الكلام في الصغرى

الكلام في الصغرى

أما من ناحية الصغرويّة، فلا يمكن المساعدة مع الميرزا، فإنّ ظاهر كلامه أن التركيب بين الصّلاة والغصب انضمامي لكونهما من مقولتين، وأنّ القول ببطلان تلك الصّلاة مستند إلى كونها مقرونةً بالقبح الفاعلي، فلا تصلح للتقرّب، لا إلى المبنى في مسألة اجتماع الأمر والنهي.
لكنّ التحقيق هو: أنّ الصّلاة من مقولات مختلفة، لأنها مركّبة من أجزاء بعضها من الكيف النفساني كالنيّة، وبعضها من الكيف المحسوس كالتكبير والقراءة، وبعضها كالقيام والركوع والسجود هيئة حاصلة من نسبة بعض أجزاء البدن إلى البعض الآخر… وأمّا الهويّ إلى الركوع والسجود، فقد وقع الكلام في كونه من أجزاء الصّلاة أو لا… هذا بالنسبة إلى الصّلاة.
وأمّا الغصب، فهو الاستيلاء العدواني على ملك الغير، وهل «الغصب» و«التصرف في مال الغير بلا إذن» ـ وهما العنوانان الواردان في الأدلّة ـ واحد مفهوماً كما هو ظاهر الفقهاء أو لا؟ فيه بحث ليس هذا محلّه.
وعلى هذا، فإن كان كلّ من «الصّلاة» و«الغصب» مبدءً غير الآخر، والتركيب بينهما انضمامي، وقلنا بعدم سراية كلٍّ من الأمر والنهي إلى متعلَّق الآخر، كانت الصّلاة في ملك الغير صحيحةً، غير أنه قد عصى من جهة التصرف في ملك الغير بدون إذنه، وهذا هو المقصود من الجواز… وهو مدّعى الميرزا.
لكن التحقيق خلافه، لأنّ «الغصب» مفهوم انتزاعي ينشأ من التصرّف في مال الغير، فليس له ما بأزاء في الخارج، والتصرف تارةً يكون بالأكل واخرى بالشرب وثالثةً بالمشي، فهو ينتزع من امور مختلفة، ومن المعلوم أنّ المعنى الانتزاعي قائم بمنشأ انتزاعه ومتّحد معه، فإنْ انتزع عنوان «التصرف» من أجزاء «الصّلاة» حصل الاتحاد وكان الحق هو الامتناع… وقد عرفنا أن الصّلاة مركّبة من أجزاء هي من مقولات مختلفة.
فأمّا «النية» في ملك الغير، فلا يصدق عليها عنوان «التصرف» بلا كلام.
وأمّا التكبير والقراءة ونحوهما في فضاء ملك الغير، فلا ريب في أنها تصرّف عقلاً، إنما الكلام في الصّدق العرفي، ومع الشك فيه يكون التمسّك بقوله «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف…» تمسّكاً بالدليل في الشبهة الموضوعية لنفس الدليل… ومع وصول النوبة إلى الأصل العملي فالمرجع هو البراءة.
وأمّا الركوع والسجود، فإنّ التصرّف لا يصدق على نفس الهيئة، وصدقه على «الهوي» إليهما واضحٌ، لكنّ كون «الهوي» جزءً من أجزاء «الصّلاة» أو أنّه مقدّمة لتحقق الركوع والسجود وهما الجزآن؟ فيه خلاف.
وبعد، فإنّ القدر المتيقن من أجزاء الصّلاة الحاصل في ملك الغير والصادق عليه عنوان الغصب هو: الاعتماد على ملك الغير في حال القيام، فإنّه لولاه لم يتحقق القيام شرعاً، والاعتماد على ملك الغير في حال السجود ـ بناءً على اعتباره فيه وعدم كفاية مماسّة الجبهة للأرض ـ فإنّ هذين الاعتمادين تصرّف عرفاً، ولمّا كان التصرّف عنوان انتزاعيّاً، فإنّه يتحقق الاتّحاد بينه وبينهما، وإذا حصل ثبت الامتناع، وكانت الصّلاة باطلة.
فالنتيجة هي بطلان الصّلاة… إلاّ أنْ يخدش في شيء من مقدّماتها.
هذا هو التحقيق من الناحية الصغرويّة… وبذلك يتبيّن صحّة صلاة الميّت في ملك الغير بدون إذنه، لأنّها ليست إلاّ التكبيرات والأذكار والأدعية… وكذا صلاة من لا يقدر على القيام، إلاّ أن يقال بكونه معتمداً على الأرض في جلوسه.
وبعد ذلك كلّه… يرد على الميرزا النقض بما ذكره(1) من خروج مثل «إشرب الماء ولا تغصب» عن محلّ الكلام، لوقوع الشرب مصداقاً للغصب، لعدم الفرق بينه وبين «صلّ ولا تغصب» لوجود الملاك الذي ذكره ـ وهو استحالة اتّحاد المبادئ ـ في «الصلاة» و«الشرب» معاً بلا فرق.
وأيضاً، فإنّه في الفقه ـ في مسألة الصّلاة في المغصوب ـ قال ببطلانها في اللّباس أو المكان المغصوب، لتحقّق الاتّحاد في الحركة الصّلاتية فيه بين الصّلاة والغصب; فكان دليله على البطلان مسألة امتناع اجتماع الأمر والنهي، لا الإجماع وغيره من وجوه الاستدلال… هذه عبارته هناك:
«السابع ممّا يشترط في اللّباس: أن لا يكون مغصوباً… والذي يدل على ذلك ـ مضافاً إلى الإجماع في الجملة ـ هو كون المسألة من صغريات باب اجتماع الأمر والنهي… بمعنى كون الحركة الخاصة مأموراً بها لكونها من أفعال الصّلاة ومنهيّاً عنها لكونها تصرّفاً في الغصب…»(2).
وتلخّص:
إن التركيب بين المشتقات اتحادي بلا ريب، والتعارض في محلّ الاجتماع بين «أكرم العالم» و«لا تكرم الفاسق» موجود بلا إشكال. وأمّا بين المبادئ، فمتى كان لمبدءين وجود واحد في الخارج، فلا مناص من التركيب الاتحادي والقول بالامتناع.

(1) أجود التقريرات 2 / 141، فوائد الاصول (1 ـ 2) 412.
(2) كتاب الصلاة 1 / 285، 318 ـ 320.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *