مع ابن كثير الدمشقي في تاريخه

مع ابن كثير الدمشقي في تاريخه:
وأمّا تلميذه ابن كثير الدمشقي فقد زاد ضغثاً على إبالة، فقال:
«فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لمّا أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم بيد عليٍّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه؛ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي). قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خمّ، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة كتب له صيام ستّين شهراً.
فإنّه حديث منكَر جدّاً، بل كذب، لمخالفته لِما ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطّاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم واقف بها كما قدّمنا.
وكذا قوله: إنّ صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم غدير خمّ، يعدل صيام ستّين شهراً؛ لا يصحّ؛ لأنّه قد ثبت ما معناه في الصحيح أنّ صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستّين شهراً؟! هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبداللّه الذهبي ـ بعد إيراده هذا الحديث ـ هذا حديث منكَر جدّاً.
ورواه حبشون الخلاّل وأحمد بن عبداللّه بن أحمد النيري ـ وهما صدوقان ـ عن عليّ بن سعيد الرملي، عن ضمرة.
قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطّاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم، بأسانيد واهية.
قال: وصدر الحديث متواتر، أتيقّن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم قاله.
وأمّا: اللّهمّ وال من والاه؛ فزيادة قويّة الإسناد.
وأمّا هذا الصوم فليس بصحيح.
ولا واللّه ما نزلت هذه الآية إلاّ يوم عرفة قبل غدير خمّ بأيّام. واللّه تعالى أعلم»(1).

أقول:
أوّلاً: هذا الحديث قد عرفت رواته وثقة رجال، وبقي منهم:
* عليّ بن سعيد الرملي ـ وهو علي بن أبي حملة ـ، وقد نصّ الذهبي على ثقته وإنّه لم يتكلّم فيه أحد، فقال:
«ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً إلى الآن تكلَّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرّج له أحد من أصحاب الكتب الستّة مع ثقته»(2).
وقال الحافظ ابن حجر متعقّباً له: «وإذا كان ثقة ولم يتكلّم فيه أحد فكيف تذكره في الضعفاء… قال البخاري: مات سنة 216»(3)
* ضمرة بن ربيعة، المتوفّى سنة 202، وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد، والأربعة:
«قال عبداللّه بن أحمد، عن أبيه: رجل صالح، صالح الحديث، من الثقات المأمونين، لم يكن بالشام رجل يشبهه، وهو أحبُّ إلينا من بقية، بقية كان لا يبالي عن من حدّث.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين، والنسائي: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح.
وقال محمّد بن سعد: كان ثقة مأموناً خيّراً، لم يكن هناك أفضل منه»(4).
* عبداللّه بن شوذب، المتوفّى سنة 156، وهو من رجال أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة:
قال الذهبي: «وثّقه جماعة، كان إذا رُئي ذُكِرت الملائكة»(5).
وقال ابن حجر: «صدوق عابد»(6).
وقال أيضاً: «قال سفيان: كان ابن شوذب من ثقات مشايخنا.
وقال ابن معين وابن عمّار والنسائي: ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به.
وذكره ابن حبّان في الثقات…»(7).
* مطر الورّاق، المتوفّى سنة 129، ويكفي كونه من رجال البخاري في باب التجارة في البحر من الجامع، ومن رجال مسلم والأربعة(8).
* شهر بن حوشب، المتوفّى سنة 112 أو 111 أو 100 أو 98، وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. وهذا كاف في ثقته(9).
وثانياً: اعتراف الحافظ الذهبي بتواتر صدر الحديث، وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» وكذا بقوّة سند قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اللّهمّ وال من والاه» وتقرير ابن كثير وقبوله له، ردُّ لتشكيكات المبطلين، ومكابرات الضالّين، فالحمد للّه الذي أجرى الحقّ على لسانيهما….
وثالثاً: حكمه بالبطلان على رواية صيام الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو يوم غدير خمّ؛ هو الباطل، وقد أجبنا عنه بالتفصيل في كتابنا الكبير(10).
ويبقى الكلام حول دعوى مخالفة الحديث لِما في الصحيحين، وسنتعرّض له عند الكلام.

(1) البداية والنهاية 5 : 213 ـ 214.
(2) ميزان الاعتدال 3 : 125.
(3) لسان الميزان 4 : 227.
(4) تهذيب الكمال 13 : 319 ـ 320، ولاحظ سائر الكلمات في هامشه.
(5) الكاشف 2 : 86.
(6) تقريب التهذيب 1 : 423.
(7) تهذيب التهذيب 5 : 225.
(8) تهذيب الكمال 28 : 55، تقريب التهذيب 2 : 252.
(9) تهذيب الكمال 12 : 578، تقريب التهذيب 1 : 355.
(10) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 8 : 277 ـ 284.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *