إزراء ابن تيميّة بأئمة أهل البيت بتفضيل الزهري ومالك وأحمد وأمثالهم عليهم…!!

إزراء ابن تيمية بأئمة أهل البيت
وكثيراً ما ينسب إلى الإمامية ـ بل إلى أئمة أهل البيت عليهم السّلام ـ أشياء نسبة مجرّدة عن الدليل والمستند الصحيح، فممّا قال مثلاً: «قدماؤهم كانوا يقولون: القرآن غير مخلوق كما يقوله أهل السنّة والحديث. وهذا هو المعروف عند أهل البيت، كعلي بن أبي طالب وغيره مثل أبي جعفر الباقر وجعفر الصّادق وغيرهم، ولكن الإماميّة تخالف أهل البيت في عامّة أصولهم.
فليس من أئمة أهل البيت مثل: علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر ابن محمد، من كان ينكر الرؤية، ولا يقول بخلق القرآن، ولا ينكر القدر، ولا يقول بالنصّ على علي، ولا بعصمة الأئمة الاثني عشر، ولا يسبّ أبا بكر وعمر. والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة، وكانت مما يعتمد عليه أهل السنّة(1).
وقد تخرج من فيه كلمات كبيرة في أئمة أهل البيت عليهم السّلام!
كقوله: «القوم المذكورون إنما كانوا يتعلّمون الحديث من العلماء به كما يتعلّم سائر المسلمين، وهذا متواتر عنهم»(2).
فممن كانوا يتعلّمون، وكلٌّ منهم أعلم أهل زمانه في الحديث وغيره؟
وهذا متواتر عنهم، عند من؟
ولو فرض رواية أحدهم عن أحد الصحابة مثلاً في قضية في واقعة، فهل يسمّى ذلك تعلّماً؟
وكقوله: «فليس في هؤلاء من أدرك النبي صلّى اللّه عليه وآله وهو مميز إلا علي كرّم اللّه وجهه، وهو الثقة الصدوق فيما يخبر به عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، كما أن أمثاله من الصحابة ثقات صادقون فيما يخبرون به أيضاً عن النبي… حتى بسر بن أبي أرطاة مع ما عرف منه، روى حديثين رواهما أبو داود…»(3).
فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام كان الواحد منهم يروي عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله… ثم هل أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الصحابة ـ حتى بسر ـ سواء؟
وكقوله: «فالزهري أعلم بأحاديث النبي صلّى اللّه عليه وآله وأحواله وأقواله باتفاق أهل العلم من أبي جعفر بن علي وكان معاصراً له. وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي، فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس، وحمّاد بن زيد وحمّاد بن مسلمة، واللّيث بن سعد، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ووكيع بن الجرّاح وعبد اللّه بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وأمثالهم، أعلم بأحاديث النبي صلّى اللّه عليه وآله هؤلاء»(4).
وكقوله: «لا يشكّ عاقل أن رجوع مثل مالك، وابن أبي ذئب، وابن الماجشون، والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وشريك وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، والحسن بن زياد اللؤلؤي، والشافعي، والبويطي، والمزني، وأحمد بن حنبل، وأبي داود السجستاني، والأثرم، وإبراهيم الحربي، والبخاري، وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبي بكر ابن خزيمة، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وغير هؤلاء، إلى اجتهادهم واعتبارهم، مثل أن يعلموا سنّة النبي صلّى اللّه عليه وآله الثابتة عنه، ويجتهدوا في تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها، خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريين وأمثالهما، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين اللّه ورسوله من العسكريين أنفسهما، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا أحدهما، بل ذلك هو الواجب عليه»(5).
أقول:
أوّلاً: إن كلّ واحد من الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام علمه من اللّه وموروث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فكيف يكون الواحد من هؤلاء أعلم من الواحد منهم؟ بل لو جمعت علوم كلّهم لما بلغ عشر معشار علم الواحد منهم… .
وثانياً: لقد اعترف بإمامة أئمة أهل البيت عليهم السّلام ـ في العلم وغيره من الصفات ـ كثير من أئمة أهل السنّة ومشاهير علمائهم… ولعلّنا نذكر بعض تلك الكلمات فيما سيأتي، حيث يذكر العلاّمة رحمه اللّه موجزاً من أحوال الأئمة عليهم السلام… الأمر الذي يؤكّد تعصّب ابن تيمية وشدّة عناده لأهل البيت.
وثالثاً: إنه لا اتفاق بين السنّة على وصف هؤلاء الذين ذكرهم الرجل بما وصفهم به.. وهذا واضح لمن راجع تراجمهم وما قيل فيهم في كتب الرجال.
ورابعاً: إن ما قاله الرجل في حق الأئمة عليهم السّلام ليس شيئاً جديداً من المناوئين للعترة الطاهرة، فلقد قالوا مثله فيمن هو خير من العسكريين وأفضل… وهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي ورد في حقه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم… ما ورد… والذي قال في حقه عمر بن الخطاب: «لولا علي لهلك عمر»… والذي طالما رجع إليه الصّحابة في المعضلات، ولم يرو أحد رجوعه إلى أحد أبداً… نعم، قالوا مثل هذا الكلام في حقّه، بل فضّلوا عليه من ليس بأفضل من العلماء الذين ذكر الرجل أسماءهم…!!
وخامساً: لقد تعلّم مشاهير الصحابة وتلمَّذوا على أمير المؤمنين عليه السلام في العلوم المختلفة، ورجعوا إليه في المشكلات، وهذا أمر مشهور كما اعترف به كبار العلماء، كالنووي في (تهذيب الإسماء واللغات)(6).
والواجب على أهل كلّ زمان هو الرجوع إلى الإمام المعصوم في ذلك الزمان، المنصوص عليه من قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، والتعلّم منه، وقد فعل ذلك جماعة من علماء القوم المعاصرين للأئمة الطاهرين، وفيهم بعض العلماء الذين ذكرهم هذا الرجل زاعماً أعلميّتهم ووجوب تعلّم الأئمة منهم!! وسنرى ذلك في تراجم الأئمة الأطهار في هذا الكتاب.
وكيف يجوز أن يرجع أحد من طلاّب العلم ـ فكيف بالعسكريين الإمامين المعصومين ـ إلى أناس يستندون في فتاواهم إلى القياسات والاستحسانات، ويترك ما ورد عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عن جبرئيل عن اللّه عزّ وجل، بواسطة الأئمة المعصومين؟
وإذا كان هذا موقف ابن تيمية من أئمة أهل البيت الطاهرين عليهم السّلام، فما ظنّك بموقفه من شيعتهم؟ فإن كتابه مملوء ـ ولا سيّما في هذه المواضع ـ بالسبّ والشتم والتكفير… وأمثال هذه الأشياء التي يلتجئ إليها عادة المبطلون إذا أحرجوا في المسائل… أنظر إليه يقول في موضع:
«… وهذا دأب الرافضة دائماً يتجاوزون عن جماعة المسلمين إلى اليهود والنصارى والمشركين في الأقوال والموالاة والمعاونة والقتال وغير ذلك، ومن أضلّ من قوم يعادون السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، ويوالون المنافقين والكفار؟ وقد قال اللّه تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً)» فذكر الآيات إلى آخرها(7).

(1) منهاج السنة 2 / 368.
(2) منهاج السنة 2 / 454.
(3) منهاج السنة 1 / 456.
(4) منهاج السنة 2 / 460.
(5) منهاج السنة 2 / 470 ـ 473.
(6) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 346.
(7) منهاج السنّة 3 / 374 ـ 375.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *