تنبيه (في حقيقة الغصب)

تنبيه (في حقيقة الغصب)

قد اختلفت أنظار الأكابر في بيان حقيقة الغصب وأنه بأيّ جزء من أجزاء الصّلاة يتحقق؟
فالميرزا على أن الركوع والسجود من مقولة الوضع، والغصب من مقولة الأين، وإذا اختلفت المقولات كان التركيب انضمامياً لا اتحادياً.
والمحقق العراقي(1) على أن الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحلّ الغير في حال عدم رضاه لا أنه إشغال ملك الغير، وهذا العنوان ينطبق على الأجزاء الصّلاتية لكونها أفعالاً، فيكون الركوع فعلاً شاغلاً للمكان وهكذا غيره من الأفعال.
والمحقق الإصفهاني(2) ذهب إلى أن الأجزاء الصّلاتية من مقولات متعدّدة، لأنّ الركوع من مقولة الوضع ولا يصدق عليه التصرف في ملك الغير، لكن السجود وضع الجبهة على أرض الغير وبوضعها عليها يصدق عنوان التصرف ويلزم الامتناع، وكذلك القيام، لتحقق التصرّف في أرض الغير فيه بالاعتماد عليها.
والمحقق الخوئي(3)، ذهب إلى أنّ مفهوم السّجود لا يتحقق إلاّ بالاعتماد وهو تصرّف، أمّا وضع الجبهة بدون الاعتماد على الأرض، فليس بسجود ولا يصدق عليه التصرف في ملك الغير.
وأفاد شيخنا دام ظلّه: بأن هذا القول مخالفٌ لتصريحات أهل اللّغة، ـ إذ السجود عندهم وضع الجبهة على الأرض(4) ـ وللنصوص، ففي صحيحة زرارة:
«قلت: الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟
فقال: إذ مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه»(5).
وكذلك غيرها.
فالصحيح ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني في مفهوم السجود، لكنّ صدق التصرّف على مجرّد وضع الجبهة على الأرض مشكل، فالشبهة مفهومية لو لم نقل بانصراف دليل «لا يحلّ لامرئ أن يتصرّف…» عنه.
وتلخّص: إن مفهوم السجود غير متقوّم بالاعتماد خلافاً للسيّد الخوئي بل هو مجرّد وضع الجبهة وفاقاً للمحقق الاصفهاني، لكنّ الكلام في صدق التصرف على ذلك….
إلاّ أن الشارع اعتبر في السجود «التمكّن من الأرض» ولا ريب في صدق التصرّف عليه، ومن هنا اختار الأُستاذ الامتناع، فوافق القائلين به في القول وخالفهم في الدليل، والدليل عنده هو النصّ:
«عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض. قال: يحرّك جبهته حتى يتمكّن فينحّي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه»(6).
وأمّا ما ذهب إليه المحقق العراقي من أن الركوع والسجود نفس الفعل، ففيه: إنهما عبارة عن الهيئة الحاصلة من نسبة أجزاء البدن بعضها إلى بعض، ولا يصدق «التصرف» على «الهيئة».
وبقي القيام، والمستفاد من النصوص كصحيحة ابن سنان(7) أن يكون المصلّي في حال القيام معتمداً على رجليه، فلا يستند إلى الجدار ونحوه، ومن الواضح أنّ الاعتماد على الرجل إعتماد على الأرض، فيلزم الاجتماع والامتناع.

(1) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 417.
(2) نهاية الدراية 2 / 316.
(3) محاضرات في اصول الفقه 3 / 491.
(4) انظر: تاج العروس في شرح القاموس 2 / 371.
(5) وسائل الشيعة 5 / 137، الباب 12، باب استحباب جعل المصلّى بين يديه….
(6) وسائل الشيعة 6 / 353، الباب 8 من أبواب السجود، الرقم 3.
(7) وسائل الشيعة 5 / 500، الباب 10 من أبواب القيام، الرقم 2.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *