حول النص على عثمان

الكلام حول النص على عثمان
أقول:
أمّا النصّ الذي ذكره، فهو ليس عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإنما قاله ابن عمر عن نفسه وعمّن هو على شاكلته، هذا على تقدير صحّة الخبر.
على أنّ ابن تيمية قد حرّف متن هذا الخبر الذي أخرجه البخاري بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال: «كنّا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لا نفاضل بينهم»(1).
وقد تكلّم الأعلام حول هذا الأثر، وهذه عبارة الحافظ ابن عبد البر: «أخبرنا أحمد بن زكريا ويحيى بن عبد الرحيم وعبد الرحمن بن يحيى، قالوا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن حزم، حدثنا أحمد بن خالد حدّثنا مروان بن عبد الملك قال: سمعت هارون بن إسحاق يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحبه سنّة. ومن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان، وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سنّة.
فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ويسكتون، فتكلّم فيهم بكلام غليظ.
… وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.
قال أبو عمر: من قال بحديث ابن عمر: كنّا نقول على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم نسكت. يعني: فلا نفاضل، وهو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: إنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه، وهذا ممّا لم يختلفوا فيه.
وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان.
واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر.
وفي إجماع الجميع ـ الذي وصفنا ـ دليل على أن حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحاً…»(2).
فظهر من هنا اُمور:
الأول: إن ابن تيميّة قد حرّف لفظ الأثر عن ابن عمر.
والثاني: إن ما قاله وهم وغلط.
والثالث: إن السّلف والخلف اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، وقد كان يحيى ابن معين ـ وهو من أقران البخاري ـ يقول بتقديم علي.
والرابع: ان السلف والخلف اختلفوا في تفضيل علي وأبي بكر.
فظهر سقوط استدلال ابن تيمية بهذا الكلام، وكذبه في نسبة هذا الإستدلال إلى «العلماء»!
وبعد، فالحديث عن ابن عمر، الصّحيح المقبول، هو ما يلي:
«كنّا نقول في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خير الناس، ثمّ أبو بكر، ثم عمر. ولقد أُوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبُّ إليَّ من حمر النعم: زوّجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابنته وولدت له، وسدّ الأبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر.
رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح»(3).
أقول:
وهذا الحديث يفسّر الحديث الذي استدل به ابن تيميّة ـ إن صحّ ـ والذي تكلّم عليه يحيى بن معين وغيره، فإنّ عبد الله بن عمر كان بصدد التفاضل بين الصحابة عدا علي عليه السّلام، وأمّا علي فقد كانت له خصائص يفضّل بها على من سوى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

(1) صحيح البخاري ـ باب 38 كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الحديث 216ـ3/76.
(2) الإستيعاب في معرفة الأصحاب الترجمة 1855 ـ 3/1115 ـ 1117.
(3) مجمع الزوائد ـ كتاب المناقب، باب جامع في مناقب علي رضي الله عنه 9/120.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *