مجمل التعريف بالشّيعة/تواتر مذهب الشيعة عن أئمة أهل البيت/تقدم الشيعة في تدوين العلم زمن الصحابة/المؤلفون من سلفهم زمن التابعين وتابعي…

مجمل التعريف بالشّيعة

تواتر مذهب الشيعة عن أئمة أهل البيت
تقدم الشيعة في تدوين العلم زمن الصحابة
المؤلفون من سلفهم زمن التابعين وتابعي التابعين
قال السيد:
* إن أولي الألباب ليعلمون بالضرورة انقطاع الشيعة الإمامية(1) خلفاً عن سلف في أُصول الدين وفروعه إلى العترة الطاهرة، فرأيهم تبع لرأي الأئمة من العترة في الفروع والأُصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنة أو يتعلق بهما من جميع العلوم، لا يعوّلون في شيء من ذلك إلاّ عليهم، ولا يرجعون فيه إلاّ إليهم، فهم يدينون اللّه تعالى ويتقرّبون إليه سبحانه بمذهب أئمة أهل البيت، لا يجدون عنه حولاً، ولا يرتضون بدلاً، على ذلك مضى سلفهم الصالح من عهد أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين عليهم السلام إلى زماننا هذا، وقد أخذ الفروع والأُصول عن كلّ واحد منهم جمّ من ثقات الشيعة وحفاظهم وافر، وعدد من أهل الورع والضبط والإتقان يربو على التواتر، فرووا ذلك لمن بعدهم على سبيل التواتر القطعي، ومن بعدهم رواه لمن بعده على هذا السبيل، وهكذا كان الأمر في كلّ خلف وجيل، إلى أن انتهى إلينا كالشمس الضاحية ليس دونها حجاب، فنحن الآن في الفروع والأُصول على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، روينا بقضّنا وقضيضنا مذهبهم عن جميع آبائنا، وروى جميع آبائنا ذلك عن جميع آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال، إلى زمن النقيين العسكريين، والرضايين الجوادين، والكاظمين الصادقين، والعابدين الباقرين، والسبطين الشهيدين، وأمير المؤمنين عليه السلام، فلا نحيط الآن بمن صحب أئمة أهل البيت من سلف الشيعة، فسمع أحكام الدين منهم، وحمل علوم الإسلام عنهم، وإن الوسع ليضيق عن استقصائهم وعدّهم.
وحسبك ما خرج من أقلام أعلامهم، من المؤلفات الممتعة التي لا يمكن استيفاء عدّها في هذا الإملاء، وقد اقتبسوها من نور أئمة الهدى من آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، واغترفوها من بحورهم، سمعوها من أفواههم، وأخذوها من شفاههم، فهي ديوان علمهم، وعنوان حكمهم، أُلّفت على عهدهم، فكانت مرجع الشيعة من بعدهم، وبها ظهر امتياز مذهب أهل البيت على غيره من مذاهب المسلمين، فإنا لا نعرف أن أحداً من مقلدي الأئمة الأربعة مثلاً، ألّف على عهدهم كتاباً في أحد مذاهبهم، وإنما ألّف الناس على مذاهبهم فأكثروا بعد انقضاء زمنهم، وذلك حيث تقرر حصر التقليد فيهم، وقصر الإمامة في الفروع عليهم، وكانوا أيام حياتهم كسائر من عاصرهم من الفقهاء والمحدثين، لم يكن لهم امتياز على من كان في طبقتهم، ولذلك لم يكن على عهدهم من يهتم بتدوين أقوالهم، اهتمام الشيعة بتدوين أقوال أئمتها المعصومين ـ على رأيها ـ فإن الشيعة من أول نشأتها لا تبيح الرجوع في الدين إلى غير أئمتها، ولذلك عكفت هذا العكوف عليهم، وانقطعت في أخذ معالم الدين إليهم، وقد بذلت الوسع والطاقة في تدوين كلّ ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه، حفظاً للعلم الذي لا يصح ـ على رأيها ـ عند اللّه سواه، وحسبك ـ مما كتبوه أيّام الصادق ـ تلك الأُصول الأربعمائة، وهي أربعمائة مصنف لأربع مئة مصنف، كتبت من فتاوى الصادق على عهده، ولأصحاب الصادق غيرها هو أضعاف أضعافها، كما ستسمع تفصيله قريباً إن شاء اللّه تعالى.
أما الأئمة الأربعة، فليس لهم عند أحد من الناس منزلة أئمة أهل البيت عند شيعتهم، بل لم يكونوا أيام حياتهم بالمنزلة التي تبوأوها بعد وفاتهم، كما صرّح به ابن خلدون المغربي، في الفصل الذي عقده لعلم الفقه من مقدمته الشهيرة، واعترف به غير واحد من أعلامهم، ونحن مع ذلك لا نرتاب في أن مذاهبهم إنما هي مذاهب اتباعهم، التي عليها مدار عملهم في كلّ جيل، وقد دوّنوها في كتبهم، لأن أتباعهم أعرف بمذاهبهم، كما أن الشيعة أعرف بمذهب أئمتهم، الذي يدينون اللّه بالعمل على مقتضاه، ولا تتحقق منهم نية القربة إلى اللّه بسواه.
* وإن الباحثين ليعلمون بالبداهة تقدم الشيعة في تدوين العلوم على من سواهم، إذ لم يتصدّ لذلك في العصر الأول غير علي وأولوا العلم من شيعته، ولعلّ السرّ في ذلك اختلاف الصحابة في إباحة كتابة العلم وعدمها، فكرهها ـ كما عن العسقلاني في مقدمة فتح الباري وغيره ـ عمر بن الخطاب وجماعة آخرون، خشية أن يختلط الحديث في الكتاب، وأباحه علي وخلفه الحسن السبط المجتبى وجماعة من الصحابة، وبقي الأمر على هذا الحال، حتى أجمع أهل القرن الثاني في آخر عصر التابعين على إباحته، وحينئذ ألّف ابن جريج كتابه في الآثار عن مجاهد وعطاء بمكة، وعن الغزالي أنه أول كتاب صنف في الإسلام، والصواب أنه أول كتاب صنفه غير الشيعة من المسلمين، وبعده كتاب معتمر بن راشد الصنعاني باليمن، ثم موطأ مالك. وعن مقدمة فتح الباري: أن الربيع بن صبيح أوّل من جمع، وكان في آخر عصر التابعين، وعلى كلّ، فالإجماع منعقد على أنه ليس لهم في العصر الأول تأليف.
أما علي وشيعته، فقد تصدّوا لذلك في العصر الأوّل، وأوّل شيء دوّنه أمير المؤمنين كتاب اللّه عز وجل، فإنه عليه السلام بعد فراغه من تجهيز النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، آلى على نفسه أن لا يرتدي إلاّ للصلاة أو يجمع القرآن، فجمعه مرتباً على حسب النزول وأشار إلى عامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وعزائمه ورخصه، وسننه وآدابه، ونبّه على أسباب النزول في آياته البينات، وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات، وكان ابن سيرين يقول(2): لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم. وقد عني غير واحد من قرّاء الصحابة بجمع القرآن، غير أنه لم يتسنّ لهم أن يجمعوه على تنزيله، ولم يودعوه شيئاً من الرموز التي سمعتها، فإذن كان جمعه عليه السلام بالتفسير أشبه. وبعد فراغه من الكتاب العزيز ألّف لسيدة نساء العالمين كتاباً كان يعرف عند أبنائها الطاهرين بمصحف فاطمة، يتضمن أمثالاً وحكماً، ومواعظ وعبراً، وأخباراً ونوادر توجب لها العزاء عن سيد الأنبياء أبيها صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. وألّف بعده كتاباً في الديات وسمّاه بالصحيفة، وقد أورده ابن سعد(3) في آخر كتابه المعروف بالجامع مسنداً إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
ورأيت البخاري ومسلماً يذكران هذه الصحيفة ويرويان عنها في عدّة مواضع من صحيحيهما، ومما روياه عنها ما أخرجاه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: قال علي رضي اللّه عنه: ما عندنا كتاب نقرؤه إلاّ كتاب اللّه غير هذه الصحيفة، قال: فأخرجها فإذا فيها أشياء من الجراحات وأسنان الإبل، قال: وفيها: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، الحديث بلفظ البخاري في باب إثم من تبرأ من مواليه من كتاب «الفرائض» في الجزء الرابع من صحيحه(4)، وهو موجود في باب فضل المدينة من كتاب الحج من الجزء الثاني من صحيح مسلم(5). والإمام أحمد بن حنبل أكثر من الرواية عن هذه الصحيفة في مسنده، ومما رواه عنها ما أخرجه من حديث علي في صفحة 161 من الجزء الأول من مسنده عن طارق بن شهاب، قال: شهدت علياً رضي اللّه عنه وهو يقول على المنبر: واللّه ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلاّ كتاب اللّه تعالى وهذه الصحيفة ـ وكانت معلقة بسيفه ـ أخذتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. الحديث.
وقد جاء في رواية الصفار عن عبدالملك قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي، فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطوياً، فإذا فيه: إن النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا توفي عنهن شيء، فقال أبو جعفر: هذا واللّه خط علي وإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم(6).
واقتدى بأمير المؤمنين ثلة من شيعته فألفوا على عهده.
منهم: سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري، فيما ذكره ابن شهراشوب، حيث قال: أوّل من صنف في الإسلام علي بن أبي طالب، ثم سلمان الفارسي، ثم أبو ذر. اهـ.
ومنهم: أبو رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وصاحب بيت مال أمير المؤمنين عليه السلام، وكان من خاصة أوليائه والمستبصرين بشأنه، له كتاب السنن والأحكام والقضايا، جمعه من حديث علي خاصة، فكان عند سلفنا في الغاية القصوى من التعظيم، وقد رووه بطرقهم وأسانيدهم إليه.
ومنهم: علي بن أبي رافع ـ وقد ولد كما في ترجمته من الإصابة على عهد النبي فسمّاه عليّاً ـ له كتاب في فنون الفقه على مذهب أهل البيت، وكانوا عليهم السلام يعظمون هذا الكتاب، ويرجعون شيعتهم إليه، قال موسى بن عبداللّه بن الحسن: سأل أبي رجل عن التشهد، فقال أبي هات كتاب ابن أبي رافع، فأخرجه وأملاه علينا. اهـ. واستظهر صاحب روضات الجنات أنه أول كتاب فقهي صنّف في الشيعة، وقد اشتبه في ذلك رحمه اللّه.
ومنهم: عبيداللّه بن أبي رافع، كاتب علي ووليّه، سمع النبي وروى عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قوله لجعفر: أشبهت خَلقي وخلقي، أخرج ذلك عنه جماعة منهم: أحمد بن حنبل في مسنده، وذكره ابن حجر في القسم الأوّل من إصابته بعنوان عبيداللّه بن أسلم، لأن أباه أبا رافع اسمه أسلم، ألّف عبيداللّه هذا كتاباً فيمن حضر صفين مع علي من الصحابة. رأيت ابن حجر ينقل عنه كثيراً في إصابته فراجع(7).
ومنهم: ربيعة بن سميع، له كتاب في زكاة الغنم من حديث علي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله.
ومنهم: عبداللّه بن الحرّ الفارسي، له لمعة في الحديث، جمعها عن علي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
ومنهم: الأصبغ بن نباتة صاحب أمير المؤمنين وكان من المنقطعين إليه، روى عنه عهده إلى الأشتر، ووصيته إلى ابنه محمد، ورواهما أصحابنا بأسانيدهم الصحيحة إليه.
ومنهم: سليم بن قيس الهلالي صاحب علي عليه السلام، روى عنه وعن سلمان الفارسي، له كتاب في الإمامة ذكره صاحب محمد بن ابراهيم النعماني في الغيبة، فقال: وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم أو رواه عن الأئمة، خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من كتب الأُصول التي رواها أهل العلم وحملة حديث أهل البيت وأقدمها، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها(8). اهـ.
وقد تصدّى أصحابنا لذكر من ألّف من أهل تلك الطبقة من سلفهم الصالح، فليراجع فهارسهم وتراجم رجالهم من شاء.
* وأما مؤلّفو سلفنا من أهل الطبقة الثانية ـ طبقة التابعين ـ فإن مراجعاتنا هذه لتضيق عن بيانهم. والمرجع في معرفتهم ومعرفة مصنفاتهم وأسانيدها إليهم على التفصيل إنما هو فهارس علمائنا ومؤلفاتهم في تراجم الرجال(9).
سطع ـ أيام تلك الطبقة ـ نور أهل البيت، وكان قبلها محجوباً بسحائب ظلم الظالمين، لأن فاجعة الطف فضحت أعداء آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وأسقطتهم من أنظار اولي الألباب، ولفتت وجوه الباحثين إلى مصائب أهل البيت منذ فقدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، واضطرّت الناس بقوارعها الفادحة إلى البحث عن أساسها، وحملتهم على التنقيب عن أسبابها، فعرفوا جذرتها وبذرتها، وبذلك نهض اولو الحمية من المسلمين إلى حفظ مقام أهل البيت والانتصار لهم، لأن الطبيعة البشرية تنتصر بجبلّتها للمظلوم، وتنفر من الظالم، وكأن المسلمين بعد تلك الفاجعة دخلوا في دور جديد، فاندفعوا إلى موالاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وانقطعوا إليه في فروع الدين وأُصوله، وفي كلّ ما يؤخذ من الكتاب والسنة من سائر الفنون الإسلامية، وفزعوا من بعده إلى ابنه الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وكان أصحاب هذين الإمامين «العابدين الباقرين» من سلف الإمامية الوفاً مؤلّفة لا يمكن إحصاؤهم، لكن الذين دوّنت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التراجم من حملة العلم عنهما يقاربون أربعة آلاف بطل، ومصنفاتهم تقارب عشرة آلاف كتاب أو تزيد، رواها أصحابنا في كلّ خلف عنهم بالأسانيد الصحيحة، وفاز جماعة من أعلام اولئك الأبطال بخدمتهما وخدمة بقيتهما الإمام الصادق عليهم السلام، وكان الحظ الأوفر لجماعة منهم فازوا بالقدح المعلّى علماً وعملاً:
فمنهم: أبو سعيد أبان بن تغلب بن رياح الجريري، القارىء الفقيه المحدّث المفسّر الأُصولي اللغوي المشهور، كان من أوثق الناس، لقي الأئمة الثلاثة، فروى عنهم علوماً جمة، وأحاديث كثيرة، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة ثلاثين ألف حديث(10)، كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصّادق عليه السلام، وكان له عندهم حظوة وقدم، قال له الباقر عليه السلام ـ وهما في المدينة الطيبة ـ: إجلس في المسجد وأفتِ الناس، فإني أُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك. وقال له الصادق عليه السلام: ناظر أهل المدينة، فاني أُحبّ أن يكون مثلك من رواتي ورجالي. وكان إذا قدم المدينة تقوّضت إليه الخلق، وأخليت له سارية النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، وقال الصادق عليه السلام لسليم بن أبي حبة: إئت أبان بن تغلب فإنه سمع مني حديثاً كثيراً، فما روى لك فاروه عني، وقال عليه السلام لأبان بن عثمان: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث فاروها عنه. وكان إذا دخل أبان على الصادق يعانقه ويصافحه، ويأمر بوسادة تثنى له ويقبل عليه بكلّه. ولما نعي إليه قال عليه السلام: أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان، وكانت وفاته سنة إحدى وأربعين ومائة.
ولأبان روايات عن أنس بن مالك، والأعمش، ومحمد بن المنكدر، وسماك بن حرب، وإبراهيم النخعي، وفضيل بن عمرو، والحكم، وقد احتج به مسلم وأصحاب السنن الأربعة كما بيناه، إذ أوردناه ـ في المراجعة 16 ـ. ولا يضرّه عدم احتجاج البخاري به، فإن له اسوة بأئمة أهل البيت: الصادق، والكاظم، والرضا، والجواد التقي، والحسن العسكري الزكي، إذ لم يحتج بهم بل لم يحتج بالسبط الأكبر سيد شباب أهل الجنة، نعم احتج بمروان بن الحكم، وعمران بن حطان، وعكرمة البربري، وغيرهم من أمثالهم، فإنّا للّه وإنا إليه راجعون.
ولأبان مصنفات ممتعة، منها كتاب تفسير غريب القرآن، أكثر فيه من شعر العرب شواهد على ما جاء في الكتاب الحكيم، وقد جاء فيما بعد، عبدالرحمن بن محمد الأزدي الكوفي، فجمع من كتاب أبان، ومحمد بن السائب الكلبي، وابن روق عطية بن الحارث فجعله كتاباً واحداً بين ما اختلفوا فيه، وما اتفقوا عليه، فتارة يجيء كتاب أبان منفرداً وتارة يجيء مشتركاً على ما عمله عبدالرحمن، وقد روى أصحابنا كلاًّ من الكتابين بالأسانيد المعتبرة، والطرق المختلفة. ولأبان كتاب الفضائل، وكتاب صفين، وله أصل من الأُصول التي تعتمد عليها الإمامية في أحكامها الشرعية، وقد روت جميع كتبه بالاسناد إليه، والتفصيل في كتب الرجال.
ومنهم: أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار، كان من ثقات سلفنا الصّالح وأعلامهم، أخذ العلم عن الأئمة الثلاثة ـ الصادق والباقر وزين العابدين عليهم السلام ـ وكان منقطعاً إليهم مقرّباً عندهم، أثنى عليه الصادق، فقال عليه السلام: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان الفارسي في زمانه، وعن الرضا عليه السلام: أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه. له كتاب تفسير القرآن، رأيت الإمام الطبرسي ينقل عنه في تفسيره ـ مجمع البيان(11) ـ وله كتاب النوادر، وكتاب الزهد، ورسالة الحقوق(12)، رواها عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وروى عنه دعاءه في السحر وهو أسنى من الشمس والقمر، وله رواية عن أنس، والشعبي، وروى عنه وكيع، وأبو نعيم، وجماعة من أهل تلك الطبقة من أصحابنا وغيرهم، كما بيناه في أحواله ـ في المراجعة 16 ـ.
وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين، وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين عليهما السلام.
فمنهم: أبو القاسم بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير الأصغر ليث بن مراد البختري المرادي، وأبو الحسن زرارة بن أعين، وأبو جعفر محمد بن مسلم بن رباح الكوفي الطائفي الثقفي، وجماعة من أعلام الهدى ومصابيح الدجى، لا يسع المقام استقصاءهم.
أما هؤلاء الأربعة، فقد نالوا الزلفى وفازوا بالقدح المعلّى والمقام الأسمى، حتى قال فيهم الصادق عليه السلام ـ وقد ذكرهم ـ: هؤلاء أمناء اللّه على حلاله وحرامه، وقال: ما أجد أحداً أحيا ذكرنا إلاّ زرارة وأبو بصير ليث ومحمد بن مسلم وبريد، ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا، ثم قال: هؤلاء حفاظ الدين، وأمناء أبي على حلال اللّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة. وقال عليه السلام: بشّر المخبتين بالجنة، ثم ذكر الاربعة، وقال ـ في كلام طويل ذكرهم فيه ـ كان أبي ائتمنهم على حلال اللّه وحرامه، وكانوا عيبة علمه، وكذلك اليوم هم عندي مستودع سرّي، وأصحاب أبي حقاً، وهم نجوم شيعتي أحياء وأمواتاً، بهم يكشف اللّه كلّ بدعة، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأويل الغالين. اهـ. إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم من الفضل والشرف والكرامة والولاية، ما لا تسع بيانه عبارة.
ومع ذلك، فقد رماهم أعداء أهل البيت بكلّ إفك مبين، كما فصّلناه في كتابنا مختصر الكلام في مؤلفي الشيعة من صدر الإسلام، وليس ذلك بقادح في سموّ مقامهم، وعظيم خطرهم عند اللّه ورسوله والمؤمنين، كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء اللّه إلاّ رفعة، ولا أثروا في شرائعهم إلاّ انتشاراً عند أهل الحق، وقبولاً في نفوس أولي الألباب.
وقد انتشر العلم في أيام الصّادق عليه السلام بما لا مزيد عليه، وهرع إليه شيعة آبائه عليه السلام من كلّ فج عميق، فأقبل عليهم بانبساطه، واسترسل إليهم بأنسه، ولم يأل جهداً في تثقيفهم، ولم يدخر وسعاً في إيقافهم على أسرار العلوم ودقائق الحكمة وحقائق الأُمور، كما اعترف به أبو الفتح الشهرستاني في كتابه الملل والنحل، حيث ذكر الصادق عليه السلام: فقال(13): وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، قال: وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم، ثم دخل العراق وأقام بها مدّة ما تعرّض للإمامة ـ أي للسلطنة ـ قط، ولا نازع أحداً في الخلافة (قال): ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط. إلى آخر كلامه. والحق ينطق منصفاً وعنيداً.
نبغ من أصحاب الصادق جم غفير وعدد كثير، كانوا أئمة هدى ومصابيح دجى، وبحار علم ونجوم هداية، والذين دونت أسماؤهم وأحوالهم في كتب التراجم منهم أربعة آلاف رجل من العراق والحجاز وفارس وسوريا، وهم أولو مصنفات مشهورة لدى علماء الإمامية، ومن جملتها الأُصول الأربعمائة، وهي ـ كما ذكرناه سابقاً ـ أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف، كتبت من فتاوى الصادق عليه السلام على عهده، فكان عليها مدار العلم والعمل من بعده، حتى لحّصها جماعة من أعلام الأُمة وسفراء الأئمة في كتب خاصة، تسهيلاً للطالب، وتقريباً على المتناول، وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أُصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي: الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها، والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها، وفيه ستة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثاً، وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها، كما صرّح به الشهيد في الذكرى(14)، وغير واحد من الأعلام.
وألّف هشام بن الحكم من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام كتباً كثيرة اشتهر منها تسعة وعشرون كتاباً، رواها أصحابنا بأسانيدهم إليه، وتفصيلها في كتابنا: مختصر الكلام في مؤلّفي الشيعة من صدر الإسلام، وهي كتب ممتعة باهرة في وضوح بيانها، وسطوع برهانها، في الأُصول والفروع، وفي التوحيد والفلسفة العقلية، والرد على كلّ من الزنادقة، والملاحدة، والطبيعيين، والقدرية، والجبرية، والغلاة في علي وأهل البيت، وفي الرد على الخوارج والناصبة، ومنكري الوصية إلى علي ومؤخريه ومحاربيه، والقائلين بجواز تقديم المفضول وغير ذلك.
وكان هشام من أعلم أهل القرن الثاني في علم الكلام، والحكمة الإلهية، وسائر العلوم العقلية والنقلية، مبرزاً في الفقه والحديث، مقدماً في التفسير وسائر العلوم والفنون، وهو ممن فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب بالنظر، يروي عن الصادق والكاظم، وله عندهم جاه لا يحيط به الوصف، وقد فاز منهم بثناء يسمو به في الملأ الأعلى قدره، وكان في مبدأ أمره من الجهمية، ثم لقي الصادق فاستبصر بهديه ولحق به، ثم بالكاظم، ففاق جميع أصحابهما. ورماه بالتجسيم وغيره من الطامات مريدوا إطفاء نور اللّه من مشكاته، حسداً لأهل البيت وعدواناً، ونحن أعرف الناس بمذهبه، وفي أيدينا أحواله وأقواله، وله في نصرة مذهبنا من المصنفات ما أشرنا إليه، فلا يجوز أن يخفى علينا من أقواله ـ وهو من سلفنا وفرطنا ـ ما ظهر لغيرنا، مع بعدهم عنه في المذهب والمشرب، على أن ما نقله الشهرستاني ـ في الملل والنحل من عبارة هشام ـ لا يدل على قوله بالتجسيم. وإليك عين ما نقله.
قال: وهشام بن الحكم صاحب غور في الأُصول لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة، فإن الرجل وراء ما يلزمه على الخصم، ودون ما يظهره من التشبيه، وذلك أنه ألزم العلاف، فقال: إنك تقول الباري عالم بعلم وعلمه ذاته، فيكون عالماً لا كالعالمين، فلم لا تقول: هو جسم لا كالأجسام. اهـ.
ولا يخفى: أن هذا الكلام ـ إن صح عنه ـ فإنما هو بصدد المعارضة مع العلاف، وليس كلّ من عارض بشيء يكون معتقداً له، إذ يجوز أن يكون قصده اختبار العلاّف وسبر غوره في العلم، كما أشار الشهرستاني إليه بقوله: فإن الرجل وراء ما يلزمه على الخصم، ودون ما يظهر من التشبيه. على أنه لو فرض ثبوت ما يدلّ على التجسيم عن هشام، فإنما يمكن ذلك عليه قبل استبصاره، إذ عرفت أنه كان ممن يرى رأي الجهمية ثم استبصر بهدي آل محمد، فكان من أعلام المختصّين بأئمتهم، لم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه، كما أنا لم نجد أثراً ما لشيء مما نسبوه إلى كلّ من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق، وأمثالهم، مع أنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك، وما هو إلاّ البغي والعدوان والإفك والبهتان، (ولا تحسبن اللّه غافلاً عما يعمل الظالمون).
أما ما نقله الشهرستاني عن هشام من القول بإلهية علي، فشيء يضحك الثكلى، وهشام أجل من أن تنسب إليه هذه الخرافة والسخافة، وهذا كلام هشام في التوحيد ينادي بتقديس اللّه عن الحلول، وعلوّه عمّا يقوله الجاهلون، وذاك كلامه في الإمامة والوصية بتفضيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على علي، مصرحاً بأن علياً من جملة أُمته ورعيته، وأنّه وصيه وخليفته، وأنه من عباد اللّه المظلومين المقهورين العاجزين عن حفظ حقوقهم، المضطرين إلى أن يضرعوا لخصومهم، الخائفين المترقبين الذين لا ناصر لهم ولا معين. وكيف يشهد الشهرستاني لهشام بأنه صاحب غور في الأُصول وأنه لا يجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة وأنه دون ما أظهره للعلاف من قوله له: فلم لا تقول إن اللّه جسم لا كالأجسام، ثم ينسب إليه القول بأن علياً عليه السلام هو اللّه تعالى، أليس هذا تناقضاً واضحاً؟ وهل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه الخرافات؟ كلاّ، لكن القوم أبوا إلاّ الإرجاف حسداً وظلماً لأهل البيت ومن يرى رأيهم، ولا حول ولا قوة إلاّ باللّه العلي العظيم.
وقد كثر التأليف على عهد الكاظم، والرضا، والجواد، والهادي، والحسن الزكي العسكري، عليهم السلام، بما لا مزيد عليه، وانتشرت الرواة عنهم وعن رجال الأئمة من آبائهم في الأمصار، وحسروا للعلم عن ساعد الإجتهاد، شمّروا عن ساق الكدّ والجدّ فخاضوا عباب العلوم، وغاصوا على أسرارها، وأحصوا مسائلها، ومحّصوا حقائقها، فلم يألوا في تدوين الفنون جهداً، ولم يدّخروا في جمع أشتات المعارف وسعاً.
قال المحقق في المعتبر أعلى اللّه مقامه: وكان من تلامذة الجواد عليه السلام فضلاء، كالحسين بن سعيد، وأخيه الحسن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، وأحمد بن محمد خالد البرقي، وشاذان، وأبي الفضل العمي، وأيوب بن نوح، وأحمد بن محمد بن عيسى وغيرهم ممّن يطول تعدادهم (قال أعلى اللّه مقامه): وكتبهم إلى الآن منقولة بين الأصحاب دالة على العلم الغزير(15). اهـ.
قلت: وحسبك أن كتب البرقي تربو على مئة كتاب، وللبزنطي الكتاب الكبير المعروف بجامع البزنطي، وللحسين بن سعيد ثلاثون كتاباً. ولا يمكن في هذا الإملاء أحصاء ما ألفه تلامذة الأئمة الستة من أبناء الصادق عليهم السلام، بيد أني أحيلك على كتب التراجم والفهارس، فراجع منها:
أحوال محمد بن سنان، وعلي بن مهزيار، والحسن بن محبوب، والحسن بن محمد بن سماعة، وصفوان بن يحيى، وعلي بن يقطين، وعلي بن فضال، وعبدالرحمن بن نجران، والفضل بن شاذان ـ فإن له مئتي كتاب ـ ومحمد بن مسعود العياشي ـ فإن كتبه تربو المئتين ـ ومحمد بن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى، فإنه روى عن مئة رجل من أصحاب الصادق عليه السلام، ومحمد بن علي بن محبوب، وطلحة بن طلحة بن زيد، وعمار بن موسى الساباطي، وعلي بن النعمان، والحسين بن عبداللّه، وأحمد بن عبداللّه بن مهران المعروف بابن خانة، وصدقة بن المنذر القمي، وعبيداللّه بن علي الحلبي، الذي عرض كتابه على الصادق عليه السلام فصحّحه واستحسنه، وقال: أترى لهؤلاء مثل هذا الكتاب، وأبي عمرو الطبيب، وعبداللّه بن سعيد، الذي عرض كتابه على أبي الحسن الرضا عليه السلام، ويونس بن عبدالرحمن الذي عرض كتابه على الإمام أبي محمد الحسن الزكي العسكري عليه السلام.
ومن تتبع أحوال السلف من شيعة آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، واستقصى أصحاب كلّ من الأئمة التسعة من ذرية الحسين، وأحصى مؤلّفاتهم المدوّنة على عهد أئمتهم، واستقرأ الذين رووا عنهم تلك المؤلفات، وحملوا عنهم حديث آل محمد في فروع الدين وأُصوله من ألوف الرجال، ثم ألمّ بحملة هذه العلوم في كلّ طبقة طبقة، يداً عن يد من عصر التسعة المعصومين إلى عصرنا هذا، يحصل له القطع الثابت بتواتر مذهب الأئمة، ولا يرتاب في أن جميع ما ندين اللّه به من فروع وأُصول، إنما هو مأخوذ من آل الرسول، لا يرتاب في ذلك إلاّ مكابر عنيد، أو جاهل بليد، والحمد للّه الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه.

فقيل:
رغب الشيخ البشري من خلال الكلام المنسوب إليه في المراجعة 109 قطع شغب المتعصبين ـ يعني أهل السنة ـ الذين يشاغبون على الرافضة في صحة ما يدّعونه من اتّباع في فروع الدين وأُصوله لأئمة أهل البيت، وهي رغبة أبداها البشري في وقت مبكّر من مراجعاته مع الموسوي، أظهرها ـ في المراجعة 19 ـ إلاّ أن الأخير أرجأ الكلام عن هذه الفرية إلى آخر المراجعات.
وها هو ـ في المراجعة 110 ـ يزعم ما يأتي:
أولاً: تواتر مذهب الشيعة عن أئمة أهل البيت. والجواب على هذه الفرية من وجوه:
1 ـ إن هذه الدعوى العريضة، محض كذب وافتراء، بإجماع أهل العلم الذين يعتدّ بإجماعهم واتفاق أولي النهى من أهل الطوائف الأُخرى المفارقة لمذهب أهل السنّة والجماعة.
فالرافضة مخالفون لعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت في جميع أُصولهم التي فارقوا فيها أهل السنة والجماعة. كما بيّناه مفصلاً ـ في مقدمة ردّنا على المراجعة 16 ـ فليراجع هناك.
وهنا نقول بإيجاز: أن الثابت عن الإمام علي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، إثبات الصفات للّه عز وجل، وهم يقولون بنفيها ويعتبرون هذا كمال الإخلاص في التوحيد.
والإمام علي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، كانوا يثبتون للّه وجهاً ويداً وعيناً، وينزل إلى السماء الدنيا، ويراه المؤمنون يوم القيامة، كما ثبت ذلك في القرآن والسنة الصحيحة، والرافضة يقولون بكفر القائلين بذلك.
وعلي وأئمة البيت لا يبيحون تشييد القبور وإقامة المآتم عليها، والرافضة تجعله جزءاً من دينها.
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت لا يقولون بالرجعة إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، ينزّهون اللّه عن عقيدة البداء، والرافضة تقول: ما عظّم اللّه بمثل البداء.
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت يؤمنون بالقدر ويثبتونه، والرافضة ينفونه.
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، ما ادّعى أحد منهم لنفسه العصمة، ولا نزول الوحي عليه أو على غيره، كما تزعم الرافضة بأن علياً كان يرى النور ويسمع الصوت قبل الرسالة.
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، كانوا يؤمنون بالقرآن الكريم ولا يقولون بتحريفه كما تدّعي الرافضة، وكما ادّعى كبير طواغيتهم حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي، وألف بذلك كتاباً سمّاه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب).
وعلي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت ما كفّروا أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة، ولا أحداً من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم كما فعلت الرافضة، بل إن علياً رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت متفقون على إثبات خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وإثبات فضيلة أبي بكر وعمر، اللذين سمتهما الرافضة بالجبت والطاغوت، وأوجبوا لعنهما وجعلوه مقدّماً على التسمية.
أما أهل السنّة والجماعة، فإنهم يؤمنون ويقولون بكلّ ما كان عليه علي رضي اللّه عنه وأئمة أهل البيت، ولا يخالفونهم في أمر من الأُمور التي عرضناها، فكيف بعد هذا تقبل دعوى الموسوي بأنهم يتّبعون مذهب أئمة أهل البيت؟!.
ثانياً: ثم إن الرافضة ـ على كثرة فرقهم ـ يدّعون جميعاً أنهم أخذوا علومهم من أهل البيت، وتُنْسَبُ كلّ فرقة منهم إلى إمام أو ابن إمام، ويروون عنهم أُصول مذهبهم وفروعه، ومع ذلك يكذّب بعضهم بعضاً، ويضلّل أحدهم الآخر، مع ما بينهم من التناقض في الاعتقادات ولا سيما في الإمامة، فذلك أوضح دليل وأقوى برهان على كذب تلك الفرق كلّها، لاستحالة أن تكون تناقضات هذه الفرق ورثوها من أئمة أهل البيت الذين هم من أعلم الخلق بدين اللّه سبحانه وتعالى، ومن أقوى الناس على بيان حقائقه، فلا يمكن أن يصدر هذا الكذب والتناقض عنهم.
ثالثاً: إن اختلاف فرق الرافضة في أُصول مذاهبهم يناقض مدّعاهم بأنهم ورثوها من الأئمة المعصومين، لأن هذا الاختلاف والتناقض وتكذيب بعضهم البعض، لا يمكن وقوعه من المعصومين، فإنه يتنافى مع فكرة العصمة التي يزعمونها لهؤلاء الأئمة.
رابعاً: قال صاحب مختصر الاثني عشرية: ولننبهك على كيفية أخذ الشيعة العلم من أهل البيت، فاعلم أن الغلاة ـ وهم أقدم من جميع فرق الشيعة وأصلهم ـ قد أخذوا مذهبهم عن عبداللّه بن سبأ، حيث موَّه عليهم ـ قصداً لإضلالهم ـ أنه أخذ ذلك العلم عن الأمير ـ كرم اللّه وجهه ـ وزعمت المختارية والكيسانية منهم: أنهم أخذوه عن الأمير والحسنين وعن محمد بن علي وعن أبي هاشم ابنه. والزيدية عن الأمير والحسنين وزين العابدين وزيد بن علي ويحيى بن زيد. والباقرية عن خمسة من الأئمة من الأمير إلى الباقر، والناووسية عن هؤلاء الخمسة والامام الصادق. ثم قال بعد ذلك: والامامية الاثنا عشرية عن اثني عشر، أوّلهم الأمير (أي علي بن أبي طالب) وآخرهم الإمام محمد المهدي (الذي زعموا أنه اختفى صغيراً في سرداب سامراء، ويدعون اللّه بأن يعجل فرجه). اهـ / 66.
وهذا يوضّح أن أُصولهم كانت من وضع عبداللّه بن سبأ اليهودي الذي أعلن إسلامه بقصد نقض عرى الإسلام وتفريق كلمة المسلمين.
خامساً: قال ابن تيمية رحمه اللّه (المنهاج 2 : 116): هب أن علياً كان معصوماً، فإذا كان الإختلاف بين الشيعة هذا الإختلاف، وهم متنازعون هذا التنازع، فمن أين يعلم صحة بعض هذه الأقوال عن عليّ دون الآخر، وكلّ منهم يدعي أن ما يقوله إنما أخذه عن المعصومين؟! وليس للشيعة أسانيد بالرجال المعروفين مثل أسانيد أهل السنّة حتى ننظر فيها إسناد وعدالة الرجال، بل إنما هو منقولات منقطعة عرف فيها كثرة الكذب وكثرة التناقض في النقل، فهل يثق عاقل بذلك، وإن ادّعوا تواتر نصّ هذا على هذا ونصّ هذا على هذا، كان هذا معارضاً بدعوى غيرهم مثل هذا التواتر، فإن سائر القائلين بالنص إذا ادعوا مثل هذه الدعوى، لم يكن بين الدعوتين فرق. اهـ المنهاج 2 : 116.
سادساً: إن جلّ علم الرافضة ينسبونه كذباً إلى جعفر الصادق رضي اللّه عنه، ويقولون: (أنه هو الذي نشر فقه الامامية، والمعارف الحقيقية، والعقائد اليقينية) ولا يخفى فساد هذا القول، لأنه يستلزم واحد من أمرين، إما أنه ابتدع تلك المعارف من عند نفسه، فهذا علم لا يعتد به لأنه لم يأخذه عمّن سبقه من الأئمة، وإمّا أن يكون قد أخذه عمّن قبله وهذا فاسد، لما فيه من نسبة التقصير للأئمة الذين سبقوه، حيث لم ينشروا هذا العلم وكتموه.
ولهذا نسبت الرافضة إلى جعفر الصادق أنواعاً من الأكاذيب، مثل كتاب (البطاقة)، و(الجفر) و(الهفت) وغير ذلك، حتى نقل عنه أبو عبدالرحمن في حقائق التفسير من الأكاذيب ما نزه اللّه جعفراً عنه. فالآفة وقعت حين كذب عليه لا منه رضي اللّه عنه. اهـ المنهاج 2 : 124.
سابعاً: لئن استدل الموسوي بكلام ابن خلدون في مقدمته، فإنه لم يصدق فيما نقله، وبالرجوع إلى المقدمة ـ فصل علم الفقه ـ نجده قد شنع على الرافضة ووصفهم بما يسيء وجه الموسوي.
فبعد أن ذكر مذاهب أهل السنة في الفقه قال: (وشذ شيعة أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به، وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أُصول واهية) اهـ مقدمة ابن خلدون: 354.
ثامناً: إن دعوى الموسوي بأنهم على مذهب أئمة أهل البيت والحال أن فيها من التعارض والتناقض الشيء الكثير ليتناقض مع معتقدهم بهؤلاء الأئمة، فإنهم يعتقدون عصمتهم، ومقتضى ذلك أن يكون كلّ منهم خليفة نبي لا صاحب مذهب، لأن المذهب هو طريق الذهاب الذي يسلكه المجتهد إلى الدليل المأخوذ من المعصوم، ليستقي منه حكماً من أحكام الشرع، ولذا جاز الحكم عليه بالخطأ والصواب، وكونكم تعتقدون عصمة أئمتكم فلا يصح نسبة المذهب إلى أحد منهم، لأن ذلك يفضي إلى وصف أقوالهم بالخطأ والصواب، وهذا يتعارض مع العصمة.
فالقرآن والسنة وأقوال الصحابة لا تسمى مذاهب، وإنما هي أدلة للأحكام، ومدارك للفقه، يرجع إليها المجتهد ليستدل بها على مذهبه في أمر من الأُمور.
وعلى هذا، فإن أهل السنة والجماعة هم المعتقدون بالأئمة الأطهار، لأنهم أخذوا أقوالهم واستعانوا بها على مذاهبهم بعكس الرافضة، فقد جعلوا أقوال الأئمة الأطهار مذاهب. وهذا تناقض كما أوضحناه مع ما يعتقدونه فيهم.
وإنّ التناقض والتعارض يكون أقبح وأشنع إذا علمت أن الرافضة فرق ومذاهب مختلفة في أُصولها وعقائدها كما سبق بيانه. ولا يصحّ أن يعارض هذا من الرافضة بالاختلاف الواقع عند علماء أهل السنة، لوجهين:
1 ـ أنه اختلاف اجتهادي في فروع الفقه لا في أُصول الدين كما هو الأمر عند الرافضة، والإختلاف هذا جائز، فلا يكون دليلاً على بطلان المذهب، وذلك كاختلاف المجتهدين من الإمامية في المسائل الفقهية كطهارة الخمر ونجاسته، وتجويز الوضوء بماء الورد وعدمه.
2 ـ أنه اختلاف في الآراء عند عدم وجود نص، أو فهم نص موجود، واختلاف الآراء طبيعي في حياة الناس، وأمر شرعي أقرّ الرسول صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أصحابه عليه. فإنه عليه الصّلاة والسلام لم يخطىء أحداً من الفريقين يوم أن اختلفوا في فهمهم لقوله إليهم: «لا يصلينَّ أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة» ولم يعب أحد الفريقين الآخر على فهمه واجتهاده، ولم يتهم أحدهما الآخر بالكذب والافتراء، لأنهم لم يختلفوا على صحة الرواية عن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، وإنما اختلفوا في فهمها.
تاسعاً: أما ما زعمه من تقدّم الرافضة في تدوين العلوم على غيرهم، فهو محض كذب وافتراء من عدّة وجوه:
1 ـ فقد اتفق أهل العلم من كلّ فن أن الرافضة عالة على غيرهم في جميع فنونهم، من علم الكلام والعقائد والتفسير ونحوها، فهم يستمدّونها من كتب غيرهم، ثم ينسبونها لأنفسهم بعد أن يضعوا عليها بصماتهم من حذف وزيادة وتأويلات سخيفة، على النحو الذي يتفق مع عقيدتهم.
والمعتمد من كتب أخبارهم الأُصول الأربعة: أحدها (الكافي) وثانيها (من لا يحضره الفقيه) وثالثها (التهذيب) ورابعها (الاستبصار) وجميع هذه الأُصول الأربعة لا تقوم على سند، ومع هذا يعتبرون العمل بها واجب، رغم ما فيها من ضلالات وزندقة. فكيف تصبح دعوى الموسوي بأنهم كانوا الأسبق إلى تدوين العلوم؟!
2 ـ لقد أرجع الموسوي تقدم الرافضة في تدوين العلوم على أهل السنة إلى عهد الصحابة، حيث كانوا جميعاً لا يرون إباحة تدوين العلم إلاّ ما كان من علي وشيعته، فإنهم خالفوا جمهور الصحابة وأباحوا الكتابة والتدوين. وقد عزا ذلك التعليل والتوجيه إلى ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري، وهذا كذب صراح يدركه كلّ من يستطيع الرجوع إلى فتح الباري.
لقد قرّر ابن حجر في مقدمة فتح الباري أن الصحابة وكبار التابعين بما فيهم علي وآل البيت لم يدوّنوا آثار النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم على حين أن الموسوي نسب إليه قوله أن علياً وشيعته قد دونوا وكتبوا دون غيرهم من الصحابة والتابعين.
وقرّر ابن حجر أن النهي عن تدوين السنة كان من النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم لا من عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة كما قرر ذلك الموسوي، وإذا ظهر ذلك، فكيف لعلي أن يخالف نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم عن التدوين فيدوّن؟!
وقرّر ابن حجر العلّة في النهي عن التدوين، ثم قرّر أن وجود الرافضة وغيرهم من المبتدعة حدى بالسلف الصالح حملة السنة إلى الإسراع بكتابتها خوفاً عليها من هؤلاء.
قال ابن حجر في المقدّمة: (إعلم ـ علّمني اللّه وإياك ـ أن آثار النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم لم تكن في عصر أصحابه وكبار تابعيهم مدوّنة في الجوامع ولا مرتّبة، لأمرين:
أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
ثانيها: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة. ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار. اهـ هدي الساري 1 : 17.
عاشراً: إن أهل العلم بالرواية مجمعون على أن أهل السنّة هم أول من قام بتدوين هذه الآثار عن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، لأنهم حملتها من لدن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها. ففي عهد الصحابة دوّن (عبداللّه بن عمرو بن العاص) الصحيفة الصادقة وكان ذلك بإذن من النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، كما كتب (عبداللّه بن عباس) السنن والألواح.
وأول من أمر بتدوينها عمر بن عبدالعزيز رضي اللّه عنه، كما في الموطأ أنه كتب إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أو سنته فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء.
فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهما، وكانوا يصنفون كلّ باب على حدة، إلى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف الإمام مالك الموطأ، وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وفي مكة صنف أبو محمد عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج، وفي الشام أبو عمرو عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي. وفي الكوفة أبو عبداللّه سفيان بن سعيد الثوري. وفي البصرة أبو سلمة داود بن سلمة بن دينار. ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم. إلى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم خاصة وذلك على رأس المائتين، فصنف عبيداللّه بن موسى العبسي الكوفي مسنداً. وصنف مسدد بن مسرهد البصري مسنداً، وصنف أسد بن موسى الأموي مسنداً، وصنف نعيم بن حماد الخزاعي نزيل مصر مسنداً، ثم اقتفى الأئمة بعد ذلك أثرهم، كالإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعثمان بن أبي شيبة، وغيرهم. ومنهم من صنف على الأبواب وعلى المسانيد معاً، كأبي بكر بن أبي شيبة، حتى جاء البخاري رحمه اللّه وصنف صحيحه، وتبعه تلميذه الامام مسلم ثم أصحاب السنن.
فهذا هو تاريخ تدوين السنة كما أجمع على ذلك أهل العلم بالرواية والآثار، فهل في هؤلاء الأعلام النبلاء رافضي واحد؟! حاشا وكلاّ، بل وأين كان رجال الرافضة عند حركة التدوين هذه؟! وأين مؤلفاتهم التي لا يعرفها أحد إلاّ الرافضة حيث وجدوا.
حادي عشر: أما قول الموسوي: أما علي وشيعته فقد تصدوا لذلك ـ أي تدوين العلم ـ في العصر الأول، وأول شيء دوّنه أمير المؤمنين كتاب اللّه عز وجل، فإنه بعد فراغه من تجهيز النبي آلى على نفسه أن لا يرتدي إلاّ للصلاة أو يجمع القرآن، فجمعه مرتباً… الخ. فجوابه من وجوه:
1 ـ لم يكن للإمام علي رضي اللّه عنه شيعة في تلك الفترة التي أشار إليها الموسوي ـ أعني الفترة التي أعقبت وفاة النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ـ حتى عام 30 هـ حيث ظهرت الدعوة إلى مشايعته والأئمة من آل البيت في الكوفة على يد (عبداللّه بن سبأ اليهودي) كما سبق بيانه، فكيف يصح أن ينسب الموسوي لشيعة علي التصدي للتدوين والكتابة قبل وجودهم بعشرين سنة؟!.
2 ـ إنه لو صحّ أن علياً دوّن القرآن وجمعه في تلك الفترة كما زعم الموسوي، فليس له في هذا مزية ولا كبيرة فضل على غيره من إخوانه الصحابة الذين كانوا يحفظونه في صدورهم، ويكتبونه عندهم بما تيسر لهم من أدوات الكتابة. وبجانب هذه الكثرة من الحفاظ، كان هناك كتبة الوحي وقد أوصلهم الرواة إلى ثلاثة وأربعين كاتباً، وكان من بينهم الصحابي الجليل (زيد بن ثابت) الذي تولّى جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه، وشارك في جمعه مرّة ثانية في عهد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه.
أما ما ذكره الموسوي من مزايا هذه(16) القرآن الذي جمعه علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فهي مزايا لا تزيد عن مزايا المصاحف التي كان يكتبها بعض الصحابة لأنفسهم، كمصحف ابن مسعود، ومصحف عائشة، وغيرهما من الصحابة.
ثاني عشر: أما مصحف فاطمة الذي زعم الموسوي أنه من صنع علي رضي اللّه عنه ويتضمن أمثالاً وحكماً… الخ. فذلك هو قرآن فاطمة الذي يؤمنون به ويعتقدون صحته، وهو غير القرآن الذي بين يدي المسلمين، ويختلف عنه كمّاً ونوعاً كما جاء ذلك في كتابهم (الكافي) وهو أصح كتاب عندهم بمثابة البخاري عند أهل السنة. فقد روى فيه الكليني عن أبي بصير عن جعفر الصادق قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام… قال: قلت: وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، واللّه ما فيه قرآنكم حرف واحد. انظر الكافي 1 : 239.
وقد ألف أحد طواغيتهم واسمه (حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي) كتاباً ضمنه مئآت النصوص والنقول عن كبار طواغيتهم بدعوى أن القرآن محرّف سماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) بلغ عدد صفحاته أربعمائة صفحة. وكان هذا سنة 1292 هـ، وطبع في إيران سنة 1298. والمنافقون من الرافضة يتظاهرون بالبراءة من هذا الكتاب تقية، ولكن هذه البراءة لا تنفعهم، لأنهم يحملون منذ ما يزيد على قرن من الزمن إلى الآن أوزار هذه النصوص والنقول الموجودة في كتبهم بهذا المعنى، وقد جمعت كلها في هذا الكتاب.
ثالث عشر: وأما قول الموسوي: وألف بعده كتاباً في الديات، وسماه بـ(الصحيفة). فهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم، في عدة مواطن وأبواب من صحيحيهما، في باب فضل المدينة، وفي باب الجزية، وفي كتاب الفرائض، وفي كتاب الديات، ولكن مدّعى الموسوي فيه باطل من وجوه:
1 ـ وصف الموسوي الصحيفة بأنها من تأليف الإمام علي رضي اللّه عنه، والحق أنها لم تكن تأليفاً، وإنما جملة أُمور سمعها من الرسول عليه الصّلاة والسلام، فدوّنها في هذه الصحيفة.
2 ـ أن هذه الصحيفة لا تدل على مدعى الموسوي بأنهم ـ أي الرافضة ـ تقدّموا غيرهم في التدوين، لأن أهل السنة يقرّون لعلي بكتابة هذه الصحيفة لثبوتها عنه بالسند الصحيح، كما يقرّون لعبداللّه بن عمرو بن العاص بالصحيفة الصادقة، وقد جمع فيها عن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أكثر بكثير مما جمع علي في صحيفته هذه. وبذلك يكون عبداللّه بن عمرو أولى بأن يوصف بالسبق من علي رضي اللّه عنه، لأن صحيفته أجمع وأشمل.
3 ـ إن محتوى صحيفة الامام علي كما جاء في الصحيحين، وكما أقر بذلك الموسوي، هو حجة على الرافضة عموماً وعلى الموسوي بشكل أخص، لأنه رضي اللّه عنه قد أقر كتاب اللّه الذي بين أيدي المسلمين آنذاك، ولم يدعي(17)قرآناً غيره كالذي ادعته الرافضة، وادعاه الموسوي، كما أوضحنا سابقاً.
كما أن الصحيفة حجة على الرافضة القائلين بأن النبي أوصى لعلي بالخلافة من بعده، إذ لو صحت دعواهم لكانت مدونة في صحيفة علي هذه، فإنها أولى بالتدوين من الجراحات وأسنان الابل وتحريم المدينة… إلى غير ذلك مما تضمنته الصحيفة من أُمور.
رابع عشر: لقد كشف الموسوي عن حقده وأسفر عن وجهه الكالح وقلبه الأسود وتعصبه الذميم لعقيدته ومذهبه، يوم أن وصف أهل السنة والجماعة بأنهم أعداء آل محمد صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم حيث قال: لقد سطع نور أهل البيت أيام تلك الطبقة (يعني مؤلفيهم من طبقة التابعين) وكان قبلها محجوباً بسحائب ظلم الظالمين، لأن فاجعة الطف فضحت أعداء آل محمد صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وأسقطتهم من أنظار أولي الألباب. فجوابه من وجوه:
1 ـ فأول الموصوفين بالظلم وعداوة آل محمد ـ كما صرح بذلك الموسوي ـ هم الصحابة وعلى رأسهم الشيخين(18) أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما، لأنهما في معتقده قد حجبوا نور آل محمد ونازعوهم الخلافة. وهي فرية يبرأ منها محمد صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم كما يبرأ منها أهل بيته رضي اللّه عنهم أجميعن، وهي الفرية المركزية عند الرافضة التي يدورون حولها معرضين عن أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، معارضين لها بالأحاديث المختلفة والأقاويل الفاسدة التي ينسبونها زوراً وبهتاناً لأئمة أهل البيت.
وهم مع ما يظهرونه من ولاء لآل البيت، فإن واقعهم يكذب دعواهم كما سطر ذلك المحققون من أهل العلم بالسير والتاريخ، فكانت قلوبهم مع آل البيت وسيوفهم مع خصومهم، فبهتوا الصحابة وغدروا بآل البيت، فكانوا بهتاً غُدْراً.
2 ـ أما من عدَّ من رجال تلك الطبقة:
ـ (أبان بن تغلب) فقد مضى الكلام فيه في الجزء الأول عند الرد على المراجعة 16 فليراجع هناك.
ـ (أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار) أيضاً يراجع الكلام فيه في الجزء الأول عند الرد على المراجعة 16.
ـ (محمد بن مسلم بن رباح الكوفي) انظر الكلام عليه في المرجع نفسه.
ـ (أبو بصير ليث بن مراد البختري) قال علماء الرافضة في الجرح والتعديل: كان الإمام جعفر الصادق يتضجر من أبي بصير ليث بن البختري، ويتبرم، وأصحابه مختلفون في شأنه، قال ابن الغضائرى الشيعي: وعندي أن الطعن وقع على دين ليث لا على حديثه، وهو عندي ثقة، قالوا: إن الطعن في دينه لا يوجب الطعن!!!. انظر هامش ص 65 من مختصر الاثني عشرية.
أرأيت كيف يوثقون من كان يبرم منه الامام جعفر الصادق ثم يدعون أنهم أتباعهم، وكيف يوثقون من طعن في دينه؟! إن الرافضة لا دين عندهم فيقبلون رواية من يؤيد مذهبهم ولو كان كافراً، ويرفضون رواية من خالفهم ولو كان من أهل الإيمان.
ـ (زرارة بن أعين الكوفي): يترفض، وكان يعتقد أن جعفر بن محمد يعلم الغيب، قال الذهبي: زرارة قلما روى، لم يذكر ابن أبي حاتم في ترجمته سوى أن قال: روى عن أبي جعفر ـ يعني الباقر ـ وقال سفيان الثوري: ما رأى أبا جعفر. انظر ترجمته في الميزان للذهبي.
ـ (بريد بن معاوية العجلي): لم أجد له ترجمة.
خامس عشر: أما الكتب الأربعة التي هي مرجع الامامية في أُصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي (الكافي) و(التهذيب) و(الاستبصار) و(من لا يحضره الفقيه) فقد نسبها الموسوي إلى جعفر الصادق، ظلماً وزوراً وبهتاناً. فإن جعفر الصادق رضي اللّه عنه من خيار أهل العلم والدين، أخذ العلم عن جده أبي أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعن محمد بن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. وهؤلاء هم أعلام السنة الذين ورثوا من الصحابة العقيدة الصافية من الشرك، والعلم والدين النافع الذي جاء به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وبلغوه كما حملوه، فكيف لجعفر الصادق رضي اللّه عنه أن يخالف مشايخه الذين لقنوه العلم والدين، ويقول بغير ما قالوا ويعتقد غير الذي اعتقدوا؟!
لقد أظهرت هذه الكتب الأربعة، المنسوبة إلى جعفر الصادق من الكفر والزندقة ما تبرّأ جعفر منه، وما يبرأ جعفر نفسه منه، وما يشهد تلاميذه ببراءته منه. فقد روى عن طائفة من أعلام أهل السنة المشهورين بالعلم والتقوى مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وشعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، وحاتم بن إسماعيل، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحفص بن غياث، وقال عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. اهـ المنهاج 2 : 124.
ومن يرجع إلى هذه الأُصول الأربعة للرافضة يجد أنها اشتملت على رواية المجسمة: كالهشاميين (هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي) وصاحب الطاق (محمد بن نعمان الصيرفي) الملقب بشيطان الطاق الذي يقول: إن اللّه جسم مصور بصورة الإنسان. بخلاف الهشامين فإنهم يقولون: بأن اللّه جسم طويل عريض عميق متساوي الأبعاد غير مصور بالصور المتعارفة.
كما اشتملت على رواية من اعتقد أن اللّه لم يكن عالماً في الأزل كزرارة بن أعين وأمثاله كالأحولين، وسليمان الجعفري. ورواية من كان فاسد المذهب، ولم يكن معتقداً بإمام أصلاً، كبني فضّال، وابن مهران وغيرهم، ورواية بعض الوضاعين الذين لم يخف حالهم على الشيعة أنفسهم، كجعفر الأودي، وابن عياش (أحمد بن محمد الجوهري) وكتاب (الكافي) مملوء من رواية ابن عياش، وهو بإجماع هذه الفرقة كان وضاعاً كذاباً.
والعجيب من الشريف مع علمه بهذه الأُمور كان يقول: إن أخبار فرقتنا وصلت إلى حدّ التواتر، وأعجب من ذلك أن جمعاً من ثقاتهم رووا خبراً وحكموا عليه بالصحة، وآخرين كذلك حكموا عليه بأنه موضوع مفترى، وهذه الأخبار كلّها في صحاحهم. كما أن ابن بابويه حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن وآياته، ومع ذلك فتلك الروايات ثابتة في (الكافي) بأسانيد صحيحة بزعمهم، إلى غير ذلك من المفاسد. اهـ مختصر التحفة الاثني عشرية: 69.
فكيف يصح أن ينسب كلّ ما في هذه الكتب من الكفر والضلال والأهواء إلى رجل يعتقد الرافضة له العصمة، ألا ترى ما في هذا من التناقض الذي يخجل منه العقلاء؟!
سادس عشر: أما الكتب التي افتخر الموسوي بها والمنسوبة إلى (هشام بن الحكم) فلو صحت نسبتها إليه، فهي كتب هالكة بهلاك عقيدة صاحبها ومؤلفها، وقد سبق القول قبل قليل أنه كان مجسماً، والعياذ باللّه.
وقد حاول الموسوي أن يدفع عنه هذه التهمة، ولكن أنى له ذلك وهي ثابتة في (الكافي) الذي يصفه الموسوي بأنه أقدم وأعظم وأحسن وأتقن كتبهم الأربعة.
فدفاع الموسوي عن (هشام بن الحكم) يتناقض مع عقيدته في كتابهم (الكافي) وهو بذلك يكذب نفسه بنفسه ويناقضها. تأمل هذا يتضح لك ضلال الموسوي.
سابع عشر: أما ما زعمه الموسوي من كثرة التأليف على عهد الكاظم، والرضا والجواد، والهادي، والحسن العسكري. فهو محض كذب وافتراء، لما فيه من تعارض مع ما هو معروف من تاريخ هؤلاء الأئمة في كتب السير والأخبار.
فموسى الكاظم روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه علي، وروى له الترمذي، وابن ماجة، وأما من بعد موسى فلم يؤخذ عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين وتواريخهم. أما أولئك الثلاثة (علي بن الحسين) و(محمد بن علي) و(جعفر الصادق) فإن لهم أحاديث في الصحاح والسنن والمسانيد، وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى السلف، مثل كتب ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وعبدالرزاق، وأبي بكر بن أبي شيبة، وغير هؤلاء. وأما من بعد هؤلاء الثلاثة، فليس له رواية في الكتب والامهات من الحديث، ولا فتاوي في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف، ولا لهم تفسير ولا غيره، ولا لهم أقوال معروفة، ولكن لهم من الفضائل والمحاسن ما هم له أهل رضي اللّه عنهم.
وموسى بن جعفر مشهور بالعبادة والنسك. أما أن يكون المشاهير من العلماء والفقهاء قد أخذوا عنهم، فهذا من أظهر الكذب، فهؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنهم ما هو معروف. وإن أخذ عنهم بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور، فهذا لا ينكر، فإن طلبة الفقهاء قد يأخذون عن المتوسطين في العلم ومن هم دون المتوسطين. ا هـ عن المنهاج 2 : 124، 125.
وما ذكره من تلامذة محمد بن علي الجواد، فهذا لا صحة له على الاطلاق إذا علمت أنه رضي اللّه عنه كان من أعيان بني هاشم وهو معروف بالسخاء ولهذا سمي بالجواد، ومات وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة، ولد سنة 95، ومات سنة 120.
والأسماء التي ذكرها الموسوي على أنها من تلامذه الجواد رضي اللّه عنه، هي مجاهيل لا تعرف في أحد من كتب التراجم المشهورة ولا يعرفها إلاّ الرافضة.

أقول:
أمّا أنّ أهل البيت يثبتون للّه وجهاً ويداً وعيناً… أو لا يثبتون؟
وأنّ أهل البيت لا يبيحون تشييد القبور وإقامة المآتم… أو يبيحون…؟
وأنّ أهل البيت لا يقولون بالرجعة… أو يقولون؟
وأنّ أهل البيت لا يقولون بالبداء… أو يقولون؟
وأنّ أهل البيت يؤمنون بالقدر… أو لا يؤمنون؟
وأنّ أهل البيت لا يدّعون لأنفسهم العصمة… أو يدّعون؟
فلابدّ من الرجوع في ذلك كلّه إليهم والسؤآل منهم عن طريق الثقات، ولا يسمع فيه قول من لا صلة له بهم… بل هم من أذناب أهل السقيفة وبني أُميّة.
وكأنّ النواصب يرون أنّ أعرف الناس بعقائد أهل البيت عليهم السّلام هو: معاوية وعمرو بن العاص وأبو هريرة وابن تيمية الحرّاني، الذي حكم عليه أهل مذهبه بالضلال، وحبس لذلك ومات في الحبس؟
وأمّا أنّ الرافضة لخلافة الغاصبين يقولون بتحريف القرآن… فلابدّ من الرجوع إلى علمائهم ومطالعة كتبهم، ومقارنتها بأحاديث أهل السنّة ورواياتهم… لتظهر الحقيقة جليّةً لمن طلبها… ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف).
وأمّا أنّ أهل سنّة بني أميّة يقولون بكلّ ما كان عليه علي وأئمة أهل البيت عليهم السّلام، ولا يخالفونهم من أمر من الأُمور… فيكذبه كلّ من له أقلّ إلمام بهذه المسائل، وكلام ابن تيميّة في غير موضع من منهاج السنّة صريح في خلافه، وقد بيّنا ذلك في كتابنا (دراسات في منهاج السنة).
ثم إنّ الرافضة لخلافة الغاصبين كثيرون… لكنّ السيّد رحمه اللّه ذكر في هذه المراجعة تواتر مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام، والخلط بين هذه الفرقة المحقّة وسائر الفرق هو من مناهج ابن تيمية في منهاجه… وعليه يسير النواصب وهم يعلمون بالحق أو لا يشعرون… وهذه الفرقة لا اختلاف بين علمائها في الإمامة أصلاً… وعلومها في الأُصول والفروع مستمدّة بالأسانيد المعتبرة من أهل البيت عليهم السلام وخاصّة من الامام السادس جعفر بن محمد الصادق ولذا سمّوا بـ«الجعفريّة»، وقد أُسّس فقههم على دعائم ثابتة وقواعد متينة متخذة من الكتاب وسنّة النبي عن طريق العترة الطاهرة، وليس كفقه سائر المذاهب المبنية على الظنون والقياسات والآراء والمصالح، لأنّ السنّة عندهم قد دوّنت بعد قرن من وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لأن الشيخين ـ وخاصةً عمر ـ منعا من أن يكتب الصحابة ما سمعوه من رسول اللّه من الأحكام والآداب والسنن، فضاع الكثير منها، فاضطرّوا إلى أن يفتوا بحسب ظنونهم ويفسّروا القرآن بحسب آرائهم… بخلاف أهل البيت عليهم السلام، فإنّهم كتبوا وأمروا شيعتهم من الصحابة وغيرهم بأن يكتبوا… وهذا ما صرّح به ونص عليه علماء السنّة في كتبهم في علوم الحديث:
قال السيوطي: «كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثير منهم، وأباحتها طائفة وفعلوها، منهم علي وأبنه الحسن»(19).
وكان علم القرآن على رأس العلوم في ذلك الزمان، والكلّ يعلمون بأن أعلم العلماء بالقرآن في الصحابة هم: عبداللّه بن مسعود وعبداللّه بن العباس وأبي بن كعب، وهؤلاء كلّهم من تلامذة أمير المؤمنين وعنه أخذوا.
ومن العجب أن النواصب يعترفون بأن أمير المؤمنين عليه السلام دوّن «الصحيفة» ونحن نقول لهم: فاذكروا لنا شيئاً من تدوين مشايخكم الثلاثة فضلاً عن غيرهم.
وقد تربّى على يد أئمة أهل البيت عليهم السلام في طبقات التابعين علماء كبار وثقات أبرار في مختلف العلوم… نذكر منهم: «أبان بن تغلب» الّذي افاد أهل العلم من علومه الجمّة، وروى عنه المحدّثون في كتبهم المشهورة بالصحاح عنه القوم، لكنّهم ينزعجون منه لكونه من الرافضة لإمامة من تقدم على أمير المؤمنين ويقولون: «هو صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته»(20)!! و«أبو حمزة الثمالي» أخرج عنه النسائي وأبو داود وابن ماجة والترمذي(21)، وقد تكلّم فيه بعض القوم لكونه يرى بطلان خلافة المتقمصين لها… و«محمد بن مسلم» أخرج منه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، واستشهد به البخاري وروى له في كتاب الأدب المفرد(22). وهكذا… غيرهم تربّوا على يد أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ولم يتمكّن الخصوم من القدح في علمهم وديانتهم ووثاقتهم واضطروا إلى الرواية عنهم في كتبهم.
بخلاف علماء القوم، من الفقهاء والمحدّثين… في مختلف القرون، فقد نسب كثير منهم إلى ارتكاب الكبائر، من شرب الخمر واللواط وترك الصّلاة والعياذ باللّه، كما لا يخفى على من يراجع كتبهم المؤلّفة في سيرهم مثل كتاب (سير أعلام النبلاء) وغيره، وقد ذكرنا من هذا القبيل في الجزء السابق من هذا الكتاب، واللّه المستعان.

* * *

(1) إن مجلة الهدى العراقية قد اقتبست هذه المراجعة من هذا الكتاب، فنشرتها تباعاً في مجلديها الأول والثاني، وجعلتها كأمالي بتوقيع اسم مؤلفها الحقير عبدالحسين شرف الدين الموسوي.
(2) فيما نقله عنه ابن حجر في صواعقه، وغير واحد من الأعلام.
(3) كذا، والظاهر أنه تصحيف «ابن سعيد» وأنه: الشيخ يحيى بن سعيد الحلّي المتوفى سنة 690 في كتابه (الجامع للشرائع) وهو مطبوع.
(4) في صفحة 323.
(5) في صفحة 515.
(6) بصائر الدرجات: 185 / 14.
(7) ترجمة جبير بن الحباب بن المنذر الأنصاري في القسم الأول من الاصابة.
(8) كتاب الغيبة: 101 ـ 102.
(9) كفهرس النجاشي، وكتاب منتهى المقال في أحوال الرجال للشيخ أبي علي وكتاب منهم المقال في تحقيق أحوال الرجال للميرزا محمد، وغيرها من مؤلفات في هذا الفن وهي كثيرة.
(10) نص على ذلك أئمة الفن كالشيخ البهائي في وجيزته وغير واحد من أعلام الأُمة.
(11) راجع من مجمع البيان تفسير قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) من سورة الشورى تجده ينقل عن تفسير أبي حمزة.
(12) وقد روى أصحابنا كتب أبي حمزة كلها بأسانيدهم إليه، والتفصيل في كتب الرجال، واختصر سيدنا الحجة السيد صدر الدين الصدر الموسوي رسالة الحقوق، وطبعها كرسالة مختصرة ليحفظها نشء المسلمين، وقد أجاد إلى الغاية، متّع اللّه المسلمين بجميل رعايته، وجليل عنايته.
(13) عند ذكره الباقرية والجعفرية من فرق الشيعة من كتابه الملل والنحل.
(14) ذكرى الشيعة 1 : 59.
(15) المعتبر في شرح المختصر 1 : 27.
(16) كذا.
(17) كذا.
(18) كذا.
(19) تدريب الراوي 1 : 492. وفيه: وإبنه الحسين، وفي طبعة دار الكتاب العربي ج 2 : 61، تحقيق الدكتور احمد عمر هاشم «وإبنه الحسن» كما في المتن.
(20) ميزان الاعتدال 1 : 5.
(21) ميزان الاعتدال 1 : 363.
(22) تهذيب الكمال 26 / 416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *