قول ابن تيميّة: و أمّا كونهما أزهد الناس و أعلمهم في زمانهما. فهذا قول بلا دليل. و الجواب عنه

زهدهما وعلمهما
قال قدس سره: إمامَيْن بنصّ النبي صلّى اللّه عليه وآله، وكانا أزهد الناس وأعلمهم في زمانهما.
الشرح:
وهذا أيضاً سكت عليه ابن تيمية، وكأنه معترف بمفاد الأحاديث التي ذكرناها، وعلى كلّ حال، فإن نصّ النبي صلّى اللّه عليه وآله غير منحصر بهذه الأحاديث، ومن أراد المزيد فليرجع إلى مظانّه.
ثم قال ابن تيمية: «وأما كونهما أزهد الناس وأعلمهم في زمانهما. فهذا قول بلا دليل»(1).
أقول:
لو كان عنده دليل ـ ولو ضعيفاً ـ ينقض به ما ذكره العلاّمة، لأتى به، لأنه حاول الردّ حتى بالأباطيل والأكاذيب كما فعل في مواضع كثيرة، فسكوته أقوى دليل.
وكيف يطالب بالدليل على الأزهديّة والأعلميّة لهما، وهما إمامان بالنصوص المتواترة والبراهين المتقنة، والإمام يجب أن يكون أزهد وأعلم أهل زمانه؟
ومن مظاهر زهد الإمام الحسن عليه السلام، أنه قاسم اللّه ماله مرّتين أو ثلاث مرّات، وهذا من الأمور الثابتة التي رواها من لا يقول بإمامته، كأبي نعيم في حليته، وابن عساكر في تأريخه(2).
ومن ذلك: ما رواه ابن عساكر بترجمته من تأريخه، بسنده عن مدرك بن زياد ـ أحد الصحابة ـ قال: «كنا في حيطان ابن عباس وحسن وحسين، فطافوا في البستان، فنظروا ثم جاءوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك أعندك غداء؟ قلت: قد خبزنا. قال: ائت به. قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتين من بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا؟ ثم أتي بغدائه ـ وكان كثير الطعام طيّبه ـ فقال لي: يا مدرك، إجمع لي غلمان البستان. قال: فقدّم إليهم فأكلوا ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك كان أشهى عندي من هذا»(3).
ومن مظاهر زهد الإمام الحسين عليه السلام: ما رواه القوم أيضاً من أنه: «حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشياً وإن النجائب تقاد معه».
ومن ذلك أنه قيل له: ما أعظم خوفك من ربّك؟ فقال: «لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف اللّه في الدنيا»(4).
أما أعلميّتهما من أهل زمانهما، ففي غاية الوضوح، فإنهما الوارثان لعلوم أبيهما باب مدينة علم النبي وأقضى الأمة من بعده، ومن هنا كانا مستغنيين عن غيرهما والكلّ محتاج إلى علمهما.
وقد روي: أنه استفتى أعرابي عبد اللّه بن الزبير وعمرو بن عثمان، فتواكلا، فقال: اتقيا اللّه فإني أتيتكما مسترشداً، أمواكلة في الدين! فأشارا عليه بالحسن والحسين فأتاهما(5).

(1) منهاج السنّة 4 / 41.
(2) حلية الأولياء 2 / 37، تاريخ مدينة دمشق 13 / 243، 244، وسنن البيهقي 4 / 331.
(3) تاريخ مدينة دمشق 13 / 238 ـ 239.
(4) مناقب آل أبي طالب 3 / 244.
(5) تاريخ دمشق 13 / 238.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *