ثبوت الحسن والقبح العقليين

ثبوت الحسن والقبح العقليين
فأقول:
إنّ هذا المفتري يقلِّد ابن تيمية وأتباعه، وليس بصاحب نظر وتحقيق في المسائل العلميّة، فتجده يورد نصوص كلمات إمامه وبعض المقلّدين له قبله ولا شيء عنده غير ذلك، والحق معه، لأنّه لا يتوصّل فهمه إلى مثل هذه الأُمور. ومسألة الحسن والقبح العقليين من المسائل المعقّدة، وقد وضعت فيه الكتب والرسائل المفردة منذ القديم… ونحن نقول هنا بقدر ما يتعلّق بالكلمات التي أوردها هذا الرجل:
1 ـ ليس المراد من «حكم العقل» في هذا المقام ونحوه ما توهّمه الجهلاء حتى يعارضوا بمثل قوله تعالى (إن الحكم إلاّ للّه) وغيره، بل المراد من «الحكم» هو «الادراك» فإن العقل يدرك حسن العدل وقبح الظلم، سواء حكم الشارع بذلك أو لا.
2 ـ إنّ الذي عليه أصحابنا ـ أخذاً بالروايات المعتبرة عن النبي وعترته المعصومين عليهم الصّلاة والسلام ـ أن للّه سبحانه وتعالى على عباده حجّتين، حجة من داخل وهو العقل وحجة من خارج وهو الرّسول، وقوله تعالى (وما كنا معذّبين حتّى نبعث رسولاً) لا ينافي وجود الحجّتين، ومعنى الآية: إن اللّه تعالى لا يعذّب العبد على معصية إلاّ بعد قيام الحجة عليه من العقل أو الشرع.
3 ـ إنّه فرق واضحٌ بين درك العقل «وجود اللّه» سبحانه وتعالى، وبين «معرفة اللّه»، فإنّ العقل يدرك وجوده، ولكنّه قاصرٌ عن معرفته، فهو محتاج في ذلك إلى النبيّ والأئمة الهداة المعصومين الذين بهم عرف اللّه وبهم عبد.
وبعد الوقوف على هذه النقاط وقراءة كلام السيّد رحمه اللّه بدقّة، يعلم أنّ الحق مع الإماميّة ومن تبعهم من المعتزلة وغيرهم، وأنّ المشكك في ذلك مكابر لعقله… وبهذا القدر من المطلب كفاية، وهو شاف لمن أراد الهداية.

وقيل:
ثالثاً: أما الأحاديث المعارضة لحديث عائشة بأنه ـ عليه الصّلاة والسلام ـ مات وهو في صدرها والتي زعم أنها متواترة، فالجواب عليها:
1 ـ إن الحديث الذي أخرجه ابن سعد بالإسناد إلى علي، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم في مرضه: ادعوا لي أخي، فأتيته، فقال: أدن مني، فدنوت منه، فاستند إليّ فلم يزل مستنداً إليّ، وإنه ليكلمني حتى إن ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم.
هو حديث هالك ضعيف، لأن ابن سعد رواه عن محمد بن عمر الواقدي، وهو كذاب.
قال أحمد بن حنبل عنه: هو كذّاب، يقلّب الأحاديث، وقال ابن معين: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقال البخاري وأبو حاتم: متروك، وقال أبو حاتم أيضاً والنسائي: يضع الحديث. الميزان 3 : 662.
2 ـ أما حديث: علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب. فهو حديث موضوع بسبب عمران بن هيثم وهو كذاب، ولو سلّمنا جدلاً بصحة الحديث، فليس فيه ما يدل على أن هذا التعليم كان لحظة وفاته عليه الصّلاة والسلام، بل لا يعقل أصلاً أن يتم ذلك كلّه في مثل هذا الموقف.
3 ـ أما حديث جابر بن عبداللّه، أن كعب الأحبار سأل عمر، فقال: ما كان آخر ما تكلم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم؟ فقال عمر: سل علياً… الحديث. فهو حديث ضعيف لا يلتفت إليه، لأن في سنده محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك الحديث، كما سبق بيانه تفصيلاً. الميزان 3 : 662. وفيه: حرام بن عثمان الأنصاري، وهو متروك أيضاً. قال مالك ويحيى: ليس بثقة، وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال الشافعي ويحيى بن معين: الرواية عن حرام حَرامٌ. وقال ابن حبان: كان غالياً في التشيع يقلّب الأسانيد ويرفع المراسيل. الميزان 1 : 468.
4 ـ أما حديث: قيل لابن عباس: أرأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي… الحديث. فهو حديث ضعيف أيضاً، لأن في سنده محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك كما سبق إيضاحه قبل قليل. وفيه: سليمان بن داود بن الحصين عن أبي غطفان، مجهول لا تعرف حاله.
5 ـ أما حديث علي بن الحسين ـ زين العابدين ـ: قبض رسول اللّه ورأسه في حجر علي. فهو ضعيف، لأن في سنده محمد بن عمر الواقدي وهو متروك الحديث، وهو أيضاً منقطع الاسناد حيث سقط منه الصحابي.
6 ـ أما ما رواه ابن سعد بسنده إلى الشعبي قال: توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ورأسه في حجر علي، ففي سنده محمّد بن عمر الواقدي: متروك. وفي سنده أبو الحويرث واسمه: عبدالرحمن بن معاوية. قال ابن معين وغيره: لا يحتج به، وقال مالك والنسائي: ليس بثقة. الميزان 2 : 591.
7 ـ أما ما نقله من نهج البلاغة، فلا يلتفت إليه وذكر مصدرها كاف في بيان ضعفه.
8 ـ أما حديث أُم سلمة قالت: إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم… الحديث. فهو حديث صحيح، ولكنه لا ينفي حديث عائشة بأنه مات بين سحرها ونحرها، بل إن حديث عائشة أثبت من حديث أُم سلمة. وقد جمع علماء الحديث بين حديث أُم سلمة، وحديث عائشة.
قال ابن حجر في فتح الباري: ويمكن الجمع بأن يكون علي آخرهم عهداً به، وأنه لم يفارقه حتى مال، فلما مال ظن أنه مات، فكان آخر الرجال عهداً به، ثم أفاق بعد أن توجه، فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم. ووقع عند أحمد من طريق يزيد بن بابنوس حديث «فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فَخَرجَت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغرة نحري فاقشعر لها جلدي، وظننت أنه غشي عليه فسجّيته ثوباً» الفتح 8 : 139.
9 ـ أما حديث عبداللّه بن عمرو عن علي قال: علّمني ألف باب كلّ باب يفتح له ألف باب. فهو حديث ضعيف، في سنده: كامل بن طلحة، اختلفوا فيه، فوثقه أحمد والدارقطني، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. الميزان 3 : 400.
وفي سنده أيضاً: عبداللّه بن لهيعة، قال ابن معين: ضعيف لا يحتج به، وعن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئاً، وقال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به، وقال النسائي: ضعيف، وقال الجوزجاني: لا نور على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به. وقال البخاري في كتاب الضعفاء في ذكر ابن لهيعة تعليقاً على حديث رواه قال: هذا منكر. الميزان 2 : 475.
وفي سنده: حُيِّي بن عبداللّه المغافري. قال ابن عدي، ولابن لهيعة عنه حيي بضعة عشر حديثاً عامتها مناكير، منها خصاء أُمتي الصيام والقيام، ومنها: إن علياً قال: علّمني النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب. الميزان 1 : 623.
أرأيت أخي المسلم ضعف هذه الأحاديث التي زعم الموسوي أنها متواترة، وليس هذا عليه بالأمر العجيب، فإنه من قوم إذا استحسنوا أمراً صيّروه حديثاً، مستحلّين ذلك، زاعمين أنهم إنما يكذبون للرسول لا عليه.
ولم يكتف الموسوي بذلك، بل أراد أن يرد الأحاديث الصحيحة الثابتة في وفاة النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم في صدر عائشة رضي اللّه عنها بكلام ساقط، حيث استقبح أن يموت راعي الغنم في صدر زوجته فضلاً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم، وكأن الميتة في هذا المكان ميتة منكرة، وللموسوي نقول:
لقد استنكرت واستقبحت أمراً رضيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم لنفسه، وأقرّه على ذلك عترته الطاهرة، وأنت بذلك تكون قد خالفت الرسول والعترة الطاهرة.
أما وصفه للأحاديث الضعيفة التي ساقها بأنها أرجح سنداً، وأليق برسول اللّه، فهو محض هوى وإعراض عن الحق، بعد أن بيّنا ضعفها عند علماء الحديث.
وفي تلك الأحاديث يقول ابن حجر رحمه اللّه تعالى: وحديث عائشة بأنه مات صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم بين سحرها ونحرها، يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق أن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم مات ورأسه في حجر علي. وكلّ طريق منها لا يخلو من شيعي، فلا يلتفت إليهم. فتح الباري 8 : 139.
وكأن الموسوي يعرف ضعف تلك الأحاديث التي ساقها عند أهل العلم بالحديث سوى حديث أُم سلمة، يظهر هذا من قوله في آخر المراجعة 76: ولو لم يعارض حديث عائشة إلاّ حديث أُم سلمة وحده، لكان حديثها هو المقدّم.
وليس هنا من تعارض بين الحديثين كما توهم الموسوي، وقد مضى القول في بيان رأي العلماء في الجمع بين الحديثين. فراجعه.
ولو سلّمنا جدلاً مع الموسوي بصحة تلك الأحاديث وبمعارضة حديث أُم سلمة لحديث عائشة، فإنا نطرح السؤال الآتي: لماذا سكت علي رضي اللّه عنه عن هذا الأمر وهذه الوصيّة، وهو يسمع نفي عائشة لها؟ إن سكوت علي رضي اللّه عنه لا معنى له إلإقرار لحديث عائشة لأنه الحق، وإلاّ فلماذا يسكت وتتكلم أُم سلمة رضي اللّه عنها؟
ولئن كان سكوته رضي اللّه عنه إقراراً لحديث عائشة، فإنه صرّح بما يؤيّد حديث عائشة رضي اللّه عنها. فقد أخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن علي رضي اللّه عنه أنه لما ظهر يوم الجمل قال: (يا أيها الناس، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئاً)، فكيف يقبل من الموسوي وملّته كلام بعد هذا البيان من صاحب الشأن نفسه؟!..

أقول:
لمّا عرفنا ـ على ضوء ما تقدَّم من أخبار عائشة ـ أنّها كانت لا تتورّع عن الكذب والخيانة والخديعة، فإنّ ذلك بوحده يكفينا لأن ننظر في إخبارها بوفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو في صدرها بنظرة الشك والتردّد… ثم لمّا رجعنا إلى سائر الأخبار ووجدنا أنّ أمير المؤمنين وابن عباس وجابراً وأُمّ سلمة وغيرهم، يخبرون بأنّه قد قضى ورأسه في حجر علي عليه السلام، تيقّنا أن إخبار عائشة بذلك كسائر إخباراتها في القضايا الأُخرى….
وأمّا الطعن في أسانيد الروايات عن أمير المؤمنين عليه السلام وغيره في هذا الباب، فلا قيمة له… لأنّ هذا المفتري قد نقل عن الحافظ ابن حجر التصريح بوقوع «التعارض» بين الطرفين، وكلّ أحد يعلم بأنّ «التعارض» لا يكون إلاّ بعد «الحجيّة»، فأحاديث وفاته في حجر علي معتبرة عندهم كذلك، وحينئذ يرجع إلى المرجّحات، وقد عرفت أرجحيّة الرواية عن أمير المؤمنين وغير واحد من كبار الأصحاب، كجابر وابن عباس وعن أُم سلمة أُم المؤمنين….
ومع ذلك، فنحن نتعرّض لمواضع المناقشة في الأسانيد، ونقدّم الكلام على «محمد بن عمر الواقدي» لكونه في عدة منها فنقول:
أمّا أنّ الواقدي قد اتّهم بالكذب، فهذا حق، ولكن هل كان كاذباً حقّاً؟ لا ندري، لأن كثيراً من أئمة الجرح والتعديل عند القوم ليسوا بعدول، وكانوا يتكلَّمون في الرجال تبعاً لأهوائهم وأغراضهم، وإن كنا نستند إلى توثيقاتهم وتجريحاتهم من باب الإحتجاج عليهم والإلزام لهم….
والواقدي قد اتّهم بالكذب والوضع، لكن الذهبي قال «لا أتّهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه»(1)، ومن يقول بإمامة محمد بن إدريس الشافعي وابن أبي شيبة وأبي عبيد القاسم بن سلاّم وأحمد بن منصور الرمادي وابن سعد… وأمثالهم… الذين رووا عن الواقدي، كيف يصدّق بكونه كذّاباً وضّاعاً للحديث؟!
ويبقى القول بضعفه… ويقابله القول بوثاقته، بل إنّ منهم من يلقّبه بـ«أمير المؤمنين في الحديث»(2).
فمن الموثّقين له: إبراهيم الحربي، قال: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام. وعنه أنّه قال: كان الواقدي أعلم الناس بأمر الاسلام، فأمّا الجاهلية فلم يعمل فيها شيئاً.
ومنهم: أبو بكر الصاغاني قال: لولا أنه عندي ثقة ما حدّثت عنه، حدّث عنه أربعة أئمة: أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو عبيد، وأحسب ذكر أبا خيثمة ورجلاً آخر.
ومنهم: الدراوردي، قال عمرو الناقد قلت: للدراوردي: ما تقول في الواقدي؟ قال: لا تسألني عن الواقدي، سل الواقدي عنّي. وذكر الدراوردي الواقدي فقال: ذلك أمير المؤمنين في الحديث.
ومنهم: أبو عامر العقدي، فإنه سئل عن الواقدي فقال: نحن نسئل عن الواقدي؟ إنما يُسئل هو عنّا، ما كان يفيدنا الأحاديث والشيوخ بالمدينة إلاّ الواقدي.
ومنهم: مجاهد بن موسى، قال: ما كتبت عن أحد أحفظ منه.
ومنهم: مصعب الزبيري، فقد سئل عنه فقال: ثقة مأمون.
ومنهم: ابن نمير، فقد سئل عنه فقال: أمّا حديثه عنا فمستو، وأما حديث أهل المدينة فهو أعلم به.
ومنهم: يزيد بن هارون، قال: ثقة.
ومنهم: عباس العنبري قال: هو أحبّ إليَّ من عبدالرزاق.
ومنهم: أبو عبيد القاسم بن سلاّم قال: ثقة(3).
هذا، وقد أورد الحافظ الخطيب البغدادي والحافظ ابن سيد الناس ـ صاحب: عيون الأثر المتوفى سنة 734 وهو من مشايخ الذهبي ـ كلمات الطرفين، ثم أوردا عن بعض الأئمة كالرمادي ما يفيد الدفاع عن الواقدي والجواب عمّا قيل فيه. فراجع(4).
فظهر صحّة احتجاجنا برواية الواقدي على القوم على أُصولهم.
وأما الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: «علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم…» فقد كذّب به هذا المفتري، قال: «فهو حديث موضوع بسبب عمران بن هيثم وهو كذّاب» ولم يذكر لنا الرواية وسندها، ومن قال بكذب «عمران بن هيثم» المذكور!!. لكنّ لهذا الحديث أسانيد عديدة:
منها: ما أخرجه أبو أحمد الفرضي عن علي قال: «علّمني رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ألف باب كلّ باب يفتح ألف باب» قال المتقي بعده: «أبو أحمد الفرضي في جزئه، وفيه الأجلح أبو جحيفة قال في المغني: صدوق شيعي جلد»(5).
ومنها: ما أخرجه ابن عدي قال: «أنا أبو يعلى، ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، ثنا حيي بن عبداللّه، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبداللّه بن عمرو: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم قال في مرضه: أُدعوا إليّ أخي، فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه، ثم قال: أُدعوا إليّ أخي، فدعوا له عمر فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا إلي أخي، فدعوا له عثمان، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا إليَّ أخي، فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب وانكبّ عليه، فلمّا خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علّمني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب.
قال ابن عدي: وهذا هو حديث منكر، ولعلّ البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه شديد الإفراط في التشيّع، وقد تكلّم فيه الأئمّة ونسبوه إلى الضعف»(6).
وأخرجه ابن عساكر قال: «أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنا أبو أحمد بن عدي، أنا أبو يعلى… قال ابن عدي…»(7).
وابن الجوزي قال: «أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال: نا ابن مسعدة قال: أخبرنا حمزة بن يوسف قال: أنا ابن عدي…» ثم قال: «هذا حديث لا يصح، ابن لهيعة ذاهب الحديث، قال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به، وقال يحيى: وكامل بن طلحة ليس بشيء»(8).

أقول:
أوّلاً: قد نقص ابن عساكر من الحديث: «فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه…»!!(9).
وثانياً: لم يناقش ابن عدي في السند إلاّ من جهة «ابن لهيعة».
وقد تبعه غيره، لكن الذهبي تعقبه قائلاً: «فأما قول أبي أحمد ابن عدي في الحديث الماضي: علّمني ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب: فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه مفرط في التشيع ـ فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيّع، ولا الرجل متّهم بالوضع، بل لعلّه أدخل على كامل، فإنه شيخ محلّه الصدق، لعلّ بعض الرافضة أدخله في كتابه ولم يتفطّن هو، واللّه أعلم»(10)!!
وثالثاً: قد عرفت من كلام الذهبي أن كامل بن طلحة أيضاً صدوق، وكذلك نصّ في الميزان(11)، وبذلك يندفع كلام ابن الجوزي أيضاً.
وتلخّص صحة إسناد هذا الحديث… لكنّ القوم يسعون وراء إسقاطه عن الاعتبار بأيّ وجه، فلمّا لم يمكن الطعن في سنده يقول الذهبي: «لعلّ بعض الرافضة أدخله…» وإذا عرفت صحّة ما تقدَّم، وعرفت أيضاً مكابرات القوم أمام أحاديث الباب… ظهر لك صحّة استدلالات السيّد رحمه اللّه، وأمكنك الوقوف على واقع الحال في مناقشاتهم في سائر الأحاديث….
ولا يخفى أنّ هناك أحديث كثيرة أُخرى من طرق القوم، لم يتعرّض لها السيّد، صريحة في أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مات ورأسه في حجر أمير المؤمنين، وأنه كان آخر الناس عهداً به صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومن ذلك:
أخرج البزّار عن أبي رافع قال: «توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ورأسه في حجر علي بن أبي طالب وهو يقول لعلي: اللّه اللّه وما ملكت أيمانكم، اللّه اللّه والصّلاة. فكان ذلك آخر ما تكلّم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم» وأورده الهيثمي فقال: «رواه البزار وفيه: غسّان بن عبداللّه، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات»(12).
قلت: رواية مثل البزّار عنه مع عدم وجود جرح فيه كاف للإعتماد عليه.
وعن ابن عبّاس: «إن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ثقل وعنده عائشة وحفصة، إذ دخل علي، فلمّا رآه النبي رفع رأسه ثم قال: أدن مني أدن مني، فأسنده إليه، فلم يزل عنده حتى توفّي. فلمّا قضى قام علي وأغلق الباب، وجاء العباس ومعه بنو عبدالمطلب فقاموا على الباب، فجعل علي يقول: بأبي أنت، طبت حيّاً وطبت ميّتاً…» قال الهيثمي: «قلت: روى ابن ماجة بعضه. رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه: يزيد بن أبي زياد، وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجاله ثقات»(13).
قلت: وهذا من الهيثمي عجيب، فقد جاء بترجمة يزيد بن أبي زياد عند المزّي وغيره كونه من رجال البخاري ومسلم وسائر أصحاب الصحّاح، وأنّهم قد وثقوه واحتجّوا به(14).
وأخرج ابن عساكر بأسانيد مختلفة عن أبي الطفيل مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام أهل الشورى بخصائص له كثيرة، فكان من جملتها أن قال لهم: «نشدتكم باللّه، أفيكم أحد ولي غمض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله مع الملائكة، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم باللّه، أفيكم أحد ولي غسل النبي مع الملائكة يقلّبونه لي كيف أشاء، غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: نشدتكم باللّه، أفيكم أحد كان آخر عهده برسول اللّه، حتى وضعه في حفرته، غيري؟ قالوا: اللهم لا»(15).
بل لقد ذكر ذلك في خصائصه سائر الأصحاب، فقد رووا أن الفضل ابن العباس بن عتبة بن أبي لهب قال في مناقبه لمّا بلغه غدر القوم له:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف *** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
البرّ أول من صلّى لقبلته *** وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبي ومن *** جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا تمترون به *** وليس في القوم ما فيه من الحسن(16)

أقول:
قد تلخّص مما ذكرنا أنّ الأخبار المعتبرة عندهم في إيذاء عائشة لأزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالأشكال المختلفة والمناسبات المتعدّدة، كثيرة، وحتى أنها كانت تتكلّم في السيّدة خديجة رضي اللّه عنها، ولا شك أنّ النبيّ يتأذّى من إيذائهنّ غير المشروع والظلم والخديعة لهنّ، إن لم يكن فيما فعلت وقالت ظلم للنبيّ نفسه مباشرةً، وقد باءت كلّ المحاولات للدفاع عن عائشة ـ من المتقدّمين والمتأخّرين ـ بالفَشَل، لأنّ تلك الأخبار واضحة الدلالة، كثيرة العدد، معتبرة الإسناد….
وعلى الجملة، فإنّا عندما نزن سيرة عائشة مع النبي والوصي والأزواج وسائر المسلمين، على أساس ما ورد في كتب القوم المعتبرة بميزان الكتاب والسنّة الثابتة، نتوصّل إلى نتيجة مهمّة قطعيّة، وهي ضرورة التوقّف عن قبول أحاديثها، سواء في الأحكام الشرعيّة وغيرها، فيكون حالها حال أبي هريرة الدوسي وأمثاله الذين توقّف عن قبول أحاديثهم كبار الصحابة والتابعين والعلماء الأعلام… وذلك، لأنّ المتّبع هو كتاب اللّه عزّ وجلّ وسنّة نبيّه الثابتة عند المسلمين، إذ لا يجوز لنا مخالفة الكتاب والسنّة بحال من الأحوال أبداً.
وبعبارة أُخرى، فإن المعيار هو الحق المتمثّل بالكتاب والسنّة، ونحن نريد أن نعرف الحق وموضعه حتى نتّبعه، ولا يجوز لنا أنّ نعرف الحق بالأشخاص، سواء الصّحابة وغيرهم….
وإلى هنا ظهر، أنّ الحق مع السيّد في قوله: بأنّ عائشة كانت تستسلم إلى العاطفة وتقدّمها على الحكم الشرعي وحقوق الناس.
وبهذا يظهر السبّب في تقديم حديث أُمّ سلمة على حديث عائشة على فرض التعارض… فإنّا لم نجد في أخبار القوم في الكتب المعتبرة أن أُم سلمة ـ أُم المؤمنين رضي اللّه عنها ـ قد أغضبت النبي صلّى اللّه عليه وآله في يوم من الأيام، أو آذت غيرها من أزواجه فتأذّى النبي، أو وقع بينها وبينه كلام فوقعت الحاجة إلى أن يتحاكما إلى أبي بكر أو أبي عبيدة أو عمر بن الخطاب! وأي معنى لأن يتحاكم النبي إلى غيره ـ كائناً من كان ـ والنبي هو الحَكَم وقضاؤه هو العدل، واللّه سبحانه وتعالى يقول: (فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً)(17).
نعم، لا يوجد في حياة سيّدتنا أُم سلمة مع النبي وعترته الطاهرين شيء من هذا القبيل، فلو وقع التعارض بين حديثها وحديث عائشة في قضيّة، فلا محالة يكون حديثها هو المقدّم شرعاً وعقلاً….
ثم إنّ السيّد رحمه اللّه جعل يقارن ـ في المراجعة 78 ـ بين عائشة وأُم سلمة على أساس الكتاب والسنّة، بحسب الأحاديث الواردة في كتب القوم، فذكر الموارد المتقدّمة، لكنّ بعض النّاس يحاولون تبرئة عائشة من القضايا التي يقتضي الحكم على ضوئها بأفضلية أُمّ سلمة وتقدّم حديثها على حديث عائشة عند التعارض:

فقيل:
1 ـ أما طعنه بالسيدة عائشة بقوله: إن السيدة أُم سلمة لم يصغ قلبها ولم تؤمر بالتوبة، مشيراً بذلك إلى قوله تعالى في سورة التحريم: (إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما) فجوابه قد مضى في الرد على المراجعة 76، وملخصه: أن ما وقع من عائشة في هذا الأمر إنما كان حيلة موجّهة لضرّتها زينب بدافع الغيرة التي جبلت عليها النساء، ولم تكن تقصد بها أذى النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم كما يزعم الموسوي، ودليلنا على ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ما كان يغضب من غيرة عائشة ولا غيرها من نسائه، لأنه يعلم أن الغيرة مجبولة في النساء، ولا مؤاخذة على الأُمور الجبليّة، وفي الحديث الصحيح أن بعض أُمهات المؤمنين غارت على الأُخرى حين أرسلت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم طعاماً كان يحبّه، وهو عليه الصلاة والسلام إذ ذاك في بيت من تغار، فأخذت الطبق من يد خادمها فضربت به على الأرض حتى انكسر، وانصبّ الطعام، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم يجمع الطعام من الأرض ويقول: «قد غارت أمّكم» ولم يعاقبها ولم يوبّخها، لأنها لم تأت بما يخالف الشرع، وكذا الأمر بالنسبة لعائشة، فإنها احتالت لضرّتها بما لا يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم.
أما الأمر الذي أغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم في هذه القضيّة هو إفشاء سرّه عليه الصّلاة والسلام، وكان ذلك من حفصة بنت عمر، كما أخرج الدارقطني عن ابن عباس بسند صحيح. وفيه: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أصاب جاريته مارية القبطيّة في بيت حفصة وفي يومها وعلى فراشها، فدخلت حفصة فوجدتها في بيتها، فغارت غيرة شديدة، وقالت: أي رسول اللّه أدخلتها بيتي في غيابي، وعاشرتها على فراشي؟! فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم مسترضياً لها: إني حرّمتها عليَّ ولا تخبري بذلك أحداً. فلما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم من عندها ذهبت حفصة إلى عائشة وأخبرتها بسرّ النبي صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم وحلف ألاّ يدخل على نسائه شهراً واعتزلهنّ فنزل قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك تبتغي مرضاة…)الآيات.
أما قصة المغافير، وإن كانت أصح سنداً لأنها في الصحيحين، إلاّ أن الرواية الأُولى عند المفسرين أشهر في أنها سبب النزول، وقد رجح هذا الإمام ابن حجر في فتح الباري عند تفسير هذه الآيات.
وممّا يرجّح الرواية الأُولى لتكون سبب النزول: أن تحريم بعض النساء ممّا يبتغي به مرضاة بعضهنّ الآخر، أما تحريم العسل وعدم تحريمه فليس فيه مرضاة. التهديد والوعيد لأزواج الرسول بالطلاق واستبدالهنّ بخير منهنّ يدلّ على وجود تنافس وغيرة بينهنّ. ومن ثم صريح قوله تعالى: (وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً…)الآية، وإلى ترجيح هذه الرواية ذهب ابن كثير رحمه اللّه واستبعد أن تكون رواية شرب العسل سبباً في النزول فقال: وكون قضيّة شرب العسل سبباً للنزول فيه نظر، واللّه أعلم(18).
وفي مختصر التحفة الاثني عشرية: نقل إجماع المفسرين على أن إفشاء السرّ وقع من حفصة لا غير، ثم ساق قصتها مع مارية القبطية، ثم قال بعد ذلك: وقد عدّ ذلك الإفشاء من حفصة معصية وقد تابت عنها، وقد ثبت ذلك في تفاسير الشيعة كمجمع البيان للطبرسي. انظر مختصر التحفة ص 270.
وعلى القول بأن قضية شرب العسل هي سبب النزول فنقول للموسوي: إن دلالة قوله تعالى: (إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما) على الذنب ليس بأولى من دلالتها على طلب التوبة وحصولها من أُمّهات المؤمنين، فلماذا عميت بصيرتك عن دلالة الآية على التوبة، وانصرفت إلى وقوع الذنب ووقفت عنده لولا أنك صاحب هوى.
والذي يؤكّد توبتهما ما ثبت من علوّ درجتهما وأنهما زوجتا نبيّنا في الجنة، وأنهنّ اخترن اللّه ورسوله، عندما خيّرهنّ اللّه بينهما وبين الحياة الدنيا وزينتها، ولذلك حرم اللّه على نبيه بعد ذلك أن يستبدل بهنّ غيرهن.
فعلى تقدير أن هناك ذنب لعائشة وحفصة في هذه القصة، فيكون قد تابا منه، وبعد التوبة هل يبقى لهما ذنب يعيّران به أو يؤبّخان عليه كما تفعل الرافضة وكما صرّح بذلك الموسوي؟

(1) سير أعلام النبلاء 9 : 469.
(2) تاريخ بغداد 3 : 9، تهذيب الكمال 26 : 190 وغيرهما.
(3) تجد هذه الكلمات وغيرها بترجمة الواقدي في: تاريخ بغداد، وتهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وعيون الأثر في فنون المغازي والسير وغيرها.
(4) تاريخ بغداد 3 : 1 ـ 3، عيون الأثر 1 : 68 ـ 72.
(5) منتخب كنز العمال ـ على هامش مسند أحمد 5 : 43.
(6) الكامل في ضعفاء الرجال 3 : 389.
(7) تاريخ مدينة دمشق 42 : 385.
(8) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية 1 : 221.
(9) لا يخفى أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان قد أمر أبا بكر وعمر وعثمان بالخروج في جيش أُسامة كما سيأتي، فالنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا قال: «ادعوا لي أخي» لم يُرد إلاّ عليّاً، لأن القوم كانوا مأمورين بالخروج كما أشرنا، ولأنّ أخاه ليس إلاّ عليّاً عليه السلام ـ كما ثبت في حديث المؤاخاة وغيره ـ فالمقصود هو عليٌّ لا غيره. إلاّ أنّ أزواجه اللاّتي شبههنّ بصواحب يوسف لم يُطعنه، فدعت عائشة أباها أبا بكر، ودعت حفصة أباها عمر، ففي رواية الطبري: «قال رسول اللّه: ابعثوا إلى علي فادعوه، فقالت عائشة: لو بعثت إلى أبي بكر، وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر، فاجتمعوا عنده جميعاً، فقال رسول اللّه: انصرفوا فإن تك لي حاجة أبعث إليكم، فانصرفوا…» تاريخ الطبري 3 : 196، لكن في رواية ابن عساكر وغيره هي عائشة التي دعت كليهما، وهي التي قالت: «ويلكم، أُدعوا له علياً، فواللّه ما يريد غيره» (قالت): «فلمّا رآه أخرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله معه، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه» تاريخ ابن عساكر 42 : 393، الرياض النضرة 3 : 141، كفاية الطالب: 262 ذخائر العقبى: 132.
أقول: فظهر معنى «فدعوا له…» ومعنى «فدعي له علي بن أبي طالب».
(10) سير أعلام النبلاء 8 : 26.
(11) ميزان الاعتدال 2 : 483.
(12) مجمع الزوائد 1 : 293.
(13) مجمع الزوائد 9 : 36.
(14) تهذيب الكمال 32 : 135، تهذيب التهذيب 11 : 287 ـ 288، سير أعلام النبلاء 6 : 129.
(15) تاريخ دمشق 42 : 431 ـ 435.
(16) أُسد الغابة 3 : 621.
(17) سورة النساء: 65.
(18) تفسير القرآن العظيم 8 : 162.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *