و على الإمكان فهل هو حقيقة أو مجاز؟

و على الإمكان فهل هو حقيقة أو مجاز؟
واختلفوا في هذا الإستعمال المحقق للوضع ، هل هو استعمال حقيقي أو مجازي ، أو لا حقيقي ولا مجازي ؟ على أقوال .
قيل : إنه حقيقة ، لأن كون الإستعمال حقيقياً لا يشترط فيه تحقّق الوضع قبل الإستعمال ، فلو تحقّقا معاً كان الإستعمال حقيقيّاً ، إذ الملاك هو الإستعمال في المعنى الموضوع له ، وهذا مع مجرد وجود الموضوع له في ظرف الإستعمال متحقق ، إذ العلة والمعلول يكونان في ظرف واحد زماناً وإن اختلفا رتبةً ، والمفروض كون الإستعمال علّة للوضع فزمانهما واحد ، وباستعمال اللّفظ في المعنى الموضوع له تتحقّق الحقيقة ، وليس الاتحاد في المرتبة مقوّماً للوضع حتى يكون اختلافهما مضرّاً ، هذا ما جاء في ( المحاضرات ) .
وفيه : إن الإستعمال متأخّر عن المعنى المستعمل فيه بالتأخّر الطبعي ، إذ لا يتحقق الإستعمال إلاّ مع وجود ذلك المعنى المستعمل فيه ، بخلاف المعنى ، فقد يوجد من غير استعمال له ، فإن كان المعنى السابق في المرتبة على الإستعمال قد وضع له لفظ في تلك المرتبة ، كان استعمال ذاك اللّفظ فيه حقيقياً ، وإن لم يكن له وضع كان استعمالا في المعنى المجازي .
لكن المفروض في بحثنا تحقّق الوضع بنفس الإستعمال ، فالإستعمال أصبح علّةً للوضع والوضع معلول له ، فكون المعنى موضوعاً له اللّفظ إنما هو في رتبة متأخرة عن الإستعمال ، والإستعمال متقدّم على كون المعنى موضوعاً له ، والمستعمل فيه مقدَّم على نفس الإستعمال ، فلا محالة يستحيل كون المعنى موضوعاً له ، لأن كونه كذلك في رتبة متأخرة عن الإستعمال لأنه معلول للإستعمال ، لكن كون المعنى مستعملا فيه في رتبة قبل الإستعمال ، فالمستعمل فيه ليس موضوعاً له ، وحينئذ كيف يتّصف الإستعمال بكونه إستعمالا في المعنى الحقيقي ؟
والعجب ، أن القائل بهذه المقالة يلتزم بكون الوضع معلولا للإستعمال ، وأن كون المعنى موضوعاً له يتحقق بتحقّق الاّستعمال .
فسقط القول بكونه حقيقةً ، وثبت كونه لا حقيقة ولا مجاز ، كما عليه المحقق الخراساني .
والحاصل ممّا تقدّم هو : أنّ الإستعمال الحقيقي هو استعمال اللّفظ في ما وضع له ، والمفروض هنا تحقّق الوضع بنفس الإستعمال ، فلا معنى حقيقي له فليس باستعمال حقيقي ، وليس بمجازي أيضاً ، لأن الإستعمال المجازي هو استعمال اللّفظ في المعنى المناسب لما وضع له ، والمفروض عدم وجود ما وضع له قبل هذا الإستعمال ، فليس بمجاز .
وقد اختار شيخنا هذا القول في الدّورة اللاّحقة .
أمّا في الدّورة السابقة ، فقد أشكل عليه بأن لفظ « الصلاة » ـ مثلا ـ قد استعمل في لسان الشارع في المعنى الشرعي الجديد ، وهذا الإستعمال مجاز ، لأنّ لهذه اللّفظة معنىً حقيقيّاً في اللّغة قبل المعنى الحادث ، ومن المعلوم وجود التناسب بين المعنى الحقيقي اللغوي لهذه اللّفظة وبين المعنى الحادث المستعمل فيه ، فيكون مجازاً .
أقول :
لكن الصحيح ما اختاره في الدورة المتأخرة ، فإنه ليس مطلق التناسب بين المعنيين بمصحّح للاستعمال المجازي ، إذ المقصود من هذا التناسب هو علاقة الكلّ والجزء ، لكون « الصلاة » بالمعنى الشرعي مشتملةً على « الدعاء » وهو معنى الكلمة لغةً ، لكن ليس كلّ علاقة الكلّ والجزء بمصحّح للاستعمال المجازي ، فالرقبة جزء الإنسان وتستعمل هذه الكلمة في الإنسان بالعلقة المذكورة ، وليس سائر أجزاء الإنسان كذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *