الدليل على عدم ترتّب الثواب والعقاب على الواجب الغيري

الدليل على عدم ترتّب الثواب والعقاب على الواجب الغيري
واستدلّ في ( الكفاية )(1) على عدم ترتّب الثواب والعقاب على الواجب الغيري بوجهين، أحدهما: حكم العقل بعدم الاستحقاق واستقلاله بذلك. والآخر: إنّ الثواب والعقاب من آثار القرب والبعد عن

المولى، والواجب الغيري لا يؤثّر قرباً أو بُعداً عن اللّه، بل المؤثّر في ذلك هو الواجب النفسي… نعم لو كان لواجب نفسي مقدّمات كثيرة، فإنّه يثاب على الإتيان بتلك المقدّمات من باب « أفضل

الأعمال أحمزها »(2).
وقال المحقّق الإصفهاني ما محصّله:
إنّ هذا الوجوب بما أنه مقدّمة للوجوب النفسي ولا غرض منه إلاّ التوصّل إليه، فهو معلول له، والإنبعاث إنّما يكون من الأمر النفسي المتعلّق به الغرض الاستقلالي، وأمّا تحرّك الإنسان نحو

المقدّمة فهو بالإرتكاز، ولذا يكون الواجب المقدّمي مغفولاً عنه، وتحرك الإنسان نحوه يكون بالارتكاز، فكلّ الآثار مترتّبة على الواجب النفسي(3).
أقول:
والإنصاف: إن ما ذكر لا يكفي لأن يكون وجهاً لعدم استحقاق الثواب على امتثال الواجب الغيري، بل قال السيد الأُستاذ: بأنه لا يخرج عن كونه وجهاً صوريّاً(4).
وأشكل عليه شيخنا دام بقاه: بأن مورد البحث هو حيث يكون المكلّف حين العمل ملتفتاً، كما هو الحال في الوضوء من أجل الصّلاة مثلاً، فإنّ المتوضّئ ليس بغافل عمّا يفعل. فليس المقدّمة مغفولاً

عنه. والحاصل: إنّ المقدميّة لا تمنع من الالتفات والتوجّه إلى العمل، وهو ظاهر قوله عليه السلام: « طوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي »(5).
وعلى الجملة، فإنّ المقدّمة قد تعلّق بها الطلب وأصبحت واجبةً، وقد أتى بها امتثالاً للأمر، وهي ملتفت إليها، وإنْ كان الغرض الأصلي مترتّباً على ذي المقدّمة.
وذكر سيّدنا الأُستاذ قدّس سرّه برهاناً آخر قال: ومحصّل ما نريد أن نقوله بياناً لهذا الوجه هو: إن الثواب إنما ينشأ عن إتيان العمل مرتبطاً بالمولى بالاتيان به بداعي الأمر ـ الذي هو معنى الإمتثال

ـ، فترتب الثواب على موافقة الأمر الغيري انما تتصور بالإتيان بالمقدمة بداعي الأمر الغيري، ومن الواضح أن الأمر الغيري لا يصلح للداعويّة والتحريك أصلاً، فلا يمكن الاتيان بالعمل بداعي

الامتثال الأمر الغيري. أما أنه لا يصلح للداعويّة والتحريك، فلأن المكلف عند الاتيان بالمقدمة إمّا ان يكون مصمماً وعازماً على الاتيان بذي المقدمة أو يكون عازماً على عدم الإتيان به، فإن كان

عازماً على الإتيان به، فإتيانه المقدمة ـ مع إلتفاته إلى مقدميتها كما هو المفروض ـ قهري لتوقف ذي المقدمة عليها، سواء تعلق بها الأمر الغيري كي يدعى دعوته إليها أو لا فالاتيان بالمقدمة في

هذا التقدير لا ينشأ عن تحريك الأمر الغيري، بل هو أمر قهري ضروري ومما لا محيص عنه. وان كان عازماً على عدم الاتيان بذي المقدمة، فلا يمكنه قصد الأمر الغيري بالاتيان بالمقدمة، إذ ملاك

تعلق الأمر الغيري بالمقدمة هو جهة مقدميتها والوصول بها إلى الواجب النفسي، لو لم نقل ـ إذ وقع الكلام في أن المقدميّة جهة تعليلية للوجوب الغيري أو جهة تقييدية ـ: بان موضوع الأمر الغيري

هو المقدمة بما هي مقدمة لا ذات المقدمة. ومن الواضح أنه مع قصد عدم الاتيان بذي المقدمة لا تكون جهة المقدمية وتوقف الواجب عليها ملحوظة عند الاتيان بالمقدمة، ومعه لا معنى لقصد

امتثال الأمر الغيري بالعمل، إذ جهة تعلق الأمر الغيري غير ملحوظة أصلاً.
ويتضح هذا الأمر على القول بكون الأمر الغيري متعلقاً بالمقدمة الموصلة، فانه مع القصد إلى ترك الواجب النفسي لا يكون المأتي به واجباً بالوجوب الغيري، فلا معنى لقصد امتثاله فيه لانه ليس

بمتعلق الوجوب(6).
أقول:
إن الكلام ـ الآن ـ في ترتّب الثواب على إطاعة الأمر الغيري، فمع فرض كون المكلّف ملتفتاً إلى مقدّمية الواجب الغيري وكونه عازماً على إطاعة أمر الواجب النفسي، هل يعتبر في ترتب الثواب

وجود أمر بالمقدّمة والإنبعاث منه كي يقال بعدم الترتّب، لعدم داعوية الأمر الغيري، أو يكفي لترتّبه الرجحان الذاتي أو الانقياد للمولى المتمشّي منه مع الالتفات إلى ما ذكر ؟
الظاهر هو الثاني، وهو الذي نصّ عليه السيد الأُستاذ نفسه في مسألة الطّهارات الثلاث، فتأمّل.
وأمّا العقاب على معصية الواجب الغيري، فقد يقال بترتّبه كالثواب، لأنه أمرٌ وقد عصي، قال المحقق الإيرواني: إنّ المفروض وجوب المقدّمة، وأثر الوجوب هو الثواب على الإطاعة والعقاب على

المعصية(7).
لكنّ الحقّ ـ كما عليه المحققون ومشايخنا ـ أنّ هذا خلاف الارتكاز العقلائي، فإنّ العقلاء لا يرون استحقاق العقاب إلاّ على ترك ذي المقدّمة، وهم يرون قبح ترك المقدمة لأنه يؤدّي إلى ذلك.
قال شيخنا: أللّهم إلاّ إذا خولف الأمر الغيري عصياناً لنفس الأمر الغيري. لكنّ مثل هذه الحالة قليل جدّاً، ولذا كان الارتكاز العقلائي ـ على وجه العموم وبالنظر إلى عامّة الناس ـ قائماً على عدم

استحقاق العقاب لمخالفة الأمر الغيري.

(1) كفاية الأُصول: 110.
(2) خبر مشهور بين الخاصّة والعامة كما في البحار 79 / 229.
(3) نهاية الدراية 2 / 113.
(4) منتقى الأُصول 2 / 237.
(5) وسائل الشيعة 1 / 381 الباب 10 من أبواب الوضوء.
(6) منتقى الأُصول 2 / 238.
(7) نهاية النهاية 1 / 161.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *