قول المحقق العراقي بعدم الفساد

قول المحقق العراقي بعدم الفساد

وذهب المحقق العراقي إلى عدم اقتضاء النهي المولوي التحريمي المتعلّق بالعبادة لفسادها(1) قال: إلاّ من جهة قضية الإخلال بالقربة الموقوفة على العلم به، وإلاّ فمن جهة فقدانها للملاك والمصلحة لا دلالة عليه بوجه من الوجوه، لأن غاية ما يقتضيه النهي المزبور بما أنه نهي مولوي تحريمي إنما هو الدلالة على قيام المفسدة في متعلّقه، وأمّا الدلالة على عدم وجود ملاك الأمر والمصلحة فيه ولو من جهة اخرى فلا. نعم، مع الشك في الملاك كان مقتضى الأصل هو الفساد، ولكنه غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي لذلك.
وحاصل كلامه: إن المنشأ لفساد العبادة منحصرٌ بأمرين، فإمّا هو عدم الملاك، وإمّا عدم تمشّي قصد القربة بالعبادة مع وجود النهي عنها، ومن الواضح اعتبار قصد القربة فيها إمّا جزءً أو شرطاً، فإذا انتفى انتفى الكلّ أو المشروط.
لكنّ النهي لا دلالة له على عدم الملاك، لأن غاية مدلوله وجود المفسدة في العمل، أما الدلالة على عدم المصلحة فلا، لعدم التضاد بين المصلحة والمفسدة، بل التضاد هو بين المحبوبيّة والمبغوضيّة، وعلى هذا، يمكن اجتماع المصلحة والمفسدة في الشيء الواحد، كما في استعمال الدواء لعلاج مرض، فإنّه «ليس مِنْ دواء إلاّ ويُهيّجُ داءً» كما في الخبر(2).
وأمّا قضيّة قصد القربة، فإنّه يتمشّى مع وجود النهي في حال جهل المكلّف بالنّهي وإنْ كان موجوداً في الواقع.
الجواب
والجواب عمّا ذكره:
أمّا في القسم الأول من كلامه و هو كون العمل ذا مصلحة مع تعلّق النهي به. ففيه: إن مجرّد وجود المصلحة في العمل غير كاف لصلاحيته للمقربيّة، لحكم العقل ـ وهو الحاكم في باب المقربيّة والمبعّدية ـ بأنها إنّما تصلح للمقربيّة في حال كونها غرضاً للمولى، بأنْ تكون منشأً لأمره بالعمل أو يتعلّق بها غرضه، وإلاّ، فإن مجرّد واجديّة العمل للمصلحة لا تصيّره مقرّباً من العمل. هذه هي الكبرى. وفي مقامنا: لا شكّ في أنه مع وجود النهي التحريمي عن العمل تكون المصلحة الموجودة فيه ساقطة عن كونها غرضاً للمولى، بل يكون النهي كاشفاً عن وصول المفسدة إلى حدّ الغرضية، فيكون غرضه هو الإنزجار عنه لا الانبعاث إليه….
والحاصل: إنه مع تسليم ما ذكره من عدم المنافاة بين المصلحة والنهي نقول: عندما يقوم النهي عن العمل تكون الفعلية للمفسدة، والمصلحة من حيث الغرض على حدّ الشأنية، وإذا وصلت المفسدة إلى الفعلية كان غرض المولى هو الانزجار عن العمل المنهي عنه، وما يكون كذلك فلا يصلح للمقربيّة.
وأمّا في القسم الثاني من كلامه، وهو تمشي قصد القربة من المكلَّف مع جهله بالنهي، فيتّضح ما فيه مما ذكرناه في القسم الأوّل، لأنّ مجرّد قصد القربة وتمشّيه غير كاف، بل لابدّ قبل ذلك من صلاحية العمل للمقربيّة، والعمل الذي تعلَّق به النهي وكان الانزجار عنه هو الغرض من المولى، غير صالح للمقربيّة، فلا يكون عبادةً، إذ كيف يكون عبادةً وهو مبغوض فعلاً وإن كان محبوباً في عالم الشأنية؟
وعلى هذا الأساس نقول ببطلان العبادة في باب اجتماع الأمر والنهي بناءً على الامتناع، وأنّ الجهل بالنهي لا يكون مناطاً للصحّة، لأنه قد قصد التقرب إلى المولى بما هو مبغوض عنده، غاية الأمر يكون معذوراً بسبب الجهل، نظير ما إذا قتل ابن المولى بقصد القربة إليه جاهلاً بكونه ابنه وزاعماً أنه عدوّ له، فإنّ العمل مبغوض للمولى وإن كان ذا حسن فاعلي.

(1) نهاية الافكار ج (1 ـ 2) 456.
(2) وسائل الشيعة 2 / 408، الباب 4، الرقم: 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *