الإشكالات

الإشكالات
لكنْ هنا إشكالات:
الأول: إنه لا مقتضي لجريان هذا الأصل، لما تقرّر من أنّ مجراه الحكم الشرعي أو الموضوع له، وعليه، فإن الموضوع في لسان الدليل هو «العالم» وهو الذي جاء الحكم بوجوب الإكرام عليه، وأمّا أقسامه وأوصافه الطارئة عليه، فلم يؤخذ منها شيء في لسان الدليل موضوعاً للحكم، فليس «العالم الذي لم يتّصف بالفسق» هو الموضوع، أو «المرأة التي لا تنتسب إلى قريش»، بل الموضوع «المرأة»، وهو محرز بالوجدان ولا شكّ فيه ليجري فيه الإستصحاب.
الثاني: إنه إذا ورد المخصّص، أثّر في الظهور والدلالة الإستعماليّة، ويكون الموضوع في الدليل مقيّداً بالمخصّص، وأثّر أيضاً بحسب الحجيّة في الإرادة الجديّة ـ إن كان منفصلاً ـ كما هو واضح… وعليه، فإنّ الظهور ينقلب ويكون الموضوع مقيّداً ومعنوناً بالخاص، فيتركّب الموضوع أو يتقيّد ـ على الخلاف، كما سيأتي ـ ولا يبقى مجرّداً عن القيد، بل يكون «العالم غير التصف بالفسق» و«المرأة غير المنتسبة إلى قريش» هو الموضوع. ولا أصل ينقّح حاله.
وعلى الجملة، فإنّ بيان (الكفاية) إنما يتمّ بناءً على عدم تلوّن العام بعنوان الخاص بعد التخصيص، وهو خلاف التحقيق.
وقال الإيرواني معلّقاً على قول (الكفاية): «لما كان غير معنون بعنوان خاص»:
يعني: العنوان الخاصّ الوجودي المقابل لعنوان المخصّص. وأمّا العنوان العدمي ـ وهو عدم عنوان المخصص ـ فالباقي تحت العام معنون به ألبتة، وقد صرّح به المصنف بقوله: بل بكلّ عنوان لم يكن ذلك بعنوان الخاص، «فإن قوله لم يكن ذلك بعنوان الخاص هو بعينه عنوان للعام، لكن تعبيره بقوله: «بل بكلّ عنوان» مسامحة، لأنه يوهم دخل تمام العناوين الوجودية التي ليست بعنوان الخاص لكن على سبيل البدل، وهو باطل قطعاً وخلاف المقصود جزماً… فما فرّعه المصنف على ما أصّله من جريان الأصل الموضوعي… ليس على ما ينبغي، فإنّ مجرد عدم تحقّق الانتساب الذي هو السلب الناقص لا أثر له بعد أنْ صار عنوان العام بعد خروج الخاص المرأة التي ليست امرأةً من قريش، إذ ليست لهذا السلب الناقص في المرأة المشكوكة قرشيّتها حالة سابقة متيقّنة…(1).
وحاصل كلامه: إن مراد (الكفاية) تعنون العام وتقيّده بالعدم بعد إخراج العنوان الوجودي، فالمرأة متّصفة بعدم القرشيّة بنحو ليس الناقصة، وهذه لا حالة سابقة لها حتى تستصحب، بل الموجود في الأزل هو المرأة غير المنتسبة إلى قريش بنحو ليس التامة، واستصحاب عدمها بنحو ليس التامة لإثبات عدمها بنحو ليس الناقصة لا يتم إلاّ على الأصل المثبت.
لكنّ الأُستاذ استظهر من كلام (الكفاية) غير هذا، لأنه نفى تعنون العام بعد التخصيص، بل جعل المخصّص مخرجاً فقط، ثمّ أكّد ذلك بقوله: بل بكلّ عنوان… فأفاد أنّ الموضوع هو «المرأة» فقط… فقول الإيرواني بأنّ العنوان العدمي مفاد ليس الناقصة والأصل مثبت، إنما يتمُّ لو كان صاحب (الكفاية) يرى اتّصاف العام ـ بعد تخصيصه بعنوان وجودي ـ بعنوان عدمي، وهذا ما ينفيه كلامه.
الثالث: إنه لو سلّم جريان أصل العدم الأزلي والقول بعدم الاتّصاف في الزمان اللاّحق، فإنّه لا يرفع حكم الخاصّ عن الفرد، لأنا إذا استصحبنا عدم فسقه أزلاً اندرج تحت العام، ولكنْ ما المخرج له من تحت الخاص مع احتمال كونه فاسقاً وقد قال: لا تكرم الفسّاق؟ ونفي حكم الخاص عنه بالأصل لا يتم إلاّ بالأصل المثبت كما لا يخفى.
وقد أجاب المحقق الإصفهاني(2) بما حاصله: لقد دلّ العام على وجوب إكرام العالم، وهو يدلّ بالالتزام على أنّ شيئاً من العناوين لا ينافي «عنوان» العالم المجعول موضوعاً لوجوب الإكرام، فهو واجب الإكرام سواء كان عدلاً أو لا، غير متصف بالسفاهة أو لا… وهكذا… وإذا كان لا ينافي وجوب الإكرام فهو مناف لحرمته، فكان الفرد خارجاً من تحت الخاص بالدلالة الإلتزامية لدليل العام، الدالّ بالمطابقة على وجوب إكرام ما أُخذ فيه موضوعاً وهو العالم.

(1) نهاية النهاية 1 / 284.
(2) نهاية الدراية 2 / 461.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *