حكم من توقّف في مسألة خلق القرآن

* حكم من توقّف في مسألة خلق القرآن:
ومن مشاهد اضطراب القوم واختلاف آرائهم، قضيّة خلق القرآن، وذلك لأنّ فريقاً من أئمّة القوم أجابوا، وآخرين ثبتوا على القول بالعدم، وجماعة توقّفوا….
فمن الناس من حكم بالكفر، لا على الّذين أجابوا وحسب، بل حتّى على مَن توقّف، فقد ذكروا أنّ المحاسبي الزاهد العارف، شيخ الصوفية، خلّف له أبوه مالاً كثيراً، فتركه، وقال: لا يتوارث أهل ملّتين، لأنّ أباه كان من المتوقّفين في مسألة خلق القرآن(1).
وأحمد بن حنبل، قال عن يعقوب بن شيبة، صاحب المسند الكبير: «مبتدع، صاحب هوىً» فقال الخطيب: «وصفه أحمد بذلك لأجل الوقف»(2).
وترك الناس كلّهم حديث إسحاق بن أبي إسرائيل ـ من رجال البخاري وأبي داود والنسائي ـ لكونه من الواقفة في مسألة خلق القرآن(3).
وأمّا الّذين أجابوا.. فقد حكم عليهم بعضهم بالارتداد، ودافع عنهم آخرون حاملين ذلك منهم على التقيّة!! حفظاً لماء وجههم، وكرامةً لصحاحهم؛ لكونها قد أخرجت أحاديثهم….
كعليّ بن المديني، الذي وصفوه بأمير المؤمنين في الحديث، فإنّه قد أجاب، وقبل الأموال على ذلك، فكثر الكلام حوله، بين طاعن فيه وبين مدافع عنه.. قال إبراهيم بن عبداللّه بن الجنيد: سمعت يحيى بن معين وذُكر عنده علي بن المديني فحملوا عليه، فقلت: ما هو عند الناس إلاّ مرتدّ، فقال: ما هو بمرتدّ، هو على إسلامه، رجل خاف فقال(4).
هذا، وقد ترك مسلم وأبو زرعة الرازي وإبراهيم الحربي الرواية عنه بسبب ذلك(5)..
أمّا العقيلي فقد أورده في كتابه في الضعفاء(6).
والذهبي من جملة المدافعين عن ابن المديني، فإنّه قال: «قد كان ابن المديني خوّافاً متاقياً في مسألة القرآن»، ثمّ شدّد النكير على العقيلي ذِكْره إيّاه في الضعفاء، وكلّ ذلك من أجل أنّ البخاري «قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني…» كما قال(7).
وكأبي معمر الهذلي، ويحيى بن معين ـ وكلاهما من رجال الصحيحين ـ، قال الذهبي: «روى سعيد بن عمرو البرذعي عن أبي زرعة، قال: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمّار ولا يحيى بن معين، ولا عن أحد ممّن امتُحِن فأجاب».
ثمّ حاول الدفاع فقال: «قلت: هذا أمر ضيّق، ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أُكره على صريح الكفر عملاً بالآية، وهذا هو الحقّ. وكان يحيى من أئمّة السُنّة، فخاف من سطوة الدولة وأجاب تقيّةً»(8).
هذا باختصار بالنسبة إلى المرجئة والقدرية والمعتزلة والواقفة في مسألة القرآن، ونحوهم….
وقد ظهر اختلافهم الشديد في قبول أو ردّ أحاديث مَن كان من أهل هذه الفرق وإنْ كان صادقاً في روايته، متقناً في نقله..
ويبقى الكلام في الرواية عن النواصب ونحوهم، وعن الشيعة..

(1) حلية الأولياء 10 : 75.
(2) تاريخ بغداد 14 : 282.
(3) سير أعلام النبلاء 11 : 477.
(4) سير أعلام النبلاء 11 : 57.
(5) ميزان الاعتدال 3 : 138.
(6) الضعفاء الكبير 3 : 235 رقم 1237.
(7) ميزان الاعتدال 3 : 140.
(8) سير أعلام النبلاء 11 : 87.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *