السادسة: (في المراد من الصحة و الفساد)

السادسة: (في المراد من الصحة و الفساد)

ذكر في (الكفاية)(1): إن الصحّة والفساد وصفان إضافيّان يختلفان بحسب الآثار والأنظار، فربّما يكون شيء واحد صحيحاً بحسب أثر أو نظر وفاسداً بحسب آخر، ومن هنا صحّ أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف بل هما فيهما بمعنى واحد وهو التماميّة، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب فيهما من الآثار التي بالقياس عليها تتصف بالتماميّة وعدمها، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلّم في صحة العبادة، فلمّا كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب، فسّر صحة العبادة بسقوطهما، وكان غرض المتكلّم هو حصول الإمتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة، فسّرها بما يوافق الأمر تارة وبما يوافق الشريعة اخرى.
ثم إنه نبّه على أنّ الصحّة والفساد عند المتكلّم وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به للمأمور به وعدمها، وأمّا الصحّة ـ بمعنى سقوط الإعادة والقضاء ـ عند الفقيه، فهي من لوازم الإتيان بالمأمور به بالأمر الأوّلي عقلاً، فالصحّة هذه حكم يستقل به العقل وليس بمنتزع كما توهّم الشيخ.
وعلى الجملة، حيث أن الأمر في الشريعة يكون على أقسام من الواقعي الأوّلي والثانوي والظاهريّ، فإنّ الصحة في الإتيان بالمأمور به بالأمر الأوّلي الواقعي ليس بحكم وضعي مجعول من قبل الشارع، أمّا سقوط الإعادة والقضاء في الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الثانوي وبالأمر الظاهري ربّما يكون مجعولاً، فيكون السقوط تخفيفاً ومنّةً على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتها، كما ربما يحكم بثبوتهما، فيكون الصحة والفساد ـ في هذا القسمين ـ حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.
هذا في العبادات.
وأمّا الصحّة في المعاملات، فمجعولة، حيث أنّ ترتب الأثر على المعاملة إنما هو بجعل الشارع ولو إمضاءً، إذ لولا جعله لما ترتب الأثر، لأصالة الفساد… هذا في كلّي المعاملة. ثم قال: نعم: صحّة كلّ معاملة شخصيّة وفسادها ليس إلاّ لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدم انطباقها.
وتلخص:
إن المحقق الخراساني تعرّض في هذه المقدّمة لأمرين:
أحدهما: تعريف الصحّة والفساد، وأنه لا خلاف فيه بين المتكلّم والفقيه، وإنما الاختلاف بحسب الأثر.
والآخر: إنهما مجعولان أوْ لا؟ وملخّص كلامه التفصيل في العبادات بين الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي وغيره. وفي المعاملات بين الكليّة والجزئيّة، خلافاً لمن قال بأنهما مجعولان مطلقاً، ومن قال بعدم الجعل مطلقاً، وغير ذلك.
وقال الميرزا رحمه اللّه(2) ما حاصله: إنّ الصحّة الظاهرية قابلة للجعل، أمّا الواقعية التي هي انطباق المعتبر والممضى شرعاً على الفرد والحصّة من المعاملة، فهي غير قابلة للجعل.
وفي (المحاضرات)(3) ما حاصله: إن الصحة والفساد من الامور العارضة على الموجودات الخارجية، أمّا نفس ماهيّة المعاملة فلا تتّصف بهما، فلابدّ من التفصيل بين العبادات والمعاملات: بأن يقال بالجعل في المعاملات دون العبادات، والسرّ في ذلك هو أن العبادة متعلَّق الحكم كما في (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(4) و«صوم الفطر حرام»(5) مثلاً، وأمّا المعاملة فهي موضوع للحكم وترتيب الأثر كقوله تعالى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(6) فالبيع موضوع للنفوذ، أي كلّما وجد شيء واتّصف بكونه بيعاً فهو نافذ مؤثر، وكذا (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(7) و«الصلح جائز»(8) ونحوها. فكانت الصحّة في المعاملة قابلةً للجعل دون العبادة.

(1) كفاية الاصول: 182.
(2) أجود التقريرات 2 / 209.
(3) محاضرات في اصول الفقه 4 / 142.
(4) سورة البقرة: الآية 185.
(5) وسائل الشيعة 10 / 514، الباب 1 تحريم صوم العيدين، الرقم: 3.
(6) سورة البقرة: الآية 275.
(7) سورة المائدة: الآية 1.
(8) وسائل الشيعة 18 / 443، الباب 3: إن الصّلح جائز بين الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *