نظر الأُستاذ

نظر الأُستاذ
وقد تنظّر الأُستاذ في الإشكالات على الإحتمالات في مقام الإثبات.
أمّا ما ذكر في الإحتمال الثاني، ففيه: إنه أخصّ من المدّعى، لأنه إنّما يتمُّ لو لم يكن صدور الخطاب المطلق في مقام بيان الوظيفة الفعليّة، وإلاّ وجب الأخذ بالمطلق ولا يتقدّم عليه المقيَّد الظاهر في الوجوب.
وأمّا ما ذكر في الإحتمال الثالث، ففيه: إن قاعدة الحمل على الإرشاديّة غير جارية في المقيَّد، إذ ليس «أعتق رقبةً مؤمنة» مسبوقاً بأمر متوجّه إلى مركب حتى يكون الأمر بالمقيَّد إرشاداً إلى شرطيّة الإيمان أو جزئيّته في المركّب، ففرقٌ بين قوله: (أقيموا الصلاة) ثم قوله (اركعوا) و(اسجدوا) حيث أنّ الأمر بالصلاة أمر بمركّب، والأمر بالركوع والسجود ونحوها يحمل على الجزئيّة للصّلاة المأمور بها من قبل، لعِلمنا بأنّ الصّلاة فعلٌ مركَّب من أجزاء مترابطة، وباب الإطلاق والتقييد، فليس الأمر فيه كذلك، بل الأصل الأوّلي ـ وهو الحمل على المولويّة والمطلوبيّة النفسيّة ـ محكَّم فيه.
فما ذكر في (المحاضرات) غير دافع للإحتمال الثالث.
نعم، يندفع بما ذكره الميرزا من الفرق بين ما نحن فيه ومسألة الواجب في الواجب ـ كأنْ ينذر واجباً من الواجبات ـ لأن متعلَّق الأمر في أعتق رقبةً مؤمنةً، هو تقيُّد الرقبة بالإيمان، أمّا في مثل نذر الصّلاة وغيرها من الواجب في الواجب، فإنّ متعلَّق الأمر هو القيد، أي خصوصيّة الإتيان بالصّلاة في أول الوقت مثلاً.
وقد ذكر هذا الجواب في (المحاضرات) في آخر كلامه قائلاً: «هذا مضافاً…» وهذا هو الجواب الصحيح.
وأمّا الإحتمال الرابع، فإنّ الميرزا قال: إنّ استقلال كل من الدليلين عن الآخر ينافي كون المتعلّق فيهما صرف الوجود وكون الأمر بالمقيد إلزامياً، فالتنافي بين الدليلين مستقرٌ، وهذا باطل. وإذا سقط هذا الإحتمال تعيّن الأول وهو حمل المطلق على المقيد.
وفيه: إنه إذا كان الدليلان مستقلّين وكلّ منهما حكم إلزامي، مفاد المطلق إجزاء عتق الكافرة، ومفاد المقيَّد تعيّن المؤمنة، فهما متنافيان ولا طريق للجمع بينهما، فلماذا يحمل أحدهما على الآخر؟ ولماذا يتعيّن حمل المطلق على المقيد؟ إنه لابدّ لتقديم أحد المتنافيين على الآخر من ملاك، وإلاّ فهو خلاف الظاهر جدّاً، والميرزا لم يذكر الملاك.
وأمّا ما جاء في (المحاضرات) من لزوم تقييد المطلق بحصّة غير الحصّة المأخوذة في المقيَّد، وهو خلاف الظاهر لعدم الدليل عليه، فهو إرجاعٌ للدليلين إلى التخيير بين الأقل والأكثر، لكنّه يحتاج إلى دليل زائد وهو مفقود كما ذكر.
لكنْ يرد عليه ـ مضافاً إلى ما تقدَّم من عدم الدليل حينئذ على ترجيح المقيَّد على المطلق ـ أنّ هنا احتمالاً آخر وهو: أنْ يكون الخطابان على نحو تعدّد المطلوب، بأن يكون هناك غرض مترتّب على الطبيعة اللاّبشرط، وغرض آخر مترتّب على الطبيعة البشرط، كما ذكر هو في مثال الماء، ومثاله في الشريعة ترتّب الغرض على الصّلاة وترتب غرض آخر على وقوعها في الوقت، فلو فات الوقت وجب الإتيان بها قضاءً، تحصيلاً للغرض المترتب على الطبيعة. فليكنْ الحال في المقام من هذا القبيل. وهذا الإحتمال الثبوتي قد قام عليه الدليل في مقام الإثبات، لأنّ المفروض وجود الدليل على الغرضين، إلاّ أنْ كلاًّ منهما مزاحمٌ للآخر، وهذا هو الإشكال، لأنّ رفع اليد عن المطلق دون المقيَّد يحتاج إلى دليل.
وتلخّص: إنه لا دليل على حمل المطلق على المقيَّد في الصّورة الرابعة، على ما ذكر الميرزا وتلميذه المحقق.
وذكر المحقق العراقي طريقاً لحلّ المشكل، وهو أنّه لمّا كان المتعلَّق في كلٍّ من الدليلين صرف الوجود، وهو لا يقبل التعدّد بأنْ يؤتى بصرف وجود كلٍّ من المتعلَّقين، لاستلزامه اجتماع المثلين وهو محال كاجتماع الضدّين، إذاً لا مناص من الالتزام بأحد التصرّفات:
إما رفع اليد عن ظهور المطلق وحمله على المقيّد، حتّى يتّحد المراد والحكم.
وإمّا رفع اليد عن صِرف الوجود، بأنْ يحمل المتعلّق في كلٍّ منهما على وجود مستقل عن الآخر، فهناك إرادتان وحكمان مستقلاّن.
وإمّا رفع اليد عن الظهور في الاستقلال والتأسيس، وحمل المقيّد على التأكيد.
(قال) وأردء التصرّفات هو الثاني، أي حمل المتعلّق على الوجودين.
ولعلّ وجه الأردئيّة إنطباق «الرقبة» على الرقبة المؤمنة، لأنَّ كلّ لا بشرط يجتمع مع البشرط، فإبقاء كلٍّ منهما على ظاهره أردأ الوجوه، وعند دوران الأمر بين الوجهين الآخرين يتعيَّن الحمل على تأكّد الطلب في خصوص المؤمنة التي هي متعلَّق الأمر بالمقيّد.
وقد أورد عليه الأُستاذ:
أولاً: لا ريب في استحالة اجتماع الحكمين على المتعلَّق الواحد ـ وإنْ اختلفوا فقيل بالاستحالة الذاتية كما عليه صاحب (الكفاية) وهو ظاهر المحقق العراقي، وقيل هي عرضية كما عليه المحقق الإصفهاني ـ لأنهما إمّا ضدّان وإمّا مثلان، فاجتماعهما محال، لكنّ الحكمين في محلّ الكلام غير واردين في مرحلة الجعل على المتعلَّق الواحد، لأنّ صِرف الوجود في «أعتق رقبةً» غير صرف الوجود في «أعتق رقبة مؤمنة». نعم، في مرحلة الامتثال ينطبق الخطابان على الرقبة المؤمنة، وإذا تعدّد المتعلَّق، فلا حاجة إلى تصرّف أصلاً. وعليه فأصل الطريق غير صحيح.
وثانياً: إنه على فرض دوران الأمر بين التصرّفين الأوّل والثالث، قال بتعيّن الحمل على تأكّد الطلب في المجمع أي الرقبة المؤمنة، لكنه لم يذكر لهذا الحمل دليلاً، وإنّما ادّعى أولويّته من الحمل الآخر، ومن المعلوم أنّ الأولويّة لا تفيد ظهوراً للكلام، بل المرجع في رفع التنافي بين الكلامين هو العرف، وهو إنما يكون على أساس استقرار الظهور في طرف فيرفعون اليد عن الطرف الآخر، وأمّا أنْ يكون الحمل على أساس الأولوية وأنه أخفٌّ مؤنةً، فهذا ليس بحمل عرفي.
(قال) فالصحيح أنْ يقال: إنه إنْ اُحرز كون الحكم المطلق صادراً في بيان الوظيفة العملية، أي من قبيل الفتوى، فإنّ ظهوره في الإطلاق منعقدٌ ولابدّ من رفع اليد عن ظهور المقيَّد في الوجوب. أمّا إنْ لم يحرز ذلك، فإنّ ظهور المقيَّد في الوجوب تامٌ بحكم العقل ما لم يأتِ المرخّص، ولا وجه عند العقل لرفع اليد عن هذا الظهور.
هذا كلّه فيما لو كان الحكمان مثبتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *