الأمر الثاني

الأمر الثاني
إنّ لأهل الفنّ، كالشيخ والميرزا والإصفهاني وغيرهم، مصطلحات لها دخل في البحث في المقام، فيلزم فهمها فنقول:
لقد قسّموا الوجود إلى قسمين هما: الوجود في نفسه، والمراد منه الوجود المضاف إلى ماهيّة، سواء كانت جوهراً أو عرضاً، كوجود الإنسان، والعلم. والوجود لا في نفسه، والمراد منه الوجود غير المضاف إلى ماهيّة بل يوجد في وجود آخر، لا بمعنى كونه من شئونه وأوصافه بل إنه مضمحلٌّ فيه، كقولنا بوجود الربط بين الموضوع والمحمول، فلمّا نقول: زيد قائم، فإنّ هناك وجوداً يكون رابطاً بين زيد وقائم وهو وجود غير وجودهما، يدلّ على وجوده الارتباط الموجود بينهما، وهو غير الارتباط الموجود في عمرو قائم وزيد جالس، ولذا نقول بأنّ المعنى الحرفي جزئي حقيقي.
فالوجود الرابط وجود لا في نفسه بل بين الموضوع والمحمول، بخلاف بياض الجدار، فإنّه وجود في نفسه غير أنه قائم بالجدار.
فظهر: إن الوجود الرابط يكون بين الوصف والموصوف فقط، وهذا مفاد كان الناقصة، أي مفاد ثبوت الأوصاف والأعراض للموضوعات، كقولنا: كان زيد قائماً، في مقابل مفاد كان التامة، أي ثبوت الوجود للماهية مثل: كان زيد.
ثم إنّ الهليّة البسيطة مثل: هل زيد موجود؟ مفاد كان التامة، وفي مقابلها الهليّة المركبة مثل: هل زيد عالم؟ مفاد كان الناقصة.
ومن هنا علم: أن الوجود الرّابط لا يكون في مفاد كان التامة والهليّة البسيطة، فلا يقال: زيد هست است، بل يقال: هست. لأنه يستحيل الربط بين الشيء ونفسه… هذا أوّلاً. وثانياً: تارةً نقول: ثبوت البياض. واخرى نقول: ثبوت البياض للجدار. وإذا كان الوجود عين الثبوت فلا معنى لأنْ يثبت لشيء.
وأمّا في مثل: ليس زيدٌ، وزيد معدوم وأمثالهما، فلا وجود رابط، لأنّه ـ كما تقدم ـ ربط بين شيئين، والعدم ليس شيئاً حيت يربط بشيء. هذا أولاً. وثانياً: الوجود الرابط ثبوت شيء لشيء، والعدم لا ثبوت له.
وأيضاً: ليس الوجود الرابط في مفاد ليس الناقصة مثل: ليس زيد بعالم، لأنه سلب الشيء عن الشيء، فلا يكون في القضايا السالبة ربط السلب ولا ربط هو سلب، بل مفادها سلب الربط، فلا معنى لمجيء الوجود الرابط. وأمّا في مثل: ليس زيد بموجود، فإن المسلوب هو الوحدة بين الموضوع والمحمول لا الربط، لما تقدّم من عدم الربط بين الشيء ونفسه.
وتلخّص: إن الوجود الرابط يكون في مفاد كان الناقصة فقط، وهذا الوجود عين الربط، وهو متقوّم بوجود الطرفين، وهو غير موجود في مفاد كان التامة. وفي ليس التامّة ليس إلاّ النفي للربط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *