حديث أنّ الإمام مَدَحَ معاوية!

حديث أنّ الإمام مَدَحَ معاوية!
وكحديث مدح الإمام عليه السلام لمعاوية:
روى ابن عساكر، بإسناده عن أبي عمرو الزاهد، قال:
أخبرنا عليّ بن محمّـد بن الصائغ، حدّثني أبي، قال: رأيت الحسـين بن عليّ بن أبي طالب بعينيَّ وإلاّ فعميتا، وسمعته بأُذنيّ وإلاّ فصمّتا، وفد على معاوية بن أبي سفيان زائراً، فأتاه في يوم جمعة وهو قائم على المنبر خطيباً، فقال له رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! ائذن للحسـين بن عليّ يصعد المنبر.
فقال معاوية: ويلك، دعني أفتخر!
فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: سألتك بالله يا أبا عبـد الله، أليـس أنا ابن بطحاء مكّـة؟!
فقال الحسـين: إي والذي بعث جدّي بالحقّ بشـيراً.
ثمّ قال: سألتك بالله يا أبا عبـد الله، أليـس أنا خال المؤمنين؟!
فقال: إي والذي بعث جدّي نبيّـاً.
ثمّ قال: سألتك بالله يا أبا عبـد الله، أليـس أنا كاتب الوحي؟!
فقال: إي والذي بعث جدّي نذيراً.
ثمّ نزل معاوية.
وصعد الحسـين بن عليّ، فحمد الله عزّ وجلّ بمحامد لم يحمده الأوّلون والآخرون، ثمّ قال:
حدّثني أبي، عن جدّي، عن جبريل عليه السلام، عن ربّه عزّ وجلّ، أنّ تحت قائمة كرسي العرش ورقة آس خضراء مكتوب عليها: لا إله إلاّ الله محمّـد رسول الله، يا شيعة آل محمّـد! لا يأتي أحد منكم يوم القيامة يقول: لا إله إلاّ الله، إلاّ أدخله الله الجنّـة.
فقال معاوية بن أبي سفيان: سألتك بالله يا أبا عبـد الله، من شيعة آل محمّـد؟
فقال: الّذين لا يشتمون الشيخين أبا بكر وعمر، ولا يشتمون عثمان، ولا يشتمون أبي، ولا يشتمونك يا معاوية(1).
هذا هو الحديث..
وقد كفانا ابن عساكر مؤنة التحقيق عن سـنده بقوله: «هذا حديث منكَر، ولا أرى إسـناده متّصلا إلى الحسـين»(2).

أقـول:
وقد حقّـقتُ في «شـرح منهـاج الكـرامة» أنْ لا أصل لوصف معاوية بـ «خال المؤمنين» و «كاتب الوحي»، لا من كلام الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا من كلام أحد ممّن يُعنى بكلامه.
أمّا في الوصف الأوّل، فقد اعترف ابن تيميّة ـ أيضاً ـ اعترافاً ضمنيّاً بما ذكرناه، وإنّما قال في وجه توصيف معاوية به أنّه: «صار أقوام يجعلونه كافراً أو فاسقاً، ويستحلّون لعنه ونحو ذلك، فاحتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتّصال برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ليُرعى بذلك حقّ المتّصلين»(3).
هذا غاية ما عند القوم.
وهو مردود بأنّ من كفّر معاوية ولعنه، إنّما تأسّى في ذلك برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، واتّبع كبار السادة في الإسلام، وذلك نفي للاتّصال برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وهو منقوض ـ أيضاً ـ بأنّه إذا صحَّ أن يكون إخوة أزواج النبيّ أخوالا للمؤمنين، فمحمّـد بن أبي بكر ـ الذي هو أخ أفضل أزواجه عند القوم، وهو أفضل من معاوية قطعاً ـ أحقّ بأنْ يوصف بالوصف المذكور، ويُراعى حقّ اتّصاله برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، على رغم أنف من رَغم.
وأمّا في الوصف الثاني، فإنّ معاوية لم يكتب من الوحي حرفاً واحداً، حتّى إنّ ابن تيميّة ـ ونصبه معروف ـ لم يدّع ذلك، وإنّما قال: «فما الدليل على أنّه لم يكتب له كلمةً واحدةً من الوحي; وإنّما كان يكتب له رسائل؟!»(4).
وهذا كلام جاهل بأُصول البحث والتحقيق كما لا يخفى على أهله…
والذي في «كتاب مسلم»، في حديث طلب أبي سفيان من النبيّ ثلاثة أُمور، قال: «ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك»(5)، فليس فيه كتابة الوحي.
لكنّ هذا الحديث نصَّ الأئمّـةُ ـ كذلك ـ على سقوطه..
فقال النووي: هذا الحديث من الأحاديث المشهور بالإشكال(6).
وقال ابن القيّم: غلط لا خفاء فيه(7).
وقال ابن الجوزي: وهم من بعض الرواة لا شكّ فيه ولا تردّد(8).
وقال الذهبي: منكَر(9).
وقال ابن حزم: هو موضوع بلا شكّ(10).
ثمّ جاء بعضُ الوضّاعين فأضاف جملة «كان يكتب الوحي» أو نحوها في كلام مَن وصف معاوية بالكتابة للنبيّ من المؤرّخين، ومن ذلك ما جاء في «تطهير الجَنان» لابن حجر الهيتـمي المكّي، قال: «قال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ما بينه وبين العرب. أي: من وحي وغيره، فهو أمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وحي ربّـه»(11).
فإنّه كذب وتدليـس وإيهام; ففي «الإصابة» لابن حجر العسقلاني: «قال المدائني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي، وكان معاوية يكتب للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في ما بينه وبين العرب»; انتهى(12).
فالزيادة كذب وتدليـس وإيهام من ابن حجر الهيتمي المكّي، ولو كان موضوعها صحيحاً لنوّه به العسقلاني; لتوفّر الداعي على نقله!

(1) تاريخ دمشق 14 / 113 ـ 114.
(2) تاريخ دمشق 14 / 114.
(3) منهاج السُـنّة 4 / 372.
(4) منهاج السُـنّة 4 / 427.
(5) صحيح مسلم 7 / 171، وانظر: صحيح مسلم بشرح النووي 16 / 52 ح 2501.
(6) صحيح مسلم بشرح النووي 16 / 53 ذ ح 2501.
(7) زاد المعاد 1 / 62.
(8) زاد المعاد 1 / 62 ـ 63.
(9) سـير أعلام النبلاء 7 / 137.
(10) زاد المعاد 1 / 62.
(11) تطهير الجَنان واللسان ـ ملحق بـ «الصواعق المحرقة» ـ : 12.
(12) الإصابة في معرفة الصحابة 6 / 153 ترجمة معاوية بن أبي سفيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *