دفاع الأُستاذ

دفاع الأُستاذ
وقد ذكر الأُستاذ: أن وجه الأظهرية قد خفي على هذين المحققين فأشكلا بما ذكر، وذلك أن صاحب (الكفاية) قد صرّح في المبحث الثاني(1) من مباحث صيغة الأمر بأنّها تدلُّ على الوجوب، والدليل هو التبادر عند استعمالها بلا قرينة (قال): ويؤيّده عدم صحّة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب.
ثم ذكر في المبحث السادس(2): «قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيّاً تعيينيّاً عينيّاً، لكون كلّ واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته، فإذا كان في مقام البيان ولم ينصب قرينةً عليه، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً، وجب هناك شيء آخر أوْ لا، أتى بشيء آخر أوْ لا، أتى به آخر أوْ لا».
وبالدقة في كلامه في المبحثين يظهر وجه الأظهريّة، لأنْ «أعتق رقبةً» مطلقٌ وليس معه شيء آخر، وإطلاقه بدلي، لكنّ «أعتق رقبةً مؤمنةً» مشتمل ـ بالاضافة إلى الدلالة الإطلاقيّة من جهة الوجوب التعييني ـ على دلالة وضعيّة من جهة الدلالة على وجوب خصوص المؤمنة، فكان المقيَّد أظهر دلالةً، وتقديم المطلق عليه يستلزم سقوط الإطلاق والوضع معاً.
فظهر اندفاع الإشكال عن كلامه في المقام، وإنْ كان لنا فيه نظر من ناحية اخرى، كما سيأتي.
ويمكن دفع الإشكال بعبارة اخرى، بأن يقال: إنّ ظاهر «أعتق رقبةً» ينفي دخل الإيمان عن طريق عدم التقييد واللاّبشرطيّة، أمّا في «أعتق رقبةً مؤمنةً» فإنه وإنْ كان الإطلاق يقتضي الوجوب التعييني، لكن اعتبار خصوصيّة «الإيمان» قد أوجد التضييق في دائرة الموضوع، وهذه الدلالة على التضييق وضعيّة لا إطلاقيّة.
والحاصل: إنه في «أعتق رقبةً» توجد التوسعة بالنسبة إلى الإيمان عن طريق الإطلاق ـ أي بمقدّمات الحكمة ـ لا بالدلالة اللّفظية، أمّا في «أعتق رقبةً مؤمنةً» تضييق بالنسبة إلى الإيمان بالدلالة اللّفظية الوضعيّة، فكان الإطلاق فيه مقترناً بدلالة وضعيّة، فيكون ظهوره أقوى من ظهور «أعتق رقبةً» ويتقدّم عليه بملاك الأظهريّة.
والثالث: ما ذكره الشيخ وحاصله: أنّ الأمر يدور بين الجمع بين المطلق والمقيَّد بالتخيير، أو حمل المقيَّد على الأفضلية والاستحباب، أو حمل المطلق على المقيَّد.
أمّا الجمع بالتخيير، فغير معقول، لأن النسبة بين «الرقبة» و«الرقبة المؤمنة» نسبة الكلّي إلى الفرد، والتخيير بين الكلّي والفرد محال، لوضوح أنّه يكون بـ«أو» وهي تقتضي المباينة بين الفردين، ولا مباينة بين الكلّي والفرد.
وأمّا حمل المقيّد على الأفضليّة، فمردود بأنّه خلاف الظاهر، لأن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب، وحملها على الاستحباب رفع لليد عن مقتضى الظاهر بلا موجب.
وأمّا حمل المطلق على المقيّد، فلا يستلزم تصرّفاً في المعنى ولا تجوّزاً في اللّفظ، لأنّه قد استعمل في الماهيّة، ثم لمّا جاء المقيَّد علمنا أنّه لم يكن في مقام بيان مراده الجدّي، فنحمل كلامه المطلق على هذا المقيَّد، ولا يستلزم أيّ محذور فيتعيّن هذا الإحتمال.

(1) كفاية الاصول: 70.
(2) كفاية الاصول: 76.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *