الإعلان عن العزم على الخروج من مكّـة

الإعلان عن العزم على الخروج من مكّـة

وظلّ الإمام عليه السلام مدّة بقائه في مكّة يعلن عن عزمه على الخروج إلى العراق، ويخبر بذلك أهل مكّة والقادمين إليها، ويؤكّد أنّه إذا بقي بها قُـتل واسـتحلّت بقتله:
«لأنْ أُقـتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تسـتحلّ بي ـ يعني مكّـة ـ»(1).
«والله لأنْ أُقـتل خارجـاً منهـا بشـبر أحبّ إلي من أن أُقـتل داخلا منها بشـبر، وأيم الله لو كنتُ في جحر هامة من هذه الهوام لاسـتخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم، ووالله ليعتدنّ علَيَّ كما اعتدت اليهود في السـبت»(2).
«والله لا يدعوني حتّى يسـتخرجوا هذه العلقة من جوفي»(3).
«إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله وأمرني بأمر أنا ماض له، ولسـت بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي»(4).
«لا بُـدّ لي إذاً من مصرعي»(5).
«مهما يقضِ الله من أمر يكن»(6).
ولمّا سـئل عن سـبب العجلة في الخروج من مكّة، قال:
«لو لم أعجل لأُخِـذت»(7).
«خفـت أنّـه يغـتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون الذي يسـتباح به حرمة هذا البيت»(8).
ولمّا ذُكّر بما فعله أهل الكوفة بأبيه وأخيه، قال:
«إنّه ليس يخفى علَيَّ ما قلتَ وما رأيت، ولكنّ الله لا يُغلب على أمـره»(9).
«لأن أُقتل بيني وبين الحرم باع أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل وبيني وبينه شـبر، ولئن أُقتل بالطفّ أحبّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم»(10).
«لأن أُدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أنْ أُدفن بفناء الكعبة»(11).
وفي هذه الأثناء جاءته الرسل، وكتاب سليمان بن صرد وجماعته، وجاءه كـتاب مسلم بن عقيـل… كما تقـدّم.
وعبـد الله بن الزبير يترصّد وينتظر خروجه… وقد كان ينصح الإمام بذلك، وقال له: «أمَا إنّه لو كان لي بها شـيعة مثل شـيعتك ما عدلت عنهم»(12).
ولمّا ودّع عبـد الله بن عبّـاس الإمام عليه السلام قال له: «أقررتَ عين ابن الزبير».
ثمّ لمّا خرج ابن عبّـاس ورأى ابن الزبير قال له: «يا ابن الزبير! قد أتى ما أحببت، قـرّت عينك، هذا أبو عبـد الله يخرج ويتركك والحجاز.
يا لك من قنبرة بمعمر *** خَلا لَكِ الجوُّ فبيضي واصفري
ونـقّـري مـا شـئـت أن تـنـقّـري(13)

كلمة حول ابن الزبير
وكم فرقٌ بين قضيّة الإمام الحسـين عليه السلام وقضيّة عبـد الله بن الزبير!!
فقد دلَّت الأحوال والأقوال من عبـد الله بن الزبير أنّه كان طالباً للحكومة وبأيّ ثمن، حتّى لو تطلّب ذلك إراقة الدماء وهتك الحرمات… قال ابن خلّـكان:
«حكى سفيان الثوري، عن طارق بن عبـد العزيز، عن الشعبي، قال: لقد رأيت عجباً! كنّا بفناء الكعبة، أنا وعبـد الله بن عمر وعبـد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبـد الملك بن مروان، فقال القوم بعدما فرغوا من صلاتهم: ليقم رجل رجل منكم فليأخذ الركن اليماني وليسأل الله حاجته، فإنّه يعطى من ساعته، قم يا عبـد الله بن الزبير، فإنّك أوّل مولود وُلد في الهجرة.
فقام وأخذ بالركن اليماني ثمّ قال: اللّهمّ إنّك عظيم تُرجى لكلّ عظيم، أسألك بحرمة عرشك وحرمة وجهك وحرمة نبيّك عليه الصلاة والسلام أنْ لا تميتني حتّى تولّيني الحجاز ويُسلّم علَيَّ بالخلافة.
وجاء حتّى جلس فقال: قم يا مصعب…»(14).

وخرج الإمام من مكّـة…
وقال الإمام عليه السلام في الطريق لمن تكلّم معه ليمنعه من الذهاب: «لا يخفى علَيَّ شيء ممّا ذكرت، ولكنّي صابر ومحتسـب، إلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولا»(15).
وما زال عليه السلام يؤكّد على أنْ الّذين كتبوا إليه هم الّذين سيقتلونه، ومن ذلك قوله: «ما كانت كُتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلاّ مكيدة لي وتقـرّباً إلى ابن معاوية بي»(16).
وخرج الإمام عليه السلام بأهله وعياله ومن معه نحو العراق، وقد قال لمن سأله أنْ لا يأخذ الأهل: «ما أرى إلاّ الخروج بالأهل والولد»(17).
«أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي، لا ينجو منهم إلاّ ولدي عليّ»(18).
وعن حمله للنسوة قال عليه السلام:
«إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سـبايا»(19).

***

(1) تاريخ الإسلام حوادث 61: 106 ـ ترجمة الإمام الحسـين عليه السلام; وقال محقّقه: «أخرجه الطبراني… ورجاله رجال الصحيح»، المعجم الكبير 3 / 120 ح 2859، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 428، تاريخ الطبري 3 / 295 ـ 296، الفتوح 5 / 72، بغية الطلب 6 / 2611، الكامل في التاريخ 3 / 400، سير أعلام النبلاء 3 / 293، البداية والنهاية 8 / 132، تهذيب الكمال 4 / 492، مختصر تاريخ دمشق 7 / 142، مقتل الحسـين ـ للخوارزمي ـ 1 / 314، وغيرهـا.
(2) تاريخ الطبري 3 / 295 ـ 296، وانظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 428، أنساب الأشراف 3 / 375، بغية الطلب 6 / 2611، الكامل في التاريخ 3 / 400، سير أعلام النبلاء 3 / 293 و 306، البداية والنهاية 8 / 135، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : 186.
(3) تاريخ الطبري 3 / 300، البداية والنهاية 8 / 135، تاريخ دمشق 14 / 216، وانظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 431، بغية الطلب 6 / 2615 ـ 2616، الكامل في التاريخ 3 / 401.
(4) تاريخ الإسلام 2 / 243، وانظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 426، بغية الطلب 6 / 2610، الكامل في التاريخ 3 / 402، أُسد الغابة 1 / 498، تهذيب الكمال 4 / 491، مقتل الحسـين ـ للخوارزمي ـ 1 / 283 ـ 284، مختصر تاريخ دمشق 7 / 141، البداية والنهاية 8 / 131 و 134.
(5) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 426، سير أعلام النبلاء 3 / 297، مختصر تاريخ دمشق 7 / 140، البداية والنهاية 8 / 131، بغية الطلب 6 / 2609.
(6) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 426، تهذيب الكمال 4 / 490، الكامل في التاريخ 3 / 399، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : 185.
(7) تاريخ الطبري 3 / 297، البداية والنهاية 8 / 134، الإرشاد 2 / 67، بحار الأنوار 44 / 365 ب 37.
(8) الملهوف على قتلى الطفوف: 128.
(9) تاريخ الطبري 3 / 304، الكامل في التاريخ 3 / 404، البداية والنهاية 8 / 137.
(10) كامل الزيارات: 72 ب 23 ح 4.
(11) كامل الزيارات: 73 ب 23 ح 6.
(12) انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 424، سير أعلام النبلاء 3 / 295، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : 186.
(13) انظر: الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ 6 / 428، أنساب الأشراف 3 / 374، سير أعلام النبلاء 3 / 297، مختصر تاريخ دمشق 7 / 142 ـ 143، البداية والنهاية 8 / 132، بغية الطلب 6 / 2611، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : 187.
(14) وفيات الأعيان 3 / 29 ـ 30 رقم 321 ترجمة عبـد الله بن عمر.
(15) الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : 189.
(16) أنساب الأشراف 3 / 393.
(17) الأخبار الطوال: 244، وانظر مؤدّاه في الصواعق المحرقة: 298.
(18) دلائل الإمامة: 74، بحار الأنوار 44 / 364 ب 37.
(19) إثبات الوصية: 166، الملهوف على قتلى الطفوف: 128، بحار الأنوار 44 / 364 ب 37.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *