مناقشة الدليل الأوّل

مناقشة الدليل الأوّل
وقد ناقشه شيخنا الأُستاذ دام بقاه نقضاً وحلاًّ:
أمّا نقضاً: فبأن لازم ما ذكره انكار المانعيّة وإبطال الجزء الأخير من العلّة التامّة.
وتوضيحه: إنّه لا تتحقّق المانعيّة إلاّ مع التضادّ بين المانع والممنوع، بأنْ يكون المانع نفسه أو أثره ضدّاً للممنوع، وأمّا حيث لا مضادّة بينهما أصلاً فالمنع محال، فإنْ كان نفس المانع ضدّاً فالمانعيّة متحقّقة لا محالة، وقد تقدّم مراراً أنّ عدم المانع مقدّمة لوجود الممنوع، لكونه الجزء الأخير للعلّة التامّة، وإنْ كانت المانعيّة بسبب التضاد بين الممنوع وأثر المانع، كان عدم المانع الذي هو المنشأ للأثر مقدّمة لوجود الممنوع… وسواء كان الضدّ للممنوع هو المانع نفسه أو أثره، فلابدّ وأنْ يكون هناك مقتض لوجوده وإلاّ لما وجد ولما تحقّقت المانعيّة، وقد تقدّم أنّ إسناد عدم الضدّ إلى وجود المانع منوط بتماميّة المقتضي، فثبت تحقّق المقتضي للضدّين، وإلاّ يلزم إنكار كون عدم المانع من مقدّمات وجود الضدّ، وهو خلاف الضرورة العلميّة.
وأمّا حلاًّ، فإنّ كبرى استدلاله مسلّمة، فاقتضاء المحال ـ وهو هنا اجتماع الضدّين في الوجود ـ محال بلا ريب، لأنّه لو كان المحال قابلاً للوجود خرج عن المحاليّة الذاتية، وهذا محال. إنّما الكلام في الصغرى وهي: أنّه لو كان عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر، لزم اقتضاء المحال… لأنّ الاستحالة الذاتية إنّما هي في اجتماع الضدّين في الوجود، فوجود هذا مع وجود ذاك محال، أمّا وجود كلٍّ منهما فليس بمحال، والوجود يحتاج إلى مقتض، ووجود المقتضيين للضدّين ليس بمحال… وتوضيحه:
إنّ لكلّ معلول وأثر ومقتضى وجوداً فعليّاً ووجوداً بالقوّة، فإنْ وجد المؤثّر والعلّة والمقتضي حصل له الوجود الفعلي، والتمانع بين الضدّين إنّما يكون في الوجود الفعلي لهما لا بالوجود بالقوّة، إذ التضادّ هو بين البياض والسّواد لا بين المقتضي للبياض والمقتضي للسّواد، وهذه الحقيقة جارية في جميع العلل والمعاليل الطبيعيّة، أي: إنّ الآثار والمعاليل كلّها موجودة بوجود العلل والمؤثرات الطبيعية، مترشّحة عنها، اللهم إلاّ المخلوق بالإرادة، إذ يقول تعالى ( إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(1).
وتلخّص: إنّه إذا تحقّق المقتضيان كان الضدّان موجودين بالقوّة، ولا تضادّ بين الضدّين الموجودين بالقوّة… فثبت إمكان وجود المقتضي للضدّين… وتطبيق الميرزا الكبرى على الصغرى غير صحيح، فالدليل الأوّل من أدلّته ساقط.

(1) سورة يس: 82.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *