المقام الثاني (لو تردّد بين فردين)

المقام الثاني (لو تردّد بين فردين)
لو قال: «يجب إكرام العلماء» ثم قال: «يحرم إكرام زيد» ثم تردّد المراد بين زيد العالم وزيد الجاهل، إن أراد الأول فهو تخصيصٌ، وإن أراد الثاني فهو تخصّص، فهل يمكن تعيين (زيد) بالتمسّك بالعام؟ وهل عن طريق العام ينحلّ العلم الإجمالي؟
قال الميرزا(1) ـ وتبعه في (المحاضرات)(2) ـ بجواز التمسّك بالعام وحصول الانحلال: بأنّ أصالة العموم في دليل العام حجة في مورد الشك في التخصيص، ومعنى الحجية هو وضوح جهة الحكم، وأنّ كلّ عالم فهو واجب الإكرام، وحيث أن زيداً عالم، فيشمله العموم ويجب إكرامه لكون خروجه تخصيصاً مشكوك فيه، ويدلّ ذلك بالإلتزام على عدم حرمة إكرامه، للتضادّ بين الوجوب والحرمة… وبذلك ينطبق النّهي عن الإكرام على زيد الجاهل، فانحلّ العلم الإجمالي… فلم يؤثر إجمال الخاص على العام بل بالعكس فقد رفعت أصالة العموم الإجمال عن الخاص. وبهذا التقريب يندفع اشكال السيّد البروجردي.
قال الأُستاذ:
قد تقدّم أن مبنى أصالة العموم هي السيرة العقلائية، ولا ريب في قيام السيرة على الأخذ بالعام في مورد الشك البدوي، وكذا مورد العلم الإجمالي المردّد بين الأقل والأكثر في الشبهة المفهومية، كتردّد الفسق بين مرتكب الكبيرة أو الأعم، لرجوع الأمر إلى الشبهة البدويّة في طرف الأكثر، وأمّا لو كان بين طرفي الترديد التباين ـ كما نحن فيه ـ حيث أنّ الشك في التخصيص مقرون بالعلم الإجمالي المنجّز في حدّ نفسه ـ بقطع النظر عن العام ـ ولا ينتهي الأمر إلى الشبهة البدوية، فإنّ قيام السيرة العقلائية على الأخذ بعموم العام غير واضح. مثلاً: لو أنّ رجلاً له تجاراتٌ متعدّدة، منها تجارةٌ في الكتب وتجارةٌ في الذهب والمجوهرات، فكتب إلى أحد وكلائه في البلاد بشراء كلّ كتاب، ثم أرسل إليه رسالةً في أنْ لا يشتري «الجواهر» فشكّ الوكيل في أنّ مراده كتاب «جواهر الكلام» أو «المجوهرات»، فهل يتوقّف حتى يستوضح المراد من المخصّص أو يتمسّك بالعام؟ الظاهر هو الأوّل، وقيام السّيرة على التمسّك بالعام في مثله غير ثابت، ومع الشك في ثبوتها، فالقدر المتيقّن هو مورد الشبهة البدوية والأقل والأكثر الذي يؤول إليها.
بقي النظر في رأي السيد البروجردي على ضوء المقدّمات التالية:
1 ـ إن العلم الإجمالي متقوّم دائماً بقضية منفصلة مانعة الخلو، ففيما نحن فيه: يحرم الإكرام إمّا إكرام زيد العالم وإما إكرام زيد الجاهل، فلابدّ من احتمال حرمة إكرام العالم أيضاً وإلاّ لم يتحقق العلم الإجمالي.
2 ـ إن احتمال اجتماع الضدّين محال كاجتماعهما واقعاً.
3 ـ إنّ الأحكام الخمسة متضادّة، وإن وقع البحث في أنه تضادٌ فلسفي أو اصولي.
فقوله رحمه اللّه: بأنْ دليل العام حجةٌ بالنسبة إلى زيد العالم، لكنَّ العلم الإجمالي باق على حاله، لأنا نحتمل حرمة إكرامه أيضاً(3) فيه: إنّ حجية العام في الوجوب توجب انحلال العلم، وإلاّ يلزم احتمال اجتماع الضدّين وهو محال كما تقدّم.

(1) أجود التقريرات 2 / 318.
(2) محاضرات في اصول الفقه 4 / 391.
(3) نهاية الاصول: 309 ـ 310.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *