تعريف الشيخ الأعظم و الكلام حوله

الواجب
النفسي والغيري

وينقسم الواجب إلى النفسي والغيري.
وقد اختلف في تعريفهما وبيان حقيقتهما:
تعريف الواجب النفسي والغيري
فقد اشتهر تعريف الواجب النفسي بـ« ما أُمر به لأجل نفسه » والغيري بـ« ما أُمر به لأجل غيره ».
فأشكل عليه الشيخ الأعظم: بأنّ هذا التعريف للواجب الغيري ينطبق على كلّ الواجبات الشرعية، لكونها مأموراً بها لأغراض تترتّب عليها، لأنْ الأحكام تابعة للأغراض المولويّة.
تعريف الشيخ الأعظم والكلام حوله:
ولهذا فقد غيَّر الشيخ(1) التعريف فقال: بأنّ الواجب النفسي هو ما وجب لا للتوصّل إلى واجب آخر، والغيري ما وجب للتوصّل إلى واجب آخر، أي: إن النفسي ما لم يكن الداعي لإيجابه التوصّل إلى واجب آخر، والغيري هو ما كان الداعي لإيجابه التوصّل إلى واجب آخر.
توضيحه: إنّ الإيجاب عمل كسائر الأعمال الاختياريّة، وكلّ عمل اختياري فلا يصدر إلاّ عن الداعي، فإنْ كان الداعي لإيجاب الشيء التوصّل به إلى شيء آخر، فهو الواجب الغيري، وإنْ لم يكن ذلك هو الداعي لإيجابه فهو الواجب النفسي، وهذا الواجب منه ما يكون مطلوباً لذاته، وهو معرفة اللّه، فإنّها واجبة ومطلوبيتها ذاتيّة، ومنه ما يكون مطلوباً وليست مطلوبيّته للوصول إلى واجب آخر، بل من أجل حصول غرض يترتّب عليه، والعبادات أكثرها من هذا القبيل، وكذا التوصّليات كلّها… لأنّ الأغراض ليست بواجبات.
وأورد على الشيخ: بأنّ المفروض كون وجوب الصلاة ـ مثلاً ـ ناشئاً من الغرض، فهو الداعي لإيجابها، وحينئذ، فلابدّ وأنْ يكون الغرض الداعي لزوميّاً وإلاّ لم يصلح لأنْ يكون علّةً لجعل الطلب الوجوبي، وإذا كان لزوميّاً كانت الواجبات ـ غير معرفة اللّه ـ واجبةً لواجب آخر، فيعود الإشكال.
وقد أُجيب عن الإشكال: بأن الأغراض ليست بواجبة، لكونها غير مقدورة للمكلّف، وكلّ ما ليس بمقدور فلا يتعلّق به الوجوب.
واعترضه صاحب ( الكفاية ) وتبعه السيّد الأُستاذ(2): بأنّها وإنْ كانت غير مقدورة، إلاّ أنّها مقدورة بالواسطة، وهي الواجبات الناشئة عنها، فلمّا كان الأمر الواجب مقدوراً للمكلّف فالغرض الداعي لإيجابه مقدور، ولا يعتبر في المقدوريّة أنْ تكون بلا واسطة، فالطهارة مقدورة على سببها وهو الوضوء، والمكليّة مقدورة للقدرة على سببها وهو العقد، وكذلك العتق مثلاً وهو الإيقاع.
فقال شيخنا: لكنّ هذا إنّما يتمُّ في مورد الأسباب التوليديّة كما مثّل، إذ لا يوجد فيها إلاّ واجب واحد، فلا يوجد أمرٌ بالطهارة وأمر آخر بالوضوء، بل هو أمر بالطهارة، وهو المحرّك للعبد نحو السبب التوليدي لها وهو الوضوء مثلاً، وللمستشكل على الشيخ بأن الأغراض غير مقدورة أن يطرح الاشكال حيث يتصوّر وجوبان، إذ الوجوب الغيري عنده ما وجب لواجب آخر.
وأجاب المحقّق الخراساني عن الإشكال: بأنّ من العناوين ما يكون حسناً في نفسه، وإنْ أمكن كونه مقدّمةً لأمر مطلوب واقعاً، ومنها ما لا يكون حسناً في نفسه وإنّما يكون وجوبه لكونه مقدمةً لواجب نفسي وإن اتّصف بعنوان حسن في نفسه. مثلاً: التأديب عنوان متّصف بالحسن، أمّا الضرب فلا يتّصف بنفسه بالحسن وإنّما يكون حسناً في حال وقوعه مقدمةً للتأديب.
فكلّ ما كان من قبيل الأوّل فهو واجب نفسي، إذ قد لوحظ حسنه وقد أُمر به بالنظر إلى ذلك، وما كان من قبيل الثاني، أي لم يكن له حسن في نفسه، وإنّما تعلّق به الأمر من أجل التوصّل به إلى أمر حسن، أو كان ذا حسن في نفسه لكنّه لم يكن الأمر به بالنظر إلى ذلك، فهو واجب غيري. فنصب السلّم ليس له حسن في نفسه، وإنما يؤمر به من أجل الصعود إلى السطح ـ المفروض حسنه ـ فهو واجب غيري، بخلاف الوضوء، فله جهة حسن، لأنّ اللّه تعالى يقول ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرينَ )(3) والإمام عليه السلام يقول: « الوضوء نور »(4). فإنْ تعلّق به الأمر بالنظر إلى هذه الجهة كان مطلوباً نفسيّاً. أمّا إذا كان الأمر به لا بلحاظ ما ذكر بل بالنظر إلى شرطيّته للصّلاة وأنّه « لا صلاة إلاّ بطهور »(5) كان واجباً غيريّاً.
قال: ولعلّه مراد من فسّرهما بما أُمر به لنفسه وما أُمر به لأجل غيره.

(1) مطارح الأنظار: 67.
(2) كفاية الأُصول: 108، منتقى الأُصول 2: 212.
(3) سورة البقرة: 222.
(4) وسائل الشيعة 1 / 377 الباب 8 من أبواب الوضوء.
(5) وسائل الشيعة 1 / 365 الباب الأول من أبواب الوضوء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *