حديثُ الولاية

حديثُ الولاية

قال السيّد:
«حسبك منها ما أخرجه أبو داود الطيالسي ـ كما في أحوال عليّ من الاستيعاب ـ بالإسناد إلى ابن عبّاس؛ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي(1).
ومثله ما صحّ عن عمران بن حصين؛ إذ قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سرية، واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، فاصطفى لنفسه من الخمس جارية، فأنكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعة منهم على شكايته إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فلمّا قدموا قام أحد الأربعة فقال: يا رسول اللّه! ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا وكذا. فأعرض عنه، فقام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه، فأعرض عنه، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والغضب يبصر في وجهه فقال: ما تريدون من عليّ؟! إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(2).
وكذلك حديث بريدة ولفظه في ص 356 من الجزء الخامس من مسند أحمد، قال: بعث رسول اللّه بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس(3)، وإن افترقتم فكلّ واحد منكما على جنده..
قال: فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرّية، فاصطفى عليّ امرأة من السبي لنفسه؛ قال بريدة: فكتب معي خالد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يخبره بذلك، فلمّا أتيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول اللّه! هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أُطيعه، ففعلت ما أُرسلت به.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: لا تقع في عليّ؛ فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي(4). انتهى.
ولفظه عند النسائي في ص 17 من خصائصه العلويّة: لا تبغضنّ يا بريدة لي عليّاً، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.
ولفظه عند ابن جرير(5): قال بريدة: وإذا النبيّ قد احمرّ وجهه، فقال: من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه. قال: فذهب الذي في نفسي عليه، فقلت: لا أذكره بسوء.
والطبراني قد أخرج هذا الحديث على وجه التفصيل، وقد جاء في ما رواه: إنّ بريدة لمّا قدم من اليمن، ودخل المسجد، وجد جماعة على باب حجرة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقاموا إليه يسلّمون عليه ويسألونه، فقالوا: ما وراءك؟
قال: خير، فتح اللّه على المسلمين.
قالوا: ما أقدمك؟
قال: جارية أخذها عليّ من الخمس، فجئت لأخبر النبيّ بذلك.
فقالوا: أخبره أخبره، يسقط عليّ من عينه.
ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يسمع كلامهم من وراء الباب، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟! من أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خلق من طينتي وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم(6)، (ذرّيّةً بعضُها من بعض واللّهُ سميعٌ عليمٌ)(7)، يا بريدة! أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي(8)؟!
وهذا الحديث ممّا لا ريب في صدوره، وطرقه إلى بريدة كثيرة، وهي معتبرة بأسرها.
ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عبّاس من حديث جليل(9)، ذكر فيه عشر خصائص لعليّ، فقال: وقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي.
وكذلك قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، من حديث جاء فيه: يا عليّ! سألت اللّه فيك خمساً، فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة، إلى أن قال: وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين من بعدي(10).
ومثله ما أخرجه ابن السكن عن وهب بن حمزة، قال ـ كما في ترجمة وهب من الإصابة ـ: سافرت مع عليّ فرأيت منه جفاء، فقلت: لئن رجعت لأشكونّه. فرجعت فذكرت عليّاً لرسول اللّه فنلت منه، فقال: لا تقولن هذا لعليّ، فإنّه وليّكم بعدي..
وأخرجه الطبراني في الكبير عن وهب، غير أنّه قال: لا تقل هذا لعليّ فهو أوْلى الناس بكم بعدي(11).
وأخرج ابن أبي عاصم عن عليّ مرفوعاً: ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: بلى. قال: من كنت وليّه فهو وليّه(12).
وصحاحنا في ذلك متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة..
وهذا القدر كاف لِما أردناه..
على أنّ آية الولاية في كتاب اللّه عزّوجلّ تؤيّد ما قلناه.
والحمد للّه ربّ العالمين»(13).

أقول:
هذا الحديث يسمّى في الكتب بـ: «حديث الولاية»، وكلّ حديث يراد الاستدلال به من قبل الإمامية على أهل السُنّة لابُدّ أنْ يكون صالحاً للاحتجاج به عليهم؛ بأنْ يكون مرويّاً من طرقهم، وارداً في كتبهم، بسند موثوق به عندهم بناءً على أُصولهم وحسب تصريحات كبار علمائهم.
وهذا الحديث رواه السيّد رحمه اللّه عن مصادر كثيرة مع تصريح غير واحد من أكابر القوم بصحّته..
ثمّ تعرّض لدلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وخلافته بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

(1) أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السُنن عن أبي عوانة الوضاح بن عبداللّه اليشكري، عن أبي بلج يحيى بن سليم الفزاري، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن عبّاس مرفوعاً، ورجال هذا السند كلّهم حجج.
وقد احتجّ بكلّ منهم الشيخان في صحيحيهما، إلاّ يحيى بن سليم، فإنّهما لم يخرجا له، لكنّ أئمّة الجرح والتعديل صرّحوا بوثاقته، وأنّه كان من الذاكرين اللّه كثيراً..
وقد نقل الذهبي حيث ترجمه في الميزان توثيقه عن ابن معين، والنسائي، والدارقطني، ومحمّد بن سعد، وأبي حاتم، وغيرهم.
(2) أخرجه غير واحد من أصحاب السُنن:
كالإمام النسائي في خصائصه العلوية.
وأحمد بن حنبل من حديث عمران في أوّل ص 606 من الجزء الخامس من مسنده.
والحاكم في ص 111 من الجزء 3 من المستدرك.
والذهبي في تلخيص المستدرك مسلّماً بصحّته على شرط مسلم.
وأخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وصحّحه في ما نقل عنهما المتّقي الهندي في أوّل ص 142 من الجزء 13 من كنز العمّال.
وأخرجه أيضاً الترمذي بإسناد قويّ، في ما ذكره العسقلاني في ترجمة عليّ من إصابته.
ونقله علاّمة المعتزلة في ص 171 من المجلّد التاسع من شرح النهج، ثمّ قال: رواه أبو عبداللّه أحمد في المسند غير مرّة، ورواه في كتاب فضائل عليّ، ورواه أكثر المحدّثين.
(3) ما أمّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أحداً على عليّ مدّة حياته، بل كانت له الإمرة على غيره، وكان حامل لوائه في كلّ زحف، بخلاف غيره؛ فإنّ أبا بكر وعمر كانا من أجناد أُسامة، وتحت لوائه الذي عقده له رسول اللّه حين أمّره في غزوة «مؤتة»، وعبّأهما بنفسه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ذلك الجيش بإجماع أهل الأخبار..
وقد جعلهما أيضاً من أجناد ابن العاص في غزوة «ذات السلاسل»، ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرهما عمرو بن العاص، أخرجها الحاكم في ص 43 من الجزء 3 من المستدرك، وأوردها الذهبي في تلخيصه مصرّحاً بصحّة ذلك الحديث، أمّا عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبيّ منذ بعث إلى أن قبض صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
(4) هذا ما أخرجه أحمد في ص 356 من طريق عبداللّه بن بريدة، عن أبيه..
وأخرج ـ في ص 476 من الجزء 6 من مسنده ـ من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن، فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّه ذكرت عليّاً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللّه يتغيّر، فقال: يا بريدة! ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قلت: بلى يا رسول اللّه. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. انتهى.
وأخرجه الحاكم في ص 110 من الجزء 3 من المستدرك، وغير واحد من المحدّثين، وهو كما تراه صريح في المطلوب؛ فإنّ تقديم قوله: ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قرينة على أنّ المراد بالمولى في هذا الحديث إنّما هو الأوْلى، كما لا يخفى.
ونظير هذا الحديث ما أخرجه غير واحد من المحدّثين ـ كالإمام أحمد في آخر ص 483 من الجزء 3 من مسنده ـ عن عمرو بن شاس الأسلمي، قال: وكان من أصحاب الحديبية، فقال: خرجت مع عليّ إلى اليمن، فجفاني في سفري ذلك حتّى وجدت في نفسي عليه، فلمّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتّى بلغ ذلك رسول اللّه..
فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ناس من أصحابه، فلمّا رآني أبدني عينيه، يقول: حدّد إليّ النظر، حتّى إذا جلست قال: يا عمرو! واللّه لقد آذيتني. قلت: أعوذ باللّه أن أُؤذيك يا رسول اللّه. قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.
(5) في ما نقله عنه المتّقى الهندي ص 135 من الجزء 13 من كنز العمّال. ونقله عنه في منتخب الكنز أيضاً.
(6) لمّا أخبر أنّ عليّاً خلق من طينته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو بحكم الضرورة أفضل من عليّ، كان قوله: «وأنا خلقت من طينة إبراهيم» مظنّة لتوهّم أنّ إبراهيم أفضل منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وحيث أنّ هذا مخالف للواقع صرّح بأنّه: «أفضل من إبراهيم» دفعاً للتوهّم المخالف للحقيقة.
(7) سورة آل عمران 3 : 34.
(8) إنّ ابن حجر نقل هذا الحديث عن الطبراني في ص 263 من صواعقه، أثناء كلامه في المقصد الثاني من مقاصد الآية 14 من الآيات التي ذكرها في الباب 11 من الصواعق، لكنّه لمّا بلغ إلى قوله: «أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية»، وقف قلمه، واستعصت عليه نفسه، فقال: إلى آخر الحديث، وليس هذا من أمثاله بعجيب، والحمد للّه الذي عافانا.
(9) أخرجه الحاكم في أوّل ص 134 من الجزء 3 من المستدرك..
والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته..
والنسائي في ص 52 ح 24.
والإمام أحمد في ص 545 من الجزء الأوّل من مسنده..
وقد أوردناه بلفظه في أوّل المراجعة 26.
(10) هذا الحديث هو الحديث 33047 من أحاديث الكنز، في ص 625 ج 11.
(11) هذا الحديث هو الحديث 32961 من أحاديث الكنز في ص 612 ج 11.
(12) نقله المتّقي الهندي عن ابن أبي عاصم في ص 131 ج 13 من الكنز.
(13) المراجعات: 135 ـ 139.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *