إضطرارهم إلى القول بأمور شنيعة في مختلف الأبواب الفقهيّة من الصّلاة و النكاح و البيع و الأطعمة و الأشربة و الحدود و غيرها

إضطرارهم إلى القول باُمور شنيعة
قال قدس سره: وذهبوا بسبب ذلك إلى أمور شنيعة، كإباحة البنت المخلوقة من الزنا… .

الشرح:
في الإستذكار: جواز نكاح البنت المتولّدة من الزنا، وفي المغني: قال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه: يجوز ذلك كلّه; لأنها أجنبيّة منه ولا تنسب إليه شرعاً. وفي الشرح الكبير والمبسوط: وعند الشافعي لا يكون حراماً(1).
قال قدس سره: وسقوط الحدّ عمّن نكح أمّه وأخته وبنته… .
الشرح:
راجع المغني، والشرح الكبير وفيه: «وقال أبو حنيفة والثوري لا حدّ عليه، لأنه وطئ تمكنت الشبهة منه فلم يوجب الحدّ».
والمبسوط وفيه: «رجل تزوّج امرأة ممن لا يحلّ له نكاحها فدخل بها، لا حدّ عليه، سواء كان عالماً بذلك أو غير عالم».
وفي مجمع الأنهر والدر المنتقى في هامش مجمع الأنهر: «ولا يحدّ بوطئ محرم تزوّجها ووطئها بعد العقد والعلم بأنها أخته. وقال أبو حنيفة: اسم العقد يمنع من وجوب الحدّ، فإذا وطئ أمّه أو أخته أو معتدّة بعقد نكاح، لم يجب الحدّ على واحد منهما».
وفي بدائع الصنائع: «إذا نكح محارمه لا حدّ عليه عند أبي حنيفة وإن علم بالحرمة»(2).
قال قدس سره: وعمّن لفّ على ذكره خرقة وزنا بأمّه أو بنته!… .
الشرح:
قال في الإستذكار: «وقال أبو حنيفة وداود: يعذر الوطي ولا حدّ عليه».
وانظر المغني، والشرح الكبير وفيه: «وقال الحكم وأبو حنيفة لا حدّ عليه; لأنه ليس بمحل للوط أشبه غير الفرج».
وفي المبسوط: «وكذلك اللّواط عند أبي حنيفة يوجب التعزير».
وفي حلية العلماء: «وقال أبو حنيفة لا حدّ فيه».
وفي مجمع الأنهر: «فإنه يعزر ولا يحد».
وفي الحاوي الكبير: «وقال أبو حنيفة لا حدّ فيه».
وفي بدائع الصنائع: «وكذلك الوطء في الدبر في الاُنثى أو الذكر لا يوجب الحدّ عند أبي حنيفة»(3).
قال قدس سره: وإلحاق نسب المشرقية بالمغربي… بل لو حبسه السلطان من حين العقد وقيّده وجعل عليه حَفَظَةً مدة خمسين سنة، ثم وصل إلى بلد المرأة فرأى جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادها إلى عدة بطون، التحقوا كلّهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها البتة!
الشرح:
قال الزحيلي: «فلو تزوّج مشرقيّ مغربيّة ولم يلتقيا في الظاهر مدة سنة، فولدت ولداً لستة أشهر من تاريخ الزواج، ثبت النسب، لاحتمال تلاقيهما من باب الكرامة، وكرامات الأولياء حق، فتظهر الكرامة بقطع المسافة البعيدة في المدّة القليلة، ويكون الزوج من أهل الحظوة الذين تطوى لهم المسافات البعيدة»(4).
قال قدس سره: وإباحة النبيذ مع مشاركته للخمر في الإسكار، والوضوء.

الشرح:
أمّا إباحة النبيذ:
ففي فتح القدير: «لأن المتخذ من التمر اسمه نبيذ التمر لا السّكر وهو حلال على قول أبي حنيفة وأبي يوسف».
وفي الهداية: «وقال شريك بن عبد اللّه إنه مباح»، وكذا في الإستذكار.
وفي المبسوط: «حدّثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أنه شرب عبد اللّه بن مسعود نبيذاً مشتدّاً صلباً،… وكذلك عمر كان يشرب المثلث ويأمر باتخاذه للناس».
وفي بدائع الصنائع: «وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يحرم نبيذ التمر، لأن القول بتحريمه تفسيق كبار الصحابة»(5).
وأمّا الوضوء به:
ففي مغيث الخلق في ترجيح القول الحق لأبي المعالي الجويني إمام الحرمين: «وتوضأ نبيذ التمر».
وفي حلية العلماء: «واختلف أصحابه في النبيذ الذي يجوز التوضؤ به، فقال أبو طاهر الدبّاس: يجوز التوضؤ بالنبيذ النئ الحلو. وقال أبو الحسن الكرخي: لا يجوز التوضؤ إلا بالمطبوخ المشتد».
وفي المبسوط: «فكان الأوزاعي يقول بجواز التوضؤ بها بالقياس على نبيذ التمر. وفي الاغتسال بنبيذ التمر فالأصح أنه يجوز».
وفي الجامع الصغير: «فإن لم يجد إلا نبيذ التمر توضّأ، وعند الأوزاعي يجوز التوضي بسائر الأنبذة بالقياس على نبيذ التمر»(6).
قال قدس سره: والصّلاة في جلد الكلب، وعلى العذرة اليابسة!
الشرح:
أنظر مغيث الخلق وفيه: «فلبس جلد كلب مدبوغ»(7).
فإن كانت النجاسة في موضع سجوده، فروى أبو يوسف عنه أن صلاته جائزة، كما في المبسوط.
وفي مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: «وأما في موضع السجود في رواية أبي يوسف إنه يجوز».
وفي الحاوي الكبير للماوردي: «فأما إذا لم يغسل البول عن الأرض حتى تقادم عهده وزالت رائحته بطلوع الشمس وهبوب الرياح فقال أبو حنيفة: قد طهرت الأرض وجازت الصّلاة عليها»(8).
قال قدس سره: وحكى بعض الفقهاء لبعض الملوك وعنده بعض فقهاء الحنفيّة صفة صلاة الحنفي… .
الشرح:
ثم صلّى ركعتين على ما يجوّزه أبو حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغ ولطّخ ربعه بالنجاسة، وتوضّأ بنبيذ التمر وأحرم بالصّلاة من غير نيّة، وأتى بالتكبير بالفارسية، ثم قرأ آية بالفارسية «دُوْبَرْكِ سَبْز» ثم نقر نقرتين كنقرات الدّيك من غير فصل ومن غير ركوع، وتشهّد وضرط في آخره من غير سلام. كذا في مغيث الخلق.
وقد حكى صلاة القفال هذه غير واحد، منهم ابن خلكان(9).
قال قدس سره: وأباحوا المغصوب لو غيَّرَ الغاصب الصفة… .
الشرح:
أنظر المبسوط وفيه: «فأمّا الغزل إذا نسجه فهو في حكم عين آخر، فلهذا لو فعله الغاصب كان الثوب مملوكاً له». وفيه: «فعلى قول أبي حنيفة المخلوط يصير ملكاً للخالط سواء خلط الحنطة بالحنطة أو بالشعير». وفيه: «ألا ترى أن لو غصب عنباً فجعله زبيباً انقطع حق المغصوب منه في الاسترداد».
وفي الفقه الإسلامي للزحيلي: «أو غصب حنطة فطحنها دقيقاً أو حديداً فاتخذه سيفاً، فإنه يزول ملك المغصوب منه عن المغصوب ويملكه الغاصب».
وفي المجموع: «فإذا عمل اللّوح المغصوب باباً أو حديداً فعمله درعاً، جعله أبو حنيفة مالكاً لذلك بعمله، وذلك من أقوى الذرائع والمغريات للإقدام على المغصوب».
وفي الحاوي الكبير للماوردي: «وقال أبو حنيفة: قد صارت بالطبخ للغاصب»(10).
قال قدس سره: وأوجبوا الحدّ على الزاني إذا كذّب الشّهود وأسقطوه إذا صدّقهم… .
الشرح:
قال في حلية العلماء: «وقال أبو حنيفة: لا نرجمه إلاّ أن يكذَّبهم»(11).
قال قدس سره: وأباحوا الكلب… .
الشرح:
جاء في المغني، والشرح الكبير: «وقال أبو علي النجاد: ما حرم نظيره في البر فهو حرام في البحر، ككلب الماء وخنزيره وإنسانه، وهو قول الليث إلا في كلب الماء فإنه يرى إباحة كلب البرّ والبحر»(12).
قال قدس سره: وأباحوا الملاهي كالشطرنج والغناء… .
الشرح:
ولذا اشتهر هذا عمّن ذكرنا من الصحابة والتابعين، وقد عمل به معهم من لا يحصى عددهم من علماء الأمصار وفضلائهم; لأن فيها تنبيهاً على مكائد الحرب ووجوه الحزم وتدبير الجيوش، وما بعث على هذا إن لم يكن ندباً مستحباً فأحرى أن لا يكون حظراً محرّماً. قاله الماوردي في كتاب الحاوي الكبير(13).
فروى الخطيب عن مولى سليمان بن يسار قال: «كان عمر بن الخطاب يمرّ بنا ونحن نلعب بالشطرنج فيسلّم علينا ولا ينهانا».
وروى أبو راشد قال: «رأيت أبا هريرة يدعو غلاماً فيلاعبه بالشطرنج».
وروي عن عبد اللّه بن عباس أنه كان يجيز الشطرنج ويلعب بها.
وروي عن عبد اللّه بن الزبير أنه كان يلعب بالشطرنج، فهؤلاء الصحابة.
وأما التابعون، فروي عن سعيد بن المسيب أنه كان يلعب بها.
وروى أبو لؤلؤة قال: «رأيت الشعبي يلعب بالشطرنج مع الغرماء».
وروى راشد بن كريب قال: «رأيت عكرمة مولى ابن عباس أقيم قائماً في لعب الشطرنج».
وروي أن محمد بن سيرين كان يلعب بالشطرنج وقال: «هي لبُّ الرجال».
وفي المجموع: «ويكره اللعب بالشطرنج… ويكره الغناء».
وفي الشرح الكبير والمغني: «وذهب الشافعي إلى إباحة الشطرنج، وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، واحتجوا بأن الأصل الإباحة ولم يرد بتحريمهما نص».
وفيهما أيضاً: «فذهب أبو بكر الخلاّل وصاحبه أبو بكر عبد العزيز إلى إباحته، والغناء والنوح معنى واحد مباح»(14).
وقد استباح قدامة بن مظعون شرب الخمر بقوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِي مَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا)(15) وقد قال: «قد اتقينا وآمنا فلا جناح علينا فيما شربنا»، فلم ينكره أحد من الصحابة.
وفي الحاوي الكبير: «وأحلّها الحسن البصري يعني النرد»، وقال في نفس الصفحة: «إن الشطرنج لا يحرم، إن الشطرنج موضوع لصحة الفكر وصواب التدبير ونظام السياسة»(16).
وفي الغناء:
فأباحه أكثر أهل الحجاز، واستدلّ من استباح الغناء بما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أنه مرّ بجارية لحسّان بن ثابت تغنّي فقال رسول اللّه: «لا حرج إن شاء اللّه».
وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت: «كانت عندي جاريتان تغنيّان فدخل أبو بكر فقال: أمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه! فقال رسول اللّه: دعهما فإنها أيام عيد».
وقال عمر: «الغناء زاد المسافر».
وكان لعثمان جاريتان تغنّيان في اللّيل.
ولأنه لم يزل أهل الحجاز يترخصون فيه ويكثرون منه وهم في عصر الصحابة وجلّة الفقهاء فلا ينكرونه عليهم ولا يمنعونهم منه، كالذي حكي أن عبد اللّه بن جعفر كان منقطعاً إليه ومكثراً منه، فبلغ ذلك معاوية فقال لعمرو بن العاص: «قم بنا إليه»، فلمّا استأذنا عليه وعنده جواريه يغنين فأمرهنّ بالسكوت، فقال معاوية: «يا عبد اللّه مرهنّ يرجعن إلى ما كنّ عليه»، فرجعن يغنين، فطرب معاوية حتى حرّك رجليه على السّرير. فقال عمرو: «إن من جئت تلحاه أحسن حالاً منك»، فقال معاوية: «إليك عني يا عمرو، فإن الكريم طروب»(17).
قلت:
وأنت ترى أن لا شيء من هذه الفتاوى الشنيعة وأمثالها ـ التي يقف عليها المتتبع في كتب القوم، ولربما هناك أمور أشنع وأفظع لا يقف عليها لعدم العثور على كثير من كتبهم ـ بمنقول عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام، وحاشاهم من أن يقولوا شيئاً من هذا القبيل، فإنهم مهابط الوحي ومعادن العلم الإلهي; ولذا أمرنا بالرجوع إليهم، والأخذ عنهم، والتمسّك بهم، والانقياد لهم، فإنهم لا يقولون شيئاً من عندهم، ولا يفتون بالرأي والقياس، وهم دائماً يستحضرون الشرائع والأحكام ولا يخطئون، ولا يحتاجون إلى غيرهم في شيء من ذلك، بل الكلّ محتاجون إليهم.

(1) الإستذكار 16 / 196 ـ 198، المغني 7 / 485، الشرح الكبير 7 / 483، المبسوط في فقه الحنفية 4 / 206.
(2) راجع المغني 10 / 152، الشرح الكبير 10 / 186، مجمع الأنهر 1 / 595، بدائع الصنائع 7 / 35.
(3) الإستذكار 24 / 83، المغني 10 / 161، الشرح الكبير 10 / 176، المبسوط 9 / 77، حلية العلماء 8 / 16، مجمع الأنهر 1 / 595، الحاوي الكبير 17 / 60، بدائع الصنائع 7 / 34.
(4) الفقه الإسلامي 7 / 683.
(5) فتح القدير 9 / 30، الهداية 8 / 31، الإستذكار 24 / 304، المبسوط 24 / 12، بدائع الصنائع 5 / 117.
(6) مغيث الخلق: 58، حلية العلماء 1 / 74، المبسوط 1 / 89، الجامع الصغير: 74.
(7) مغيث الخلق: 58.
(8) المبسوط 1 / 204، مجمع الأنهر 1 / 58، الحاوي الكبير للماوردي 2 / 259.
(9) مغيث الخلق: 58 ـ 59، وفيات الأعيان 4 / 267.
(10) المبسوط 9 / 166، 11 / 91، 24 / 14، الفقه الإسلامي 5 / 726 و 727، المجموع 14 / 272، الحاوي الكبير 7 / 194.
(11) حلية العلماء 8 / 28.
(12) المغني 11 / 85، الشرح الكبير 11 / 88.
(13) الحاوي الكبير للماوردي 21 / 192 ـ 194.
(14) المجموع 20 / 228 و 229، الشرح الكبير 12 / 46 و 51، المغني 12 / 37 و 42.
(15) سورة المائدة: 93.
(16) الحاوي الكبير 21 / 198.
(17) الحاوي الكبير للماوردي 21 / 22 ـ 204.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *