نقوض المحاضرات و الجواب عنها

نقوض المحاضرات و الجواب عنها
النقض الأوّل: إنّه لو قامت البيّنة على ملاقاة الشيء للبول مثلاً، فهنا دلالتان: الملاقاة للبول وهي الدلالة المطابقيّة، ونجاسة الملاقي وهي الدلالة الإلتزاميّة. فإن انكشف كذب البيّنة سقطت الدلالة المطابقيّة كما هو واضح، فهل تبقى الدلالة الإلتزاميّة ؟ مقتضى القول بعدم التبعيّة بقاؤها، وهو باطل بالضرورة من الفقه.
لكنْ يمكن دفع النقض، بأنّ الشرط لبقاء الدلالة الإلتزاميّة ـ عند القائلين به ـ هو بقاء الموضوع لهذه الدّلالة، والموضوع فيها في المثال هو النجاسة وانتفاؤها مقطوع به عندهم، فمثل هذا المورد خارج عن البحث.
النقض الثاني: لو كانت الدار ـ مثلاً ـ في يد زيد، فقامت بيّنة على أنّها لعمرو وأُخرى على أنّها لبكر، وقع التعارض بينهما، لكنهما متّفقتان على أنّها ليست لزيد ذي اليد، فإن قلنا بالتبعيّة، سقطت الدلالتان وبقيت الدار لزيد ذي اليد، وإن قلنا بعدم التبعيّة، كانت النتيجة عدم كونها لزيد، فهي مجهولة المالك. وهذا ما لا يلتزم به أحد.
وفيه: إنّه لابدّ هنا من مراجعة النصوص الواردة في المسألة، وعليه مشى صاحب النقض في كتابه مباني تكملة المنهاج. والحاصل: إنّ المرجع هنا خبر إسحاق بن عمار وخبر غياث بن إبراهيم، ومقتضى الجمع بينهما: إنّ زيداً ذا اليد، إن اعترف لأحدهما المعيّن، دار أمر الملكيّة بينه ـ المعترف له ـ وبين طرفه، ويقع النزاع بينهما، وإن اعترف لكليهما خرج هو عن الملكيّة وتقاسما الدار، وإن لم يعترف لأحدهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر انتقلت الدار إلى الحالف، وإن حلفا أو نكلا تناصفاها(1).
وتلخّص: عدم ورود النقض.
النقض الثالث: لو شهد شاهد واحد على أنّ الدار التي بيد زيد هي لعمرو، وشهد آخر على أنّها لبكر، فإنّ الشهادتين ساقطتان على الحجيّة في مدلولهما المطابقي، بغض النظر عن التعارض بينهما، فهل يلتزم بمدلولهما الإلتزامي وهو عدم كون الدار لزيد ـ لكونهما متوافقين في ذلك ـ ؟ كلاّ لا يمكن.
وفيه: إنّ أصل المدلول المطابقي هنا ليس بحجّة، لأن شهادة الواحد في الأملاك ليس بحجّة بل لابدّ من ضمّ اليمين إليها. وعليه، فلمّا كان أصل المدلول المطابقي بلا مقتض، فلا تصل النوبة إلى البحث عن وجود أو عدم المدلول الإلتزامي.
النقض الرابع: لو قامت البيّنة على أنّ الدار التي في يد زيد هي لعمرو، فأقرّ عمرو بأنّها ليست له، فالبيّنة تسقط من جهة إقرار عمرو، وبذلك تسقط الدلالة المطابقيّة، فهل يمكن الأخذ بالدلالة الإلتزاميّة وهو القول بعدم ملكية زيد ؟ كلاّ.
وفيه: إنّ اليد أمارة الملكيّة، وسقوطها يحتاج إلى دليل، والبيّنة دليل تسقط بها أماريّة اليد، وبعبارة أُخرى: فإنّ دليل حجيّة البيّنة يخصّص دليل حجيّة اليد ويتقدّم عليه بالتخصيص، ولكنْ هل هذا التخصيص والتقدّم مطلق يعمّ صورة تكذيب ذي اليد ؟ كلاّ. وعليه، فلا أثر لهذه البيّنة ولا يثبت بها شيء من الأساس، فلا تصل النوبة إلى البحث عن مدلولها الإلتزامي.

(1) وراجع كتاب: القضاء والشهادات 2 / 645 ـ 651 الطبعة المحقّقة للمؤلّف، وهو تقرير أبحاث السيد الأُستاذ آية اللّه العظمى الگلپايگاني طاب ثراه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *