كلام ابن تيمية و الردّ عليه

قال ابن تيمية: إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي(1).
أقول:
لا شكّ أن أحمد بن حنبل الذي هو إمام ابن تيمية وسائر الحنابلة، أعلم بالأحاديث منه ومن أمثاله، وقد روى الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ـ في كتابه الذي ألّفه في مناقب أبي حنيفة ـ أنه قال: «ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصّحاح مثل ما لعلي رضي اللّه عنه»(2).
وقد نقل هذا الكلام عن أحمد جمع من كبار أئمة القوم، كالحاكم النيسابوري وابن حجر العسقلاني وغيرهما، وإن تصرّف بعض النَقَلة، فحذف من الكلام كلمة «بالأسانيد الصحاح»، ووضع بعضهم مكان «الصحاح» كلمة: «الجياد».
وليس أحمد بن حنبل وحده الذي قال هذا الكلام في حق أمير المؤمنين عليه السلام، بل الكلمة مرويّة في كتبهم المعتبرة عن غيره من كبار الأئمة، فقد قال ابن حجر: «وكذا قال النسائي وغير واحد، وفي هذا كفاية»(3).
نعم، في هذا كفاية لثبوت صدق العلاّمة الحلّي وكذب ابن تيمية، والتفصيل في (المدخل)(4).
قال: والأحاديث التي ذكرها هذا، وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم، هو من أبين الكذب على علماء الجمهور. فإن هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث…»(5).
أقول:
بأي وجه يحكم على تلك الأحاديث بأن أكثرها كذب أو ضعيف؟ إن تلك الأحاديث أكثرها معتبر قطعاً، لأنها إمّا في صحاح القوم ومسانيدهم، وإمّا هي معتبرة سنداً بشهادة علمائهم في الجرح والتعديل، وإمّا هي أحاديث متفق عليها بين الموافقين والمخالفين، فإن مثل هذه الأحاديث يوثق بصدورها عند أهل العقل والشرع… وعلى هذا، فمن ورد في فضله ومنقبته مثلها هو الأولى بالاتّباع والإطاعة المطلقة في الدين والعقل ممن لم يرد في حقه.
وأمّا الأحاديث التي استند إليها العلاّمة، فسيأتي الكلام عليها سنداً ودلالةً، وسيتّضح كذب ابن تيمية هناك أيضاً.
قال: وأمّا ما ذكره من المطاعن، فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة مطعن إلا وُجّه على علي ما هو مثله أو أعظم منه(6).
أقول: سيتعرّض العلاّمة لبعض ذلك، وسيتّضح الحق إن شاء اللّه هنالك.
قال معترضاً على قول العلاّمة «نزّهه المخالف والموافق»: «هذا كذب بيّن، فإن عليّاً رضي اللّه عنه لم ينزّهه المخالفون… فإن الخوارج متفقون على كفره وهم عند المسلمين خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيّته أو نبوته… والمروانيّة الذين ينسبون عليّاً إلى الظلم… وهؤلاء الخوارج كانوا ثمان عشرة فرقة…(7).
أقول:
قد عرفت مقصود العلاّمة من كلامه، فهو لم ينكر وجود أعداء لأمير المؤمنين عليه السلام، كما أنّ أهل السنة لا ينكرون وجود من يعادي الذين غصبوا حقّه والّذين حاربوه أو خالفوه من الصّحابة، بل يقول: بأن الجمهور القائلين بإمامة الشيخين يروون الفضائل الكثيرة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله لعلي، ويروون أيضاً مطاعن لأئمتهم، ولا يروون عن رسول اللّه ولا مطعناً واحداً لعلي عليه السلام، فيكون أمير المؤمنين عليه السلام أولى بالاتّباع من غيره، وهذا من أدلّة الإمامية على القول بإمامته.
ويبقى على العلاّمة أن يذكر بعض تلك الفضائل المرويّة في كتب الجمهور لعلي عليه السلام، وبعض تلك المطاعن المروية فيها لغيره، حتى تتمُّ دعواه.

(1) منهاج السنّة 5 / 7.
(2) كتاب مناقب أحمد بن حنبل، الباب 20 في ذكر اعتقاده في الأصول ص 163.
(3) تهذيب التهذيب 8 / 298 وانظر: الاصابة 4 / 464 والاستيعاب 3 / 1115، فتح الباري 7 / 81 .
(4) دراسات في منهاج السنة: 257.
(5) منهاج السنة 5 / 6.
(6) منهاج السنّة 5 / 7.
(7) منهاج السنّة 5 / 11.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *