الإشكال الأول و الكلام عليه

تشييد الأُستاذ الإشكال الأوّل
توضيحه: إن قوام باب التزاحم هو أن يكون كلّ من المتعلّقين ذا ملاك وتكون المصلحة تامّةً فيهما، فلا مشكلة في مقام الجعل، وإنما هي في مقام الامتثال، من جهة العجز عن تحصيل كلا الملاكين، فإن كان أحدهما أهم من الآخر تقدّم من باب الترتب. بخلاف باب التعارض، فإنّه لا يوجد ملاك لأحد الخطابين… ومسألة الجهر والإخفات من هذا القبيل، إذ لا ملاك لإحدى الصّلاتين ـ القصريّة والتامّة ـ في اليوم الواحد، فإذا انتفى الملاك عن أحد الفردين، خرجت المسألة عن باب التزاحم وكانت من باب التعارض.
هذا معنى كلام الميرزا. فلا يرد عليه الإشكال(1): بأن محذور الترتب هو طلب الضدّين، وكما يرتفع هذا المحذور في المتضادّين اتفاقاً، كذلك يرتفع في المتضادّين دائماً، عن طريق الترتّب….
وجه الإندفاع هو: أن في كلام الميرزا نكتةً غفل عنها، وهي أنه قد نصّ على قيام الضّرورة على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد ووقت واحد أحداهما قصر والأُخرى تمام. هذا من جهة. ومن جهة أُخرى: فقد ثبت في باب التعارض: أنه قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض، كأن يقوم دليلٌ على وجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة ويقوم آخر على وجوب صلاة الجمعة، فتجب صلاتان، ولكن قد قام الإجماع على عدم جوب الصّلاتين في ظهر يوم الجمعة، فيقع التعارض بين الدليلين بالعرض، ويحصل اليقين ببطلان أحدهما، ومسألة الجهر والإخفات من هذا القبيل، فهي من باب التعارض.
ثم ذكر في ( المحاضرات ) ما حاصله:
إنه كما يتعقّل الترتب في مقام الامتثال، كذلك يتعقّل في مقام الجعل، ويرتفع المشكل في مقام الإثبات بالتقييد، وأمّا في مقام الثبوت فالنصوص الواردة في المسألة هي الدليل على جعل الحكم بنحو الترتّب، كصحيحة زرارة في من جهر فيما لا ينبغي الإخفات فيه أو أخفت فيما ينبغي الجهر فيه(2).
فأشكل الأُستاذ:
بأن الترتّب في مقام الجعل في الضدّين اللذين لهما ثالث معقول، كأن يقول المولى: تجب عليك الإزالة فإن عصيت وجبت عليك الصّلاة، إلاّ أن مورد البحث من الضدّين اللذين لا ثالث لهما، فلا يعقل التقييد ـ مع توقف الترتّب على التقييد ـ كأن يقيّد وجوب الحركة بترك السكون. هذا ثبوتاً.
وأمّا إثباتاً، فإن نصوص المسألة لا تفي بدعوى كون الجعل بنحو الترتّب، لأنّ معنى الترتّب في مرحلة الجعل هو أن يجعل الشارع ـ بنحو القضيّة الحقيقيّة ـ وجوب الإخفات لمن وجب عليه الجهر فعصى، والنصوص وإن احتمل دلالتها على هذا المعنى، يحتمل دلالتها على جعل البدل في مقام الامتثال كما هو الحال في قاعدتي الفراغ والتجاوز، ومن الواضح الفرق بين جعل الحكم على نحو الترتّب مشروطاً بالعصيان، وجعله من باب بدليّة العمل الناقص عن التكليف; ولعلّ في النصوص ما هو ظاهر في جعل البدل كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر المذكورة وهذا نصّها: « في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه. فقال: أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته »(3) فإنّ ظاهر قوله عليه السلام: تمّت صلاته، هو جعل البدل في مرحلة الإمتثال، أي لا نقص في صلاته.
وفي رواية أُخرى عن أحدهما عليهما السلام: « إن اللّه تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود والقراءة سنّةً، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصّلاة ومن نسي فلا شيء عليه »(4).
وهذه ظاهرة في جعل البدل كذلك، وإلاّ لزم المستشكل القول بجريان الترتّب في مورد النسيان أيضاً.
وعلى أيّ حال، فالإشكال من المحقّق السيد الخوئي على الميرزا غير وارد.
وهذا تمام الكلام على الإشكال الأوّل.

(1) أجود التقريرات 2 / 91 الهامش، محاضرات في أُصول الفقه 2 / 468.
(2) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 482.
(3) وسائل الشيعة 6 / 86 الباب 26 من أبواب القراءة في الصّلاة.
(4) وسائل الشيعة 6 / 87 الباب 27 من أبواب القراءة في الصّلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *