2 ـ تصوير المحقّق العراقي

2 ـ تصوير المحقّق العراقي
وذهب المحقق العراقي إلى الجامع الوجودي ، فراراً مما ورد على التّصوير السابق ، فأثبت وجود الجامع بين الأفراد الصحيحة عن طريق الأثر كما ذكر صاحب ( الكفاية ) ، لكن مع إصلاح له ، بإرجاع الآثار المتعددة من « معراج المؤمن » و « قربان كلّ تقي » و « الناهي عن الفحشاء » إلى أمر واحد بسيط ، وهو بلوغ العبد في الصلاة إلى مرتبة يحصل له فيها جميع هذه الخصوصيّات ، من القربانيّة والمعراجيّة وغير ذلك ، فكان الأثر واحداً كالمؤثر .
وأثبت الجامع بين الأفراد الصحيحة بأنه مرتبة من الوجود تجمع بين المقولات المختلفة والكيفيّات المتشتّتة ، حيث أنّ لكلّ صلاة أفراداً عرضيّة وأفراداً طوليّة ، وكلّ صلاة تشتمل على مقولات ، لكنّ تلك المرتبة من الوجود يكون صدقها على الأفراد العرضية بنحو التواطي ، وعلى الأفراد الطوليّة بنحو تشكيكي .
فالجامع بين الأفراد هو مرتبة من الوجود ، بنحو الوجود الساري ، مع إلغاء الخصوصيّات ، فإن لكلّ ماهيّة من الماهيّات الموجودة وجوداً خاصّاً ، فإذا اُلغيت خصوصيّة موجود وخصوصيّة موجود آخر ، تحقّق وجودٌ جامعٌ بينهما سار فيهما ، في قبال الموجودات الاُخرى .
إن الوجود الخاص في الحين الذي مع السجود قد تضيَّق بالسجود ، وكذا الذي مع الركوع ، والقراءة ، وغيرهما ، فإذا اُلغيت هذه الخصوصيّات ، ولم يكن الركوع والسجود والقراءة وغيرها قيوداً ، لم تكن داخلةً في المسمّى ، بل يكون المسمّى بلفظ « الصّلاة » هو ذلك الوجود الواحد المجتمع مع هذه الامور بنحو القضية الحينيّة ، وهذا صادق على جميع الأفراد ، العرضيّة والطوليّة ، إلاّ أن الصّدق على العرضيّة بنحو التواطى وعلى الطوليّة بنحو التشكيك ، وهو ـ أي الوجود ـ لا ربط له بالوجود الذي في العبادات الأخرى ، فإنّ المسمّى للفظ الحج مثلا وإنْ كان هو الوجود كذلك ، إلاّ أنه وجود يتخصّص بالطواف والسّعي وغيرهما من أعمال الحج .
وتلخّص : إن الجامع بين الأفراد الصحيحة من الصلاة مثلا هو الوجود الساري الموجود فيها ، فإنّه يجمع بينها بعد إلغاء الخصوصيّات ، وهذا الوجود هو مسمّى لفظ الصلاة ، وهذا اللّفظ يصدق على جميع الأفراد العرضيّة والطوليّة ، من صلاة الغريق إلى الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء والشرائط ، فيكون الوجود مأخوذاً بالنسبة إلى الأقل من الأجزاء بشرط شيء وبالنسبة إلى الأكثر لا بشرط ، نظير « الكلمة » في علم النحو ، فإنّ المسمّى لهذه اللفظة يتحقق بالحرف الواحد ، ولكنّه بالنسبة إلى الأكثر لا بشرط . وكذا لفظ «الجمع» فإنّ أقلّه الثلاثة ، فهو مشروط بذلك ، إلاّ أنه بالنسبة إلى الأكثر لا بشرط .
فالمسمّى الموضوع له لفظ « الصلاة » هو الوجود المنطبق على جميع الأفراد ، والأفراد محقّقة للمأمور به ، بحسب اختلاف حالات المكلّفين .
فالجامع بسيط وليس بمركّب ، ولا مشكلة من ناحية الاتّحاد مع الأفراد ، فإنّه يتّحد مع مختلف الأفراد والحالات …
هذا تقريب تصوير المحقّق العراقي وإنْ استدعى بعض التكرار لمزيد التوضيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *