التقيَّة

التقيَّة
وتعرّض ابن تيميّة للتقيّة لغرض السبّ والتهجم على الإماميّة، وزعم أنّها أساس دينهم!!:
قال: «رأس مال الرافضة التقيّة، وهي أن يظهر خلاف ما يبطن كما يفعل المنافق. وقد كان المسلمون في أوّل الإسلام في غاية الضعف والقلّة وهم يظهرون دينهم لا يكتمونه، والرافضة يزعمون أنهم يعملون بهذه الآية: قوله تعالى: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْء إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ) ويزعمون أنهم هم المؤمنون وسائر أهل القبلة كفّار، مع أنّ لهم في تكفير الجمهور قولين، لكن قد رأيت غير واحد من أئمّتهم يصرّح في كتبه وفتاويه بكفر الجمهور، وأنهم مرتدّون، ودارهم دار ردّة، يحكم بنجاسة مائعها…
والرافضة من أعظم الناس إظهاراً لمودّة أهل السنّة، ولا يظهر أحدهم دينه،حتى أنّهم يحفظون من فضائل الصحابة والقصائد التي في مدحهم وهجاء الرافضة ما يتودّدون به إلى أهل السنّة، ولا يُظهر أحدهم دينه، كما كان المؤمنون يظهرون دينهم للمشركين وأهل الكتاب. فعلم أنهم من أبعد الناس عن العمل بهذه الآية.
وأمّا قوله تعالى (إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً) قال مجاهد: إلاّ مصانعة.
والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي فإنّ هذا نفاق. ولكن أفعل ما أقدر عليه… وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر… والرافضة حالهم من جنس حال المنافقين… فإنّ دينه الذي في قلبه دين فاسد يحمله على الكذب والخيانة وغشّ الناس وإرادة السوء بهم…»(1).
قال: «وقال عامّة علامات النفاق وأسبابه ليست في أحد من أصناف الامّة أظهر منها في الرافضة، حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم، وشعار دينهم التقيّة التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وهذا علامة النفاق…»(2).
قال: «والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف، بل لابدّ لكلّ منهم من شعبة نفاق، فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والرافضة تجعل هذا من أصول دينها وتسمّيه التقية، وتحكي هذا عن أئمة أهل البيت الذين برّأهم الله عن ذلك، حتى يحكوا عن جعفر الصادق أنه قال: التقيّة ديني ودين آبائي. وقد نزّه الله المؤمنين من أهل البيت وغيرهم عن ذلك، بل كانوا من أعظم الناس صدقاً وتحقيقاً للإيمان، وكان دينهم التقوى لا التقيّة»(3).
أقول:
نكتفي بهذا القدر، وأهل العلم والفضل يعلمون بحقيقة رأي الإمامية ومقصودهم من التقيّة، ويفهمون معنى الروايات الواردة فيها عندهم… بل عند أهل السنّة أنفسهم، بل قصّة آل ياسر وتقيّة عمار ونزول الآية المباركة فيها… بل في سيرة النبيّ مع أصحابه، وروايتهم لمثل هذا عجيب(4) وفي سير الصحابة والتابعين وكبار العلماء في مختلف القرون والأدوار شواهد عملية كثيرة على استعمال التقيّة، ومن تلك الموارد المشهورة إجابة كثير من أئمّتهم في محنة خلق القرآن تقيةً(5)…
ومن تلك الموارد ما ذكره ابن تيمية نفسه حيث قال:
«والرافضة… لمّآ قاموا في دولة خدا بنده ـ الذي صنّف له هذا الرافضي هذا الكتاب ـ فأرادوا إظهار مذهب الرافضة وإطفاء مذهب أهل السنّة، وعقدوا ألوية الفتنة، وأطلقوا عنان البدعة، وأظهروا من الشر والفساد ما لا يعلمه إلاّ رب العباد، كان ممّا احتالوا به أن استفتوا بعض المنتسبين إلى السنّة في ذكر الخلفاء في الخطبة هل يجب؟ فأفتى من أفتى بأنه لا يجب، إمّا جهلا بمقصودهم وإما خوفاً منهم وتقيةً لهم.
وهؤلاء إنما كان مقصودهم منع ذكر الخلفاء، ثم عوّضوا عن ذلك بذكر علي والأحد عشر الذين يزعمون أنهم المعصومون.
فالمفتي إذا علم أن مقصود المستفتي له أن يترك ذكر الخلفاء وأن يذكر الاثني عشر، وينادي بـ «حيّ على خير العمل» ليبطل الأذان المنقول بالتواتر من عهد النبي… لم يحل للمفتي أن يفتي بما يجرّ إلى هذه المفاسد»(6).

أقول:
قال النووي في (شرح الأربعين):
«لا مبالاة بإثبات التقية وجوازها، وإنما تكره عامّة الناس لفظها، لكونها من معتقدات الشيعة، وإلاّ فالعالم مجبول على استعمالها، وبعضهم يسميها مداراة، وبعضهم مصانعة، وبعضهم عقلا معاشياً، ودلّ عليها دليل الشرع».
وقال في شرح مسلم، باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه:
«وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ليس الكذّاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً أو ينمي خيراً…
قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور ـ يعني الصور التي رواها مسلم من الكذب في الحرب ونحوه ـ، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قول مالم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرّة، واحتجّوا بقول إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)و(إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله: «إنها أُختي» وقول منادي يوسف (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف، وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو؟»(7).
فقد ظهر أنّ «التقيّة» لا تختص بما إذا كان الذي يخاف منه كافراً… وظهر أنّ الشرع دلّ عليها، وأنّ القوم إنما يكرهونها لكونها من معتقدات الشيعة، كسائر الأُمور المشروعة التي تركها القوم بُغضاً وعناداً للشيعة.

(1) منهاج السنة 6/421ـ428.
(2) منهاج السنة 7/151.
(3) منهاج السنة 2/46.
(4) سير اعلام النبلاء، الترجمة 1، عبادة بن الصامت 2/6.
(5) انظر مثلا: سير أعلام النبلاء الترجمة 60، أبو مُسْهَر 10/230. والترجمة 157، سعدويه 10/482. والترجمة 199، أبو نصر التمّار 10/573.
(6) منهاج السنة 4/165ـ166.
(7) صحيح مسلم بشرح النووى ـ كتاب البرو الصلة ج8، جزء 16: 157ـ158.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *