تصوير المحقق الخراساني و شرحه

كلام المحقق الخراساني وشرحه
قال في ( الكفاية ): إذا تعلّق الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء، ففي وجوب كلّ واحد على التخيير، بمعنى عدم جواز تركه إلاّ إلى بدل، أو وجوب الواحد لا بعينه، أو وجوب كلّ منهما مع السقوط بفعل أحدهما، أو وجوب المعيّن عند اللّه. أقوال.
والتحقيق أن يقال: إنه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما، بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الأمر، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليّاً لا شرعيّاً…. وإن كان بملاك أنه يكون في كلّ واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه، كان كل واحد واجباٌ بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته، من عدم جواز تركه إلاّ إلى الآخر، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما والعقاب على تركهما(1)….
أقول:
لقد ذكر رحمه اللّه أربعة أقوال فقط، لكنّها في المسألة أكثر منها، واختار منها القول الرابع وحاصله: إن المتعلّق في الوجوب التخييري لا يختلف عنه في التعييني إلاّ من جهة سنخ التكليف، فإنّ التخييري مشوبٌ بجواز الترك إلى بدل بخلاف التعييني، فكانا مشتركين في عدم جواز الترك، لأن الواجب ما لا يجوز تركه، غير أنّ التخييري يجوز ترك أحد فرديه مثلاً بالإتيان بفرد آخر، والتعييني لا يوجد له بديل.
إذن، لا يرد الإشكال: بأنّ البعث والإرادة لا يتعلّق بالمردّد، لأنه لا ماهيّة له ولا وجود. والإشكال: بأن البعث والإنبعاث متضايفان، فكيف يكون الانبعاث مردّداً ؟
ويبقى اشكال اختلاف الآثار فأجاب: بأن هذا الاختلاف ينشأ من اختلاف سنخ الوجوب، فإنّ سنخ الوجوب في التخييري هو ترتب العقاب على ترك الكلّ والثواب على الإتيان بأحدها… أما في التعييني، فإنهما يترتبان على ترك أو فعل نفس ذاك المتعلّق المعيّن.
وقد ذكر أنّه إذا كان هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد من الفردين، فإنّ التخيير حينئذ عقلي لا شرعي، أي يكون المتعلّق هو الطبيعة، والبرهان على ذلك هو قاعدة أن الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد، فيكون ذلك الواحد بين تلك الأفراد هو الطبيعة. وإمّا إذا كان هناك غرضان، بأن يقوم بكلّ من الفردين غرض مستقل عن الآخر، لكن بينهما تزاحم ولا يمكن اجتماعهما في الوجود، فلا محالة تكون الإرادة متعلّقة بكلٍّ من الفردين مع جواز تركه إلى الفرد الآخر.
ثم إنّه ذكر الأقوال الأُخرى وناقشها.
فأمّا القول: بأنّ المتعلّق للإرادة هو « الأحد لا بعينه » فقد أجاب عنه: بأن هذا « الأحد » ليس مفهوميّاٌ، إذ ليس هو متعلّق الغرض حتى تتعلّق به الإرادة، بل هو « الأحد » المصداقي، لكنّ « الأحد لا بعينه » لا مصداق له. وقد أوضح هذا في الحاشية: بأن « الأحد » يصحّ تعلّق العلم به كما في موارد العلم الاجمالي، وكذا يصحّ تعلّق الأمر الانتزاعي به كتعلّق الوجوب بأحد الشيئين، لكنّ الإرادة لا تتعلّق بالمردّد، لأنّها علّة الوجود ولا يمكن أن يكون معلولها مبهماً، ولا يعقل البعث والتحريك نحو المبهم… فظهر الفرق بين العلم والوجوب وبين البعث والإرادة.
وأجاب عن القول بأن الوجوب التخييري هو وجوب كلا الشيئين، لكن وجوب أحدهما مسقط لوجوب الآخر: بأن الفرضين إن كانا يقبلان الوجود، فإسقاط أحدهما للآخر مستحيل، وإن كانا متزاحمين لا يقبلان الوجود معاً، فأحدهما لا يتحقق ولا تصل النوبة إلى إسقاط الآخر إيّاه.
وعن القول بأن الواجب هو « أحدٌ » معيّن لكن عند اللّه… بأنّ المفروض كون كلّ واحد من الشيئين أو الأشياء حاملاٌ للغرض ووافياٌ به، فكيف يكون « أحد » معيّن هو الواجب دون الآخر أو الأفراد الأُخرى.
هذا بيان كلام ( الكفاية ) في هذا المقام.

(1) كفاية الأُصول: 140.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *