رأي الأستاذ

مناقشة الأُستاذ ورأيه
وخالف الأُستاذ، فذكر أنّ الصحيح ثبوتاً صورتان فقط، وهما أن يكون النهي متعلّقاً بالشيء بنحو العام المجموعي، وبنحو العام الاستغراقي. وأمّا بحسب مقام الإثبات، فالموانع في الصلاة مأخوذة بنحو العام الاستغراقي، ولا احتمال آخر.
هذا مختاره بعد المناقشة مع (المحاضرات)، والنظر في الأدلة في مقام الإثبات.
ولقد أورد على كلام (المحاضرات):
أولاً: قوله بترتب المصلحة على الترك كترتّبها على الفعل.
فيه: إن المصلحة أمرٌ وجودي، وقيام الأمر الوجودي بالأمر العدمي غير معقول، فإنّه لا إشكال عقلاً وعقلاءً في تعلّق التكليف بالترك، لكنّ قيام المصلحة بالترك غير معقول، بل الموارد التي تعلّق فيها الطلب بالترك تحتمل: أن تكون نهياً في صورة الأمر، فقوله تعالى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ)(1) يمكن أن يكون من جهة وجود المفسدة في دخول البحر لا وجود المصلحة في ترك الدخول في البحر… ويحتمل أيضاً: أن تكون المصلحة في شيء ملازم للترك لا في نفس الترك، وإن كنّا لا ندري ما هو الملازم.
والحاصل: إنه متى قام البرهان على امتناع ترتب الأمر الوجودي على العدم، فكلّ دليل كان ظاهراً في الترتب لابدّ من رفع اليد عن ظهوره.
وثانياً: جعله «المسبب من الأفعال أو التروك هو المتعلّق للنهي» من «الأقسام الأربعة».
وفيه نظر، لأن كون التروك سبباً لوجود شيء غير معقول.
وثالثاً: إنه قد ذكر سابقاً بأن «صرف الترك» لا يقبل تعلّق التكليف، لأنه ضروري الحصول، فلو تعلّق به الطلب كان من تحصيل الحاصل… ولعلّه من هنا جعل الأقسام في (أجود التقريرات) ثلاثة، فلماذا عدّ هذا القسم في الأقسام الأربعة؟
ورابعاً: قوله بأنه إن كانت المصلحة في الترك، فإن الصورة وإن كانت صورة النهي لكنه لبّاً أمر، وجعله تروك الإحرام من هذا القبيل قائلاً بأن المصلحة في ترك تلك الأشياء، فكان الواجب ترك الصيد،… لبس المخيط للرجال… وهكذا… (قال) وإنّ الفقهاء قد تسامحوا حيث عبّروا عنها بمحرّمات الإحرام….
وفيه: إنّ النصوص ظاهرة في أنها محرّمات، والحق مع الفقهاء في تعبيرهم بذلك، ورفع اليد عن الظهور بلا دليل غير صحيح.
قال تعالى: (لا تَقْتُلُوا الصيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ)(2) فإنها هيئة «لا تفعل» وظاهرة في الحرمة.
وقال: (أُحِلَّ لَكُمْ صيْدُ الْبَحْرِ… وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صيْدُ الْبرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً)(3) وهذا نصٌّ في الحرمة.
وفي النصوص:
1) عن معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه عليه السلام: «إذا فرض على نفسه الحج ثم أتى بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره، ووجب عليه في فعله ما لم يجب على المحرم»(4).
2) وعنه عن أبي عبداللّه عليه السلام: قال: «لا تأكل شيئاً من الصيد وأنت محرم وإنْ صاده حلال»(5).
3) عن الحلبي عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث: « فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحل»(6).
والحاصل: النصوص جاءت بعنوان «الحرمة» وبهيئة «لا تفعل» وبعنوان جعل «الفِداء» وبعبارة «اجتنب» وكلّ ذلك ظاهراً ونصٌّ في الحرمة.
وتلخّص: إن الصحيح هو حرمة تلك الأفعال، وأنها محرّمات الإحرام لا تروك الإحرام، ودعوى أنها نواهي ناشئة من المصلحة في الترك، لا دليل عليها… بل مفاد الأدلة كونها ناشئة عن مفسدة في الفعل… ولهذا البحث ثمرة مهمة في الفقه.

(1) سورة الدخان: الآية 24.
(2) سورة المائدة: الآية 95.
(3) سورة المائدة: الآية 96.
(4) وسائل الشيعة 12 / 417، الباب 1 من أبواب تروك الإحرام، رقم 7.
(5) المصدر 12 / 419، الباب 2 رقم 2.
(6) وسائل الشيعة 12 / 458، الباب 29، رقم 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *