المقام الثاني

المقام الثاني
في عدم جواز التمسّك بالإطلاق في ألفاظ المعاملات حتى على القول بالوضع للأعم .
وذلك ، لأن الإطلاقات لو كانت إمضاءً للأسباب ، أمكن التمسّك بها ، لأنّ الشارع لمّا أمضى سبب حصول الملكيّة أو الزوجيّة مثلا ، ولم يقيّده بقيد ، فمقتضى الإطلاق نفي القيد لو شكّ في اعتباره ، لكنّ الأدلّة ناظرة إلى إمضاء المسببّات دون الأسباب .
إذن ، لا مجال للتمسّك بالإطلاق في ألفاظ المعاملات ، لكون الأدلّة ناظرة إلى إمضاء المسبّبات لا الأسباب . وتوضيح ذلك : إن الأدلّة لسانها لا يوافق إمضاء الأسباب ، فلا معنى لأن يقال في قوله تعالى ( أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ )(1) بأنه أمر بالوفاء بصيغة « بعت » مثلا ، بل الوفاء يناسب ما تحقّق بالصيغة وهو المسبب ، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم « النكاح سنّتي » ليس معناه إلاّ تلك العلقة الحاصلة بقوله : « أنكحت » .
وإذا كانت الأدلّة ناظرة إلى المسبّبات ، فللمسبّبات وجودات مستقلّة عن الأسباب ، وأن إمضاء أحدهما لا يلازم إمضاء الآخر ، لجواز إنفاذ الشارع المسبّب دون السبب ، كأنْ يأمر بالقتل لكنْ لا بسبب المثلة مثلا ، فالمسبب مطلوب لكنه لا يلازم مطلوبيّة كلّ سبب ، وإذ لا ملازمة ، فاللاّزم هو الأخذ بالقدر المتيقّن .
وتلخّص : عدم ترتّب الثمرة على البحث .
وقد ذكر الميرزا : بأنّ الثمرة تترتب بإمكان التمسّك بالإطلاق ، بناءً على مسلكه من كون النسبة نسبة الآلة إلى ذي الآلة ، بدعوى أن الآلة وذا الآلة موجودان بوجود واحد ، فيكون الإمضاء لذي الآلة إمضاءً للآلة .
وفيه : إن الاتّحاد إمّا تكويني وإمّا اعتباري ، أمّا الأول فمحال هنا ، لأن الآلة في البيع هي الصيغة ، وهي أمر تكويني ، لكونها من مقولة الكيف ، وإنْ كان بالمعاطاة ففعل تكويني ، أمّا البيع فأمر إعتباري ، والإتحاد بين الأمر التكويني والأمر الإعتباري محال . وأما الثّاني فأمر ممكن ، كاتّحاد التعظيم مع الإنحناء أو القيام ، إذ يتحققان بوجود واحد ، فالإتّحاد الإعتباري بين الآلة وذي الآلة ثبوتاً لا إشكال فيه ، إلاّ أن مقام الإثبات لا يساعده ، إذ لا يرى أحدٌ الإتحاد بين « بعت » و « البيع » ولا يعتبرون « أنكحت » زوجيّةً …
بل إن الإتّحاد بين الآلة وذي الآلة في التكوينيات أيضاً غير ممكن ، فالآلة هي « المفتاح » وذو الآلة « الفتح » ، وأين الإتحاد بين الفتح والمفتاح ؟
وكذا الحال بين المنشار والنشر … وهكذا .
وتلخّص : إن مشكلة التمسّك بالإطلاق لم تنحل بمبنى الميرزا .
فلنرجع إلى أصل البحث على جميع المباني ، فنقول :
لقد ذهب صاحب ( الكفاية ) إلى أنّ ألفاظ المعاملات إن كانت موضوعة للمسبّبات ، فلا مجال لبحث الصحيح والأعم فيها ، وإن كانت موضوعة للأسباب فله مجال ، وقد تبع المحقق صاحب ( الحاشية ) في أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب المؤثرة واقعاً ، فههنا بحثان .

(1) سورة المائدة : 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *