ذكر أن الأئمة اثنا عشر لا أكثر ولا أقل وتحيّر القوم في معنى الأحاديث في ذلك لإبائهم عن قبول الحق

أقول:
الحق أن الأئمة الذين ينوبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في جميع شؤونه إلاّ النبوة، محصورون في عدد معين هو اثنا عشر، للأخبار المعتبرة المستفيضة المتفق عليها بين الفريقين، كقوله صلّى اللّه عليه وآله: «يكون لهذه الأمة اثنا عشر خليفة»(1)، وكقوله: «لا يزال الدّين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(2)، وفي لفظ البخاري: «يكون اثنا عشر أميراً»(3).
وتجده بهذه الألفاظ أو ما يقاربها في مواضع أخرى من الكتب المذكورة وفي غيرها من الصّحاح والمسانيد والكتب… وكلّها تشتمل على عدد (الاثني عشر).
ولصحّة هذا الحديث وشهرته بل تواتره، لم يتمكّن القوم من ردّه، ولمّا كان منطبقاً وموافقاً لما تذهب إليه الإماميّة، حاروا في معناه وتوجيهه بحيث يخرج عن الدلالة على مذهب الإمامية، ولو أردنا نقل كلماتهم لطال بنا المقام. فراجع(4) كي ترى التأويلات الفاسدة والاحتمالات الباردة التي جعلت بعضهم يعترف بعجزه عن فهم معناه!
فيقول ابن العربي المالكي: «لم أعلم للحديث معنى».
ويقول ابن بطال عن المهلّب: «لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معين».
ويقول ابن الجوزي: «قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلّبت مظانه وسألت عنه فلم أقع على المقصود به».
وعلى كلّ حال، فإن هذا الحديث حصر الأئمة في عدد، فبطل القول بأنهم غير محصورين في عدد معين، وبه يقيّد إطلاق الآية الكريمة والأحاديث التي استدلّ بها لعدم الحصر… فيكون مفاد الآية: وجوب إطاعة اللّه وإطاعة الرسول وأولي الأمر الاثني عشر.
وبما أن الآية الكريمة تدلّ على عصمة أولي الأمر بلا خلاف ـ كما اعترف الرازي بتفسيرها(5) ـ ولم تثبت العصمة إلا للأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السّلام، لآية التطهير وغيرها من الأدلّة، فالمراد من أولي الأمر هم الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام من أهل البيت.
هذا، مضافاً إلى الأحاديث الواردة التي فيها النصّ على إمامتهم بأسمائهم عن جدّهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
فإن قلت: إنه لم يتولّ منهم إلاّ الواحد أو الاثنان.
قلت: ليس المراد الاستيلاء على الأمور بالفعل، حتى إذا لم يتحقق ذلك انتفت إمامتهم، لأن الواجب على الأمّة هو الرجوع إلى الإمام المنصوص عليه وتفويض الأمور إليه، وليس تركهم لهذا الواجب يوجب سقوط الإمام عن الإمامة، كما أن خروج الناس عن الطاعة للّه وللرسول لا يضرّ الألوهيّة والرسالة شيئاً.
ثم إن الرجل لم ينكر ما ذكره العلاّمة، بل ذكر أحاديث ثم قال: «فهذا أمر بالطاعة مع ظلم الأمير»، وقال: «هذا نهي عن الخروج على السلطان وإن عصى»(6).
أقول:
وهل تنهى هذه الأحاديث على فرض صحتها، عن المخالفة وتأمر بالطّاعة حتى مع القدرة على الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إن كان كذلك، فهي أحاديث مخالفة للكتاب والسنّة، ولابدّ من ضربها عرض الجدار، لكنها أحاديث موضوعة بأمر من أمراء الجور وسلاطين الباطل أنفسهم، وتفصيل الكلام في محلّه. ولذا نقرأ بتراجم كثيرين من أئمتهم كأبي حنيفة وجوب القيام ضدّ أئمة الباطل وخلفاء الجور، وأن كثيرين منهم قاموا وخرجوا بالفعل، فراجع.

(1) مسند أحمد 5 / 106.
(2) صحيح مسلم 6 / 4.
(3) صحيح البخاري 8 / 127.
(4) شرح الترمذي لابن العربي المالكي 9 / 68، البداية والنهاية 6 / 221 و 279، فتح الباري 13 / 181.
(5) تفسير الرازي 10 / 144.
(6) منهاج السنة 2 / 87.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *