خطبة أميرالمؤمنين في رثاء فاطمة

خطبة أميرالمؤمنين في رثاء فاطمة
روى علي بن الحسين عن أبيه الحسين عليه السّلام قال: «لما مرضت فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أوصت الى علي أن يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحداً بمرضها ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار بذلك كما وصت به، فلما حضرتها الوفاة وصت أميرالمؤمنين أن يتولى أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها، فتولى ذلك أمير المؤمنين دفنها وعفى موضع قبرها، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خدّيه وحول وجهه إلى قبر رسول الله فقال:
السلام عليك يا رسول الله منّي والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيّدة النساء تجلدي، الاّ أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع تعزِّ، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول، وانّا لله وأنا اليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها مقيم كمد مقيح وهم مهيج سرعان ما فرق بيننا والى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر امتك علي وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لا سئم ولا قال، فان انصرف فلا عن ملالة وان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، والصبر أيمن وأجمل، ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبّث عنده معكوفا، ولأعولت اعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سراً ويهتضم حقها قهراً وتمنع جهراً، ولم يطل العهد ولن يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته»(1).
قال ابن أبي الحديد: «ان علياً عليه السّلام تمثل عند قبر فاطمة:
لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وكل الذي دون الفراق قليل
وان افتقادي واحداً بعد واحد *** دليل على الاّ يدوم خليل»(2)
وقالت زينب بنت فواز: «روي أن علياً عليه السّلام لما ماتت فاطمة وفرغ من جهازها، ودفنها رجع إلى البيت، فاستوحش فيه وجزع عليها جزعاً شديداً، أنشأ يقول:
أرى علل الدنيا عليّ كثيرة *** وصاحبها حتى الممات عليل
لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وكل الذي دون الفراق قليل
وان افتقادي فاطماً بعد أحمد *** دليل على ان لا يدوم خليل
وكان يزور قبرها في كل يوم فأقبل ذات يوم فانكب على القبر وبكى بكاء مراً وانشأ يقول:
مالي مررت على القبور مسلّماً *** قبر الحبيب فلم يردّ جوابي
يا قبر مالك لا تجيب منادياً *** أمللت بعدي خلة الأحباب
فأجابه هاتف يقول:
قال الحبيب وكيف لي بجوابكم *** وأنا رهين جنادل وتراب
أكل التراب محاسني فنسيتكم *** وحجبت عن أهلي وعن أترابي
فعليكم منّي السلام تقطعت *** منّي ومنكم خلة الأحباب»(3)

(1) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، لمحمّد بن محمّد الطبري، ص258ـ259، وذكر شطراً من هذه الخطبة الشريف الرضي في نهج البلاغة رقم 202، فراجع.
(2) شرح نهج البلاغة ج10 ص288، ورواه البدخشي في مفتاح النجاء ص157.
(3) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور، ص360.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *