قوله تعالى: (والّذين آمنوا باللّه ورسله أُولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم…)

قوله تعالى: (والّذين آمنوا باللّه ورسله أُولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم…)(1).

قال السيّد:
وهم الصدّيقون والشهداء والصالحون.

قال في الهامش:
أخرج ابن النجار ـ كما في الحديث 30 مما أشرنا إليه من الصواعق ـ عن ابن عباس، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب ياسين، وعلي بن أبي طالب.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر ـ كما في الحديث 31 ممّا أشرنا إليه من الصواعق ـ عن ابن أبي ليلى: إن رسول اللّه قال: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل ياسين قال (يا قوم اتّبعوا المرسلين) وحزقيل مؤمن آل فرعون قال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللّه) وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.
والصّحاح في سبقه وكونه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، متواترة(2).

فقيل:
الحديث المذكور في الحاشية موضوع، أخرجه السيوطي في الجامع الصغير من رواية أبي نعيم في المعرفة، وابن عساكر عن ابن أبي يعلى (والصواب: أبي ليلى) ولم يتكلَّم شارحه المناوي بشيء غير أنّه قال: رواه ابن مردويه والديلمي.
لكنْ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث كذب.
وأقرّه الذهبي في مختصر المنهاج (309).
وكفى بهما حجّة.
ولمّا عزاه ابن المطهّر الشيعي لرواية أحمد، أنكره عليه شيخ الإسلام في ردّه عليه فقال: لم يروه أحمد، لا في المسند ولا في الفضائل، ولا رواه أبداً، وإنّما زاده القطيعي عن الكديمي: حدّثنا الحسن بن محمّد الأنصاري، حدّثنا عمرو بن جميح(3)، حدّثنا ابن أبي ليلى، عن أخيه، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، مرفوعاً.
فعمرو هذا قال فيه ابن عدي الحافظ: يتّهم بالوضع.
والكديمي معروف بالكذب.
فسقط الحديث.
ثم قد ثبت في الصحيح تسمية غير علي صدّيقاً، ففي الصحيحين: إنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم صعد اُحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: اُثبت أحد، فما عليك إلاّ نبي وصدّيق وشهيدان.
وأقرّه الذهبي في مختصره (452 ـ 453).
(سلسلة الأحاديث الضعيفة 1 : 358).
وليس العجب من عبدالحسين الشيعي في إيراد هذا الحديث، بل العجب كلّ العجب من ابن حجر الهيتمي، في سوقه هذا الحديث وأمثاله في فضائل علي، من صواعقه، وقوله قبل سردها: واقتصرت هنا على ذكر أربعين حديثاً لأنّها من غرر فضائله. (الصواعق ـ 121).
وقول المؤلّف: والصّحاح في سبقه وكونه الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم متواترات، مجازفة منه كعادته.
والكلمة الحق في هذا الصدد هي قول شيخ الإسلام ابن تيمية: والناس قد رووا أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وغيرهم، لكن المكذوب في فضل علي أكثر، لأنّ الشيعة أجرأ على الكذب من النواصب.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: فضائل علي الصحيحة كثيرة، غير أنّ الرافضة لم تقنع، فوضعت له ما يضع لا ما يرفع، وحوشيت حاشيته من الاجتياح للباطل. (قال) واعلم أنّ الرافضة على ثلاثة أصناف:
1 ـ صنف منهم سمعوا أشياء من الحديث، فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا.
2 ـ وصنف لم يسمعوا، فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون: قال جعفر وقال فلان.
3 ـ وصنف ثالث عوام جهلة، يقولون ما يريدون ممّا يسوغ في العقل وما لا يسوغ. (منهاج السنّة 4 / 119).

أقول:
هذا تمام كلام المتقّول على السيّد في هذا المقام، وسننبّه على ما فيه، بعد الفراغ عن الردّ على ما ذكره أئمّته….
فاعلم: أنّه قد استدلَّ العلاّمة الحلّي، الحسن بن المطهّر، بقوله تعالى: (والّذين آمنوا باللّه ورسله أولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربّهم) وجعله «البرهان السادس والعشرون» من براهين الكتاب على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وقال في ذيل الآية ما نصّه:
«روى أحمد بن حنبل بإسناده عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة: حبيب بن موسى النجّار مؤمن آل ياسين الذين قال: (يا قوم اتّبعوا المرسلين) وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: (أتقتلون رجلاً أنْ يقول ربي اللّه) وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم.
ونحوه رواه ابن المغازلي الفقيه الشافعي، وصاحب كتاب الفردوس.
وهذه فضيلة تدلّ على إمامته»(4).
وأورد الحديث فيما استدلّ به من السنّة على إمامته عليه السلام، قائلاً:
«وعن ابن أبي ليلى قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل ياسين وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم»(5).
فهنا مطالب:
المطلب الأوّل: في رواة الحديث المذكور من أئمة أهل السنّة وحفّاظهم، فإنّ من يراجع كتبهم المشهورة يجد الجمّ الغفير منهم يروونه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومنهم:
1 ـ أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241 كما في (فضائل الصحابة) له 2 : 627، 655، ورواه غير واحد عن كتاب (المناقب) له، كالمحبّ الطبري في الرياض النضرة.
2 ـ محمّد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح المتوفى سنة 256، رواه في التاريخ الكبير كما في الدر المنثور 7 : 53.
3 ـ أبو داود السجستاني، صاحب الصحيح المتوفى سنة 275 كما في الدر المنثور.
4 ـ محمّد بن سليمان الحضرمي المعروف بالمطيَّن، المتوفى سنة 297، كما في شواهد التنزيل.
5 ـ أبو القاسم الطبراني، المتوفى سنة 360، كما في الدر المنثور.
6 ـ أبو أحمد عبداللّه بن عدي الجرجاني، المتوفى سنة 365، كما في الدر المنثور.
7 ـ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، المتوفى سنة 385، في كتابه المؤتلف والمختلف 2 : 770.
8 ـ أبو بكر ابن مردويه الإصبهاني، المتوفى سنة 410، كما في الدر المنثور.
9 ـ أبو نعيم الإصبهاني، المتوفى سنة 410، كما في الدر المنثور.
10 ـ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463، في تاريخ بغداد 14 : 155.
11 ـ ابن المغازلي الواسطي الشافعي، المتوفى سنة 483، في كتابه مناقب علي بن أبي طالب.
12 ـ الحاكم الحسكاني، المتوفى بعد سنة 490، في شواهد التنزيل.
13 ـ شيرويه بن شهردار الديلمي، صاحب فردوس الأخبار المتوفى سنة 509، كما في الدر المنثور وغيره.
14 ـ الموفق بن أحمد المعروف بالخطيب الخوارزمي، المتوفى سنة 568، في كتاب مناقب علي بن أبي طالب.
15 ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي، المتوفى سنة 571، كما في تاريخ دمشق.
16 ـ الفخر الرازي، المتوفى سنة 606، أرسله في تفسيره 27 : 57 ارسال المسلّمات.
17 ـ ابن النجّار البغدادي، المتوفى سنة 643، كما في الدر المنثور.
18 ـ محبّ الدين الطبري الشافعي، المتوفى سنة 694، رواه في الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة 3 : 104. وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى 108.
19 ـ جلال الدّين السيوطي، المتوفى سنة 911، رواه في الدر المنثور في التفسير المأثور 7 : 53.
20 ـ ابن حجر المكي، المتوفى سنة 973، في الصواعق المحرقة.
21 ـ الشيخ علي المتقي الهندي، المتوفى سنة 975، صاحب كنز العمال. و منتخب كنز العمال.
22 ـ المناوي المتوفى سنة 1031 صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير رواه في كتابه المذكور 4 : 237 ـ 238.
المطلب الثاني: في مواضع ذكر هذا الحديث وألفاظه، فقد أوردوه تارةً بتفسير الآية: (واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية…)(6) وأخرى بتفسير الآية: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه…)(7) وثالثة بتفسير الآية: (والّذين آمنوا باللّه ورسله…)(8).
وهو في لفظ: «الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الذي قال: (يا قوم اتّبعوا المرسلين) وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال (أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي اللّه) وعلي بن أبي طالب. وهو أفضلهم».
رواه أبو نعيم في المعرفة وابن عساكر، عن ابن أبي ليلى(9).
وفي لفظ: «عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: ثلاثة ما كفروا باللّه قط: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب، وآسية امرأة فرعون»(10).
وقد أورد الحافظ السيوطي في الدر المنثور اللفظين المذكورين عن عدّة من المصادر، بتفسير الآية من سورة يس، و أورد قبلهما عن الطبراني وابن مردويه عن ابن عبّاس عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال:
«السُّبَّق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمّد علي بن أبي طالب»(11) ممّا يدلّ على اتّحاد مضمون الحديث وإنْ اختلفت ألفاظه، مضافاً إلى أن «الحديث يفسّر بعضه بعضاً».
وعلى هذا، فإنّ لقب «الصدّيق» يختصُّ بسيّدنا «علي» عليه الصلاة والسلام، لأنّه الذي «لم يكفر باللّه قط» ولأنّه «السابق إلى رسول اللّه».
وأمّا «ابوبكر» فقد قضى أكثر عمره في «الكفر» وأسلم بعد «خمسين» رجل كما في الخبر الصحيح(12) فلا يجوز أن يلقَّب بلقب «الصدّيق».
وفي بعض المصادر جمع بين عنواني «السبق» و«لم يكفروا باللّه طرفة عين» فقد حكى الحلبي عن (الإمتاع): «وأمّا علي بن أبي طالب، فلم يكن مشركاً باللّه أبداً، لأنّه كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في كفالته كأحد أولاده، يتبعه في جميع أموره، فلم يحتج أن يدعى للإسلام فيقال أسلم» ثم قال الحلبي:
«ثم رأيت في الحديث ما يدلّ لما في الإمتاع وهو: ثلاثة ما كفروا باللّه قط: مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب وآسية امرأة فرعون.
والذي في العرائس: روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: سبّاق الأُمم ثلاثة لم يكفروا باللّه طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون وحبيب النجّار صاحب يس وعلي بن أبي طالب، رضي اللّه تعالى عنهم، وهو أفضلهم»(13).
ومن هنا يظهر: إنّ كلّ كلام جاء فيه وصف أبي بكر بـ «الصدّيق» فهو ليس من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وإنْ نسب إليه في كتبهم ولو بسند صحيح عندهم، كما هو الحال في وصف عمر بـ «الفاروق» فإنّه ليس من رسول اللّه، بل لقد نصَّ بعضهم على أن «اليهود» هم الذين لقّبوه بهذا اللَّقب!

المطلب الثالث: في اعتبار هذا الحديث سنداً، فقد أرسله بعضهم كالفخر الرازي إرسال المسلَّم، ووضع الحافظ السيوطي علامة «ح» على أحد لفظيه إشارةً إلى حسنه، وهو ظاهر العلاّمة المناوي أيضاً، وجعله الحافظ ابن حجر المكي من غرر مناقب علي عليه السلام.

أقول:
ومن أسانيده في الكتب المعتبرة: رواية الحافظ الدارقطني، وهذا نصّ كلامه:
«وأمّا خِربيل، فهو مؤمن آل ياسين، ذكره في حديث ابن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الصدّيقون ثلاث: حبيب بن مري النجّار مؤمن آل فرعون، وخربيل مؤمن آل ياسين، والثالث علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم.
حدّثنا بذلك محمّد بن القاسم بن بشار الأنباري وآخرون قالوا: حدّثنا محمّد بن يونس الكديمي، حدّثنا عبدالرحمن بن أبي ليلى، حدّثنا عمرو بن جميع، عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك»(14).
وهذا السند لا كلام في رجاله إلاّ في «الكديمي» و«عمرو بن جميع».
أمّا «محمد بن يونس الكديمي» فقد ذكروا أنّه من رجال صحيح أبي داود، وترجم له الخطيب ترجمة مطوّلة فقال: «كان حافظاً كثير الحديث، سافر وسمع بالحجاز واليمن، ثم انتقل إلى بغداد فسكنها وحدّث بها، فروى عنه من أهلها…» فذكر جمعاً كثيراً من الأكابر.
وروى بإسناده عن عبداللّه بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: كان محمّد بن يونس الكديمي حسن الحديث، حسن المعرفة، ما وجد عليه إلاّ صحبته لسليمان الشاذكوني.
وروى أيضاً عن ابن خزيمة أنّه قال: كتبت عنه بالبصرة في حياة أبي موسى وبندار.
وعن أبي الأحوص محمّد بن الهيثم أنّه سئل عن الكديمي فقال: تسألوني عنه؟ هو أكبر مني وأكثر علماً، ما علمت إلاّ خيراً.
وعن عبدان الأهوازي أنّه سئل عنه فقال: رجل معروف بالطلب والسماع الكثير، فاتني عن محمّد بن معمر بعض التفسير فسمعته من الكديمي.
وعن جعفر الطيالسي: الكديمي ثقة ولكن أهل البصرة يحدّثون بكلّ ما يسمعون.
وعن الخطبي: كان ثقة.
وأورد الخطيب كلمات في الطعن عليه بل رميه بالكذب، إلاّ أنّه قال ما نصّه: «قلت: لم يزل الكديمي معروفاً عند أهل العلم بالحفظ مشهوراً بالطلب، مقدّماً في الحديث، حتى أكثر من روايات الغرائب والمناكير، فتوقَّف إذ ذاك بعض الناس عنه ولم ينشطوا للسماع منه».

أقول:
هذه خلاصة كلماتهم في الرجل، لكنّ السبب في قدح الرجل: صحبته لسليمان الشاذكوني، كما عن أحمد بن حنبل، أو تحديثه بكلّ ما سمع كما عن الطيالسي، أو إكثاره من الغرائب والمناكير كما قال الخطيب. ولذا أورده الذهبي في ميزانه وجعل من مناكيره: إن رسول اللّه قال لعلي: سلام عليك يا ريحانتي، أوصيك بريحانتيَّ من الدنيا خيراً، فعن قليل يهدّ ركناك، فلمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: هذا أحد الركنين، فلمّا ماتت فاطمة عليها السلام قال: هذا الركن الآخر.
لكن الحافظ ابن حجر لم يذكره في (لسانه) لكونه من رجال أبي داود، وقد قرّر أنْ لا يدخل في هذا الكتاب من اُخرج له في الصحاح الستّة(15).
والإنصاف بالنظر إلى ما تقدّم: إنّ الرجل ثقة.
ثم إنّهم قد رووا الحديث من غير طريق الكديمي، كما ستعلم.
ومن أسانيده: الروايتان في كتاب فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل:
«حدّثنا محمّد قال: حدثنا الحسن بن عبدالرحمن الأنصاري قال: حدثنا عمرو بن جميع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة حبيب بن موسى النجّار مؤمن آل يس، وخرتيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم»(16).
قال محقّقه: «موضوع لأجل عمرو بن جميع».
«وفيما كتب إلينا عبداللّه بن غنام الكوفي، يذكر أنّ الحسن بن عبدالرحمن ابن أبي ليلى المكفوف حدّثهم قال: أنا عمرو بن جميع البصري، عن محمّد بن أبي ليلى عن عيسى بن عبدالرحمن، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه أبي ليلى قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الذي قال (يا قوم اتّبعوا المرسلين) وحزقيل مؤمن آل فرعون الّذي قال (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللّه) وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم»(17).
قال محقّقه: «موضوع. والمتّهم به: عمرو بن جميع».
لكنْ قد عرفت تحسين الحافظ السيوطي ـ وموافقة المناوي له ـ رواية أبي نعيم وابن عساكر، وهذا هو السند:
«أنبأنا أبو سعد المطرز وأبوعلي الحسن بن أحمد قالا: أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين، أنبأنا عبيد بن غنام، أنبأنا الحسن بن عبدالرحمن، أنبأنا عمرو بن جميع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل ياسين وحزبيل مؤمن آل فرعون وعلي ابن أبي طالب وهو أفضلهم»(18).
ولو كان موضوعاً لما اتّفق هذا الجم الغفير من الأكابر على روايته، وهو في فضل علي عليه السلام، وبلا تنبيه على أنّه موضوع….
ولما فسّروا به آيات القرآن الكريم….
ولما اعتمده مثل الدارقطني في تعيين اسم مؤمن آل فرعون المختلف في اسمه….
ولما اضطرّ بعضهم إلى تحريفه بوضع اسم «أبي بكر» موضع اسم علي(19)…!!
وكيف؟ وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم»(20).
وقال في حديث: «اللّهم لا أعرف عبداً من هذه الأمّة عبدك قبلي غير نبيّك ـ ثلاث مرّات ـ لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعاً».
قال الحافظ الهيثمي: «رواه أحمد وأبويعلى باختصار، والبزار والطبراني في الأوسط.
وإسناده حسن»(21).
وأخرج ابن ماجة والحاكم بالإسناد عنه عليه السلام: «إني عبداللّه وأخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، صلّيت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأُمّة».
في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال: صحيح على شرط الشيخين»(22).
قلت: ومن هذا اللفظ الوارد في كثير من الكتب يظهر أنّ المراد من كلمة «بعدي» هو البعدية الرتبيّة لا الزمانية، أي: لا يقولها «غيري» إلاّ كاذب، ولذا جاءت كلمة «غيري» بدل «بعدي» في بعض المصادر المعتبرة.
وفي بعض المصادر بالإسناد عن عبداللّه بن عباس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بخصلتين: كتاب اللّه وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول اللّه يقول ـ وهو آخذ بيد علي ـ هذا أوّل من آمن بي وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأُمّة، يفرّق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو خليفتي من بعدي».
فيكون الحديث نصّاً في الإمامة والخلافة لأمير المؤمنين بعد رسول اللّه مباشرة، من وجوه عديدة….
ومن هنا لم تتحمّله نفس الذهبي فقال بعد إيراده بترجمة «داهر بن يحيى الرازي»: «فهذا باطل. ولم أر أحداً ذكر داهراً حتى ولا ابن أبي حاتم بلديّه»(23).
قلت: فانظر كيف يبطل الحديث مع اعترافه بأنّ أحداً لم يذكر رواية «داهراً» بجرح؟! وانظر من الكاذب؟ ومن المتعصّب؟ واحكم بما يقتضيه الدين والإنصاف.

* * *

(1) سورة الحديد 57 : 19.
(2) المراجعات : 33.
(3) كذا، والصحيح : جميع.
(4) منهاج الكرامة : 162 ـ 163.
(5) منهاج الكرامة : 105.
(6) سورة يس 36 : 13، أُنظر: الدر المنثور في التفسير المأثور 7 : 52.
(7) سورة يس 36 : 13، أُنظر: الدر المنثور في التفسير المأثور 7 : 52.
(8) سورة يس 36 : 13، أُنظر: الدر المنثور في التفسير المأثور 7 : 52.
(9) فيض القدير شرح الجامع الصغير 4 : 238.
(10) تاريخ مدينة دمشق 42 : 313.
(11) الدر المنثور في التفسير المأثور 7 : 52.
(12) تاريخ الطبري 2 : 316.
(13) السيرة الحلبية 1 : 269 ـ 270.
(14) المؤتلف والمختلف 2 : 770.
(15) راجع: تاريخ الخطيب 3 : 435، سير أعلام النبلاء 13 : 302، تهذيب التهذيب 9 : 475، ميزان الاعتدال 4 : 74.
(16) فضائل الصحابة 2 : 627 رقم 1072.
(17) فضائل الصحابة 2 : 655 رقم 1117.
(18) تاريخ مدينة دمشق 42 : 313.
(19) الجامع لأحكام القرآن 15 : 306.
(20) الكنى والأسماء 2 : 81.
(21) مجمع الزوائد 9 : 102.
(22) سنن ابن ماجة 1 : 89 / 120. المستدرك على الصحيحين 3 : 112.
(23) ميزان الاعتدال 2 : 3.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *