1 ـ لفظ: (الّذين آمنوا) للجمع، فكيف أُطلق على المفرد؟

1 ـ لفظ: (الّذين آمنوا) للجمع، فكيف أُطلق على المفرد؟
وهو إشكال ذكره القاضي عبدالجبّار وتبعه الرازي وغيره.
والجواب: إنّه بعد ثبوت نزول الآية في أمير المؤمنين عليه السلام، كما سبق، فلابُدّ وأنْ يكون لإطلاق لفظ الجمع فيها عليه بمفرده نكتة..
فذكر السيّد رحمه اللّه وجوهاً، وكلّ واحد منها محتمل، ولا مانع من أنْ يكون كلّها مراداً، وقد لا يكون شيء منها هو الوجه.. لكنّ المهمّ أنّ الآية نازلة في الإمام عليه السلام ولا يضرّ بالاستدلال جهلنا بالنكتة الحقيقية لإطلاق لفظ الجمع عليه بوحده.. كما لا يخفى.

فقيل:
«سبحان اللّه! وهل كان عليّ بن أبي طالب أعلى منزلة عنداللّه من رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى يخاطبه بصيغة الجمع (الّذين آمنوا) ويخاطب نبيّه بصيغة الإفراد (ورسوله)»؟! بل إنّ اللّه جلّ جلاله أفرد نفسه في هذه الآية… ويلزم من هذا أنّ عليّاً رضي اللّه عنه أفضل عنداللّه من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا يخفى فساد هذا القول ومجانبته للإيمان، لكنّ مثل هذا القول غير بعيد عن معتقد الرافضة، فإنّهم يعتقدون أنّ لأئمّتهم منزلة لا يبلغها نبيّ مرسل ولا ملك مقرَّب.
أمّا النكتة التي نقلها عن الزمخشري في كشّافه، فهي مبنيّة على القول بصحّة الرواية القائلة بأنّ الآية نزلت في عليّ رضي اللّه عنه، وقد أثبتنا من قبل كذب هذه الرواية عند أهل العلم بالحديث، وبثبوت ذلك يثبت بطلان هذه النكتة لبطلان الأساس الذي قامت عليه.
وقد أبعد هذا الرافضي النجعة إذ قال: إنّما أتى بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقياً منه تعالى على كثير من الناس… قلت: هل اطّلع هذا الرافضي الغيب فعرف أنّ هذا هو مراد اللّه… أم جاء ذلك بآية من كتاب اللّه، أو خبر صحيح على لسان رسول اللّه؟ وبدون ذلك يكون الكلام رجماً بالغيب وتقوّل على اللّه ورسوله بلا علم، أعاذنا اللّه والمسلمين من ذلك.
أمّا استشهاده على مدّعاه بقوله تعالى في سورة آل عمران: (الّذين قال لهم الناس…) وقوله: إنّما كان القائل نعيم بن مسعود… هو استشهاد باطل وقول مردود…».

أقول:
بعض هذا الكلام تهريج ناشئ من سوء الفهم؛ لأنّ الآية الكريمة موضوعها «الولي» وهي بصدد الإخبار عنه..
فالآية تقول: إنّ «الوليّ» ليس إلاّ «اللّه» و«الرسول» و«عليّ»، فكيف كان يمكن الإتيان بصيغة الجمع بالنسبة إلى «اللّه ورسوله»؟!
أمّا في الموارد التي تكلّم اللّه سبحانه عن نفسه، فقد صحّ الإتيان بصيغة الجمع بأن يقول: «إنّا» و: «نحن»؛ وهو أيضاً لنكتة توجب ذلك.
وبعضه بهتان وافتراء؛ فإنّ الإمامية لا يفضّلون عليّاً على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وإنْ كانوا يفضّلونه على سائر الأنبياء، كما تحقّق في مبحث آية المباهلة.
وبعضه دفاع عن النواصب؛ إذ يقول السيّد: «فإنّ شانئي عليّ وأعداء بني هاشم…» وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، ولا يحاول ذلك إلاّ من كان على طريقتهم.
وبعضه دعوىً كاذبة؛ فإنّه قال عمّا ذكره صاحب الكشّاف: «وقد أثبتنا…»، والحال أنّ أحداً لا يمكنه إثبات كذب الرواية في نزول الآية في عليّ عليه السلام، فكيف بمثل هؤلاء المقلِّدة؟!!
وعلى كلّ حال… فإنّ الرواية ثابتة قطعاً؛ ولأجلها قالوا بأنّه: لا بُدّ من نكتة.
وأمّا نظائرها في القرآن الكريم فكثيرة، حسب ما جاء في تفاسير القوم..
فالآية التي ذكر السيّد أنّ المراد فيها هو: «نعيم بن مسعود الأشجعي» تجد القول بذلك في تفاسير: الزمخشري، وابن الجوزي، والرازي، والقرطبي، وابن كثير، والخازن وغيرهم.
وكقوله تعالى: (لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم)(1)..
فقد رووا في كتب الحديث والتفسير أنّها: نزلت في أسماء بنت أبي بكر؛ وذلك أنّ أُمّها قدمت عليها بهدايا وكانت مشركةً فأبت أسماء أنْ تقبلها حتّى تستأذن النبيّ، فسألته، فأنزل اللّه الآية، فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنْ تدخلها منزلها وأنْ تقبل هديّتها وتحسن إليها..
والخبر في الصحيحين، ومسند أحمد، وتفسير الطبري، وابن أبي حاتم، وعنها في تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الخازن… وغيرها.
ولو أردنا التفصيل لطال بنا المقام..
فهذه كتبهم.. وهذه رواياتهم.. وعلى ضوئها تكلّم السيّد.

(1) سورة الممتحنة 60 : 8.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *