مقدّمات

مقدّمات
قبل الورود في البحث :
هل هذا البحث من المسائل الاُصوليّة أو من المبادئ التصديقيّة لعلم الاصول ؟
قال المحقق الإصفهاني بالثاني .
والتحقيق هو الأوّل ، وذلك لأن المسألة الاصوليّة عبارة عن المسألة التي تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي ، فإذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة فإن الألفاظ تحمل على المعاني الشرعيّة المستحدثة من قبله لا محالة ، وإلاّ فإنّها تحمل على المعاني اللّغوية كما تقرر عندهم ، فالبحث عن الحقيقة الشرعيّة هو في الحقيقة بحث عن الظهور ، كما أن البحث عن دلالة الأمر على الوجوب يرجع إلى البحث عن الظهور ، فيكون من المسائل الاصوليّة .
نعم ، لو كان البحث عن حجيّة الظواهر ، كان البحث عن الحقيقة الشرعيّة من المبادي ، لكن المفروض وقوع البحث عن الحقيقة الشرعيّة بعد الفراغ عن كبرى حجيّة الظواهر ; فإذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة وجب حمل ألفاظ الشارع على معانيها الشرعيّة ـ دون اللّغوية ـ واستنبط الحكم الشرعي منها ، فهي مسألة تقع نتيجتها في طريق الإستنباط .
ويتمّ البحث عن الحقيقة الشرعيّة بالكلام في جهات ، وقبل الدخول فيه نقول :
أوّلا : إن موضوعات الأحكام الشرعية منها : موضوعات خارجيّة ، كالماء والخمر ، في « الماء طاهر » ، و « الخمر حرام » ، ونحو ذلك . ومنها : موضوعات اعتباريّة ، مثل الصّلح في : « الصلح جايز » ، والبيع في : ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ )(1) ، وهكذا . ومنها : ما عبَّر عنه الشهيد الأوّل ـ رضوان الله عليه ـ بالماهيّات المخترعة ، كالصّلاة والحج والصّوم والإعتكاف ، وأمثال ذلك .
ثانياً : المقصود في البحث هو التحقيق عن أنّه هل للشارع وضعٌ واختراع في التّسمية أو لا ، سواء كانت المعاني مخترعة منه أو غير مخترعة ، فلا يختصّ البحث بالماهيّات المخترعة ، وإن كانت هي مورد البحث وعنوانه عندهم .
وثالثاً : لا إشكال في جريان البحث في ألفاظ العبادات ، إنما الكلام في جريانه في ألفاظ المعاملات مع كون الأدلّة الشرعية فيها إمضاءً لما هو في بناء العقلاء ، وأنها ليست تأسيسيّةً ، إلاّ أنه لمّا كان الشارع قد اعتبر في المعاملات خصوصيّات زائدةً على ماهو المعتبر عند العقلاء ، وأنّ هذه المعاني مع تلك الخصوصيّات قد انسبقت إلى الأذهان في بعض الأزمنة ، فلا مانع من وقوع البحث حولها من حيث أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة لمعانيها بدون الخصوصيّات أو معها .
فالتحقيق جريان البحث في ألفاظ المعاملات أيضاً .

وبعد :
فإنه وإنْ وقع البحث من عدّة من الأعيان حول القسم الثاني من الموضوعات ، كالبيع والصلح ونحوهما في أنه هل للشارع فيها وضع أو لا ، لكن القسم الثالث ـ وهو الموضوعات المخترعة ـ هو مطرح البحث عند الكلّ ، فهل له فيها وضع أو لا ؟
والوضع ـ كما هو معلوم ـ إمّا تعييني وإمّا تعيّني ، والتعييني ينقسم إلى القولي والفعلي .
أمّا أنْ يكون للشارع وضع تعييني قولي بالنسبة إلى موضوعات الأحكام ، فهذا ممّا نقطع بعدمه ، لأنه لو كان لنقل إلينا متواتراً .
وأمّا أن يكون له وضع تعييني بالفعل ، كأنْ يولد له ولد فيقول : إيتوني بولدي حسن ، بأنْ يتحقق وضع لفظ « الحسن » اسماً لهذا الولد بنفس هذاالكلام ، وكما في الحديث : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » بأنْ يقال بأنه قد وضع اسم « الصلاة » على هذه العبادة بنفس هذا الإستعمال … فهل هو ممكن أو لا ؟ وهل هو واقع ؟ فالكلام في مقامين :

(1) سورة البقرة : 275.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *