الكلام حول الوجه الأول

الكلام حول الوجه الأول
هذا، وقد أورد على الوجه الأول: قولكم: المخصّص مجمل لا يقبل المزاحمة مع العام. نقول: المزاحمة حاصلة، لأن الخاص وإنْ لم يزاحم العام في الدلالة الاستعمالية إلاّ أنه يقيّد المراد الجدّي منه، لأنه ليس بمهمل ولا مطلق، وإذا تقيّد العام بغير الفاسق ـ بأي معنىً كان الفاسق ـ اُحتمل أن يكون مرتكب الصغيرة أيضاً فاسقاً، فكان انطباق الخاصّ والعام كليهما عليه على حدٍّ سواء، وهذا هو الإجمال.
وأتقن ما اُجيب به عنه هو ما ذكره الميرزا من: أنّ العام قد تقيّد وتعنون بغير الفاسق، فإنْ كان المراد تقيّده بمفهوم «غير الفاسق» بما هو مفهوم فالإشكال وارد، لكون مفهوم الفاسق مجملاً، لكنّ العام تقيّد بمفهوم غير الفاسق بما هو فان في المعنون وحاك عن المصداق، ولمّا كان المفروض هو الشك في مِصداقية مرتكب الصغيرة لعنوان غير الفاسق، فالخاص غير منطبق عليه، فيكون تقيّد العام مشكوكاً فيه، فهو باق بالنسبة إليه على حجيّته.
وقد أورد الأُستاذ ـ في الدورتين ـ على الميرزا بالنقض بما ذهب إليه فقهاً واصولاً من ترتيب الأثر على العنوان، كما في مسألة الفحص عن المخصّص، فلو علم إجمالاً بورود المخصّصات على العام، فعثر على تسعة منها، قال بانحلال العلم وإنْ احتمل وجود العاشر، لكنّه لا يقول بهذا في الأخبار المخرجة في الكتب الأربعة، إذا كان موضوع العلم الإجمالي متعنوناً بعنوان «ما في الكتب الأربعة» بل عليه الفحص… وكما في مسألة ما لو كان مديناً لزيد وشك في أنه تسعة دنانير أو عشرة، فلا يجب عليه العشرة إلاّ إذا كان الموضوع «ما هو مكتوبٌ في الدفتر»، فإنّه لو تردّد بين الأقل والأكثر وجب أن يدفع الأكثر المسجّل في الدفتر.
وعلى الجملة، فإنه قد رتّب الأثر على العنوان، مع كونه فانياً في المعنون حاكياً عن المصداق، فلم يأخذ في تلك الموارد بالقدر المتيقن بل تعامل معها معاملة المتباينين… ومن الواضح منافاة ذلك لما ذهب إليه في بحثنا في مفهوم الفسق….
وتلخّص: إنه بناءً على ما ذهب إليه الميرزا في الموارد الاخرى، يكون المجمل مؤثراً في العام، فهذا النقض وارد عليه.
لكنّ التحقيق في الحلّ هو ما تقدّم: من أنّ العناوين المأخوذة في الأدلّة تنظر بما هي فانية في الخارج لا بما هي مفاهيم ذهنية، فصحيحٌ أن الخارج لا يرى إلاّ بالصّورة الذهنية وأنّه ظرف سقوط الحكم لا ثبوته، وهاتان النكتتان توجبان توجّه الحكم إلى العنوان، لكنّ قوله: «لا تكرم الفساق من العلماء» ناظرٌ إلى الوجود الخارجي، وليس هنا إلاّ القسمان، فأمّا مرتكب الكبيرة فخارج من تحت العام يقيناً، لكن مرآتية عنوان «الفاسق» لمرتكب الصغيرة مشكوك فيها، فكان العام بالنظر إلى الواقع الخارجي مقيّداً بغير مرتكب الكبيرة فقط وباقياً على حجيّته بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة.
وبعبارة اخرى: إن المخصّص إنما يمانع العام في الحجيّة فيما إذا كان في نفسه حجةً، وإلاّ فلا اقتضاء فيه، فكيف يكون في مرحلة المانعية عن انعقاد ظهور العام في الحجيّة؟
إن المفروض هو الشكُ في حجية المخصص بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة، فكيف يكون مسقطاً للعام في دلالته على وجوب إكرامه بالعموم؟
فالإشكال في الوجه الأول مندفع.
لكنْ تبقى شبهة ـ طرحها الأُستاذ في الدورتين ـ وحاصلها: إن الكاشف عن الإرادة الجديّة هي السيرة العقلائيّة، وكأنّ العقلاء في مثل المقام يتوقّفون! نظير ما لو قال: اشترلي قطعةً من السجّاد، ثم قال: لا تشتر السجّاد من صنائع كرمان، فشكّ في أنه يمنع من خصوص السجّاد المصنوع في داخل البلد أو الأعمّ منه ومن المصنوع في حواليه من القرى والأرياف؟ فالظاهر: أنه يتوقّف عن الشراء مطلقاً حتى يستوضحه عن المراد؟
إذن، فإن مقتضى القاعدة هو الإحتياط والتوقّف، لا الأخذ بالعام في الزائد على القدر المتيقن… خلافاً للمشهور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *