث المتفق عليها بين الفريقين! نسأل اللّه السلامة وحسن العاقبة!

(1) ميزان الاعتدال 3 / 467، لسان الميزان 5 / 62.
(2) فرائد السمطين 2 / 258.
(3) الدرر الكامنة بأعيان المائة الثامنة 4 / 150.
(4) سير أعلام النبلاء 23 / 373.
(5) معجم الأدباء 7 / 202، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية 2 / 190، وفيات الأعيان 2 / 151، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 402.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *