وأمّا الآية الخامسة

وأمّا الآية الخامسة:
فإنّا لا نقول بأنّ مجرَّد وجود خبر في كتاب دليلٌ على صحّة الخبر، حتى لو كان في كتابي البخاري ومسلم. أمّا ابن حجر المكي، فقد ذكر الآية فيما نزل في أهل البيت عليهم السلام، ولذا تعجّب منه هذا المتقول، فكان بين كلاميه في صدر التعليقة وذيلها تناقض.
على أنّ محلّ الإستشهاد هو رواية مثل ابن حجر المكي المتعصّب الخبر في مثل كتاب الصواعق الذي ألَّفه في ردّ الاماميّة ـ كما نصّ عليه في ديباجته ـ ليكون دليلاً على أنه خبر متّفق عليه بين الفريقين ووارد من طرقهما جميعاً، فقوله في خبر: «فيه كذاب» لا يضرّ بالمقصود، كما لا يخفى على الفهيم المنصف، على أنّ رواة هذا الخبر من كبار الأئمّة وحفاظ أهل السنّة كثيرون.
قال ابن جرير الطبري: «وقد حدثنا ابن حميد قال: حدثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمّد بن علي: اُولئك هم خير البرية. فقال النبي: أنت يا علي وشيعتك»(1).
وقال ابن عساكر: «أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبانا عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو عمر بن مهدي، أنبأنا أبو العباس بن عقدة، أنبأنا محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، أنبأنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، أنبأنا إبراهيم بن جعفر بن عبداللّه بن محمّد بن مسلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبداللّه الأنصاري قال: كنا عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي: قد أتاكم أخي. ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ثم قال: إنّه أوّلكم إيماناً معي وأوفاكم بعهد اللّه وأقومكم بأمر اللّه وأعدلكم في الرّعية وأقسمكم بالسويّة وأعظمكم عند اللّه مزية. قال: ونزلت (إنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات اُولئك هم خير البريّة) فكان أصحاب محمّد إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البريّة.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، أنبأنا الحسن بن علي الأهوازي، أنبأنا معمر بن سهل، أنبأنا أبو سمرة أحمد بن سالم، أنبأنا شريك، عن الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيد، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: علي خير البريّة.
قال أبو أحمد: وهذا قد رواه غير أبي سمرة عن شريك. وروي عن غير شريك أيضاً عن الأعمش عن عطيّة عن جابر بن عبداللّه: كنّا نعدّ عليّاً من خيارنا. ولا يسنده هكذا إلا أبو سمرة»(2).
وهكذا ذكر الروايات كلٌّ من السيوطي(3) والشوكاني(4) وغيرهما، وفي أسانيدها كبار الأئمّة والحفّاظ.
فإنْ كان عجبٌ، فمن هؤلاء كلّهم، لا من ابن حجر وحده!!

(1) جامع البيان 30 : 171.
(2) تاريخ مدينة دمشق 42 : 371.
(3) الدر المنثور 8 : 589.
(4) فتح القدير 5 : 477.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *