قول أهل السنّة بالقياس في الدين، مع أنّ الصّحابة منعوا عن ذلك و حرّموه

ابتداعهم للقياس
قال قدس سره: وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين اللّه ما ليس منه!
الشرح:
أمّا ذهابهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، فقد اعترف به ابن تيمية، ونصّ ـ بعد أن ذكر أسماء كبار الفقهاء عندهم ـ على أن رجوع هؤلاء إلى اعتباراتهم واستنباطاتهم مثل أن يعلموا سنّة النبي صلّى اللّه عليه وآله الثابتة عنه، وإن شئت الوقوف على إدخالهم في دين اللّه ما ليس منه، وتحريفهم أحكام الشريعة الطاهرة.
فراجع كتب الحافظ ابن حزم الأندلسي في الفقه والأصول، فقد ذكر من هذا القبيل موارد كثيرة.
وأمّا المذاهب عندهم فكثيرة، ولا شيء منها كان في زمان النبي صلّى اللّه عليه وآله وأصحابه، لكنهم أحدثوا المذاهب الأربعة ـ وهي: المالكيّة، والحنفيّة، والحنبليّة، والشافعيّة ـ وحصروا المذاهب فيها بأمر من السّلاطين، وحرّموا التعبّد بغيرها بل عاقبوا عليه، لأغراض سياسيّة، حتى انقرضت مذاهب كثيرة كان أصحابها أعلم من أصحاب المذاهب الأربعة وأجلّ… فكان من عمدة ما اعتمدوا عليه في فتاواهم القياس والاستحسان والاعتبارات الظنيّة، مع أن الصحابة نصّوا على ترك القياس.
ومن هنا وقع الخلاف بين الأصوليين منهم في جواز العمل به كما لا يخفى على من يراجع كتبهم كالمستصفى للغزالي وغيره، بل ألّف بعضهم في ذمّه والمنع منه كابن حزم. ومن نصوص الصحابة ما عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: «لو كان الدّين بالقياس لكان المسح على باطن الخفّ أولى من ظاهره»، وهو خبر متفق عليه وقد ذكره الأصوليون في بحث القياس كالغزالي(1) حيث رواه عن علي وعثمان.
وعن أبي بكر في مواضع كثيرة منها: لما سئل عن معنى (الكلالة): «أيّ سماء تظلّني وأي أرض تقلّني إذا قلت برأيي».
وعن عمر: «إيّاكم وأصحاب الرأي; فإنهم أعداء الدين أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضّلوا وأضلّوا»(2).
وعن ابن عباس: «إن اللّه لم يجعل لأحد أن يحكم في دينه برأيه»(3).
وعنه أيضاً: «وقال اللّه تعالى لنبيّه عليه السلام: (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ)، ولم يقل بما رأيت.
وعنه أيضاً: «إياكم والمقاييس فما عبدت الشمس إلا بالمقاييس».
وعن ابن عمر: «ذروني من أرأيت وأرأيت».
وعن ابن مسعود: «قرَّاؤكم وصلحاؤكم يذهبون ويتّخذ الناس رؤساء جهالاً يقيسون ما لم يكن بما كان».
قال الغزالي: «وكذلك أنكر التابعون القياس»(4).

(1) المستصفى في علم الأصول: 289.
(2) المصدر السابق: 289.
(3) المصدر السابق: 289.
(4) المصدر السابق: 289.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *