نزول (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ) فيه، كذب

نزول (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ) في علي، كذب
لقد روى القوم في كتبهم نزول قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1) في علي عليه السّلام، في قصّة إعطائه الخاتم للسائل:
قال السيوطي: «وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عبّاس في قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ)الآية. قال: «نزلت في علي بن أبي طالب».
وقال: وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل قال: «تصدّق علي بخاتمة وهو راكع فنزلت: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ…) الآية»(2).
فهؤلاء جملة من رواة الخبر: الطبراني، والثعلبي، والواحدي، والخطيب البغدادي، وابن الجوزي، والمحبّ الطبري، والهيثمي، والمتقي الهندي(3).
ورواه أيضاً من مشاهير المفسّرين الأعلام: الفخر الرازي، والبغوي، والنسفي، والقرطبي، والبيضاوي، وأبو السعود العمادي، والشوكاني، فراجع تفاسيرهم، بتفسير الآية المباركة.
ورواه الآلوسي الحنفي فقال: «غالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرّم الله تعالى وجهه…». وأضاف الآلوسي: أن حساناً أنشد في ذلك أبياتاً، فذكرها.
وذكر الآلوسي: أنه سئل ابن الجوزي: كيف تصدّق علي بالخاتم، والظنّ فيه أن له شغلا شاغلا فيها؟ فقال:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمكّن من *** فعل الصحاة، فهذا واحد الناس(4)
أقول:
وابن الجوزي هو الذي طالما اعتمد عليه ابن تيمية في تكذيب الأحاديث وردّها!
كما أنّ من رواة حديث نزول الآية في علي عليه السّلام هو: أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري، وقد اعتمد عليه ابن تيميّة في مواضع ونصَّ على ثقته، والإحتجاج به، كما أنه أثنى على «عبد الرزاق» و«عبد بن حميد» و«ابن أبي حاتم»(5). و«البغوي» وقد نص في حق هذا الأخير أنه لا يذكر في تفسيره شيئاً من الأحاديث الموضوعة(6).
وبعد، فهذا كلام ابن تيمية في نزول الآية في علي:
«وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى: أن هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة. وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن من وجوه كثيرة»(7).
وقال: «أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنَّ القصة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع»(8).
وقال: «جمهور الأمّة لم تسمع هذا الخبر»(9).
فهنا مطالب:
الأوّل: قد ظهر أنّ ابن تيميّة لا رادع له من الكذب ولا وازع.
والثاني: أنه متى ما أراد الإستدلال بخبر، وإن كان ضعيفاً أو مرسلا أو موضوعاً، نسبه إلى العلماء أو أرسله إرسال المسلّم، ومتى أراد ردّ حديث ـ يرويه كبار الأئمة في التفسير والفقه والحديث، كهذا الحديث ـ ينسب إلى «إجماع أهل العلم» القول بأنّه «موضوع» و«كذب» و«مفترى» بل يدّعي «أنّ جمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر».
والثالث: أن من بين رواة هذا الحديث وأمثاله من يتمسّك ابن تيمية بروايته ويحتجُّ بكلامه، فإن كانوا «كذّابين» فكيف يحتجّ بهم، وإلاّ فكيف يرميهم في مثل هذا الموضع بالكذب والوضع والإفتراء؟

(1) سورة المائدة: 55.
(2) الدر المنثور في التفسير المأثور، سورة المائدة، الآية 55 ـ 2/519ـ520.
(3) مجمع الزوائد كتاب التفسير، سورة المائدة 7/17، ذخائر العقبى ـ باب في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ذكر ما نزل فيه من الآي: 88، وذكر صدقته رضي الله عنه: 102، الرياض النضرة الباب الرابع في مناقب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب الفصل السادس في خصائصه ذكر اختصاصه بما نزل فيه من الآي 3/178، كنز العمّال فضائل علي رضي الله عنه الحديث 36354، 13/108. والحديث 36501، 13/165.
(4) روح المعاني 6/167.
(5) منهاج السنة 7/13.
(6) منهاج السنة 7/12.
(7) منهاج السنّة 2/30.
(8) منهاج السنة 7/11.
(9) منهاج السنة 7/17.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *