مقدّمات

مقدّمات :
* ذكر السكاكي في مبحث الإستعارة من كتابه : إن اللّفظ يستعمل في المعنى الحقيقي لا غير ، فلفظ « الأسد » لا فرق بين استعماله في الحيوان المفترس أو في الرجل الشجاع ، غير أنه في الأول حقيقة واقعاً وفي الثاني حقيقة ادّعاءً ، فكأنّ دائرة المعنى الحقيقي تتوسّع لتشمل الرجل الشجاع كذلك .
وقد وافقه بعض الأعلام كالسيد البروجردي . وهو مطلب متين .
وعلى هذا ، فإن عملنا في المجاز هو تعميم دائرة الموضوع له اللّفظ بالنّسبة إلى فرد آخر ، لمناسبة بينه وبين الموضوع له ، كما بين « الرجل الشجاع » و « الحيوان المفترس » في مفهوم لفظ « الأسد » ، لكنْ مع إقامة القرينة على هذا الإدّعاء على مذهب السكاكي ، أو على الإستعمال في غير ما وضع له اللّفظ من قبل الواضع ، على مذهب المشهور .
* إن مورد الكلام في مبحث الحقيقة والمجاز هو :
1 ـ ما إذا كان أصل معنى اللّفظ غير معلوم .
2 ـ ما إذا كان المعنى معلوماً ، لكن المراد منه غير معلوم .

* والحقيقة في مقابل المجاز هي :
تارة : الحقيقة اللّغوية .
واخرى : الحقيقة الشرعيّة .
وثالثة : الحقيقة العرفيّة .
والحقيقة العرفيّة تارة : هي الحقيقة العرفيّة العامّة . وأخرى : الحقيقة العرفيّة الخاصة .
وكلّ هذه الأقسام مورد حاجة وابتلاء للفقيه .
وهناك حقيقة متشرعيّة ، يبحث عنها في مبحث الحقيقة الشرعيّة .
فعلى الفقيه أوّلا أنْ ينظر في كلّ مورد ، فقد يكون للّفظ حقيقة شرعيّة ، وقد يكون اللّفظ قد استعمل على أساس حقيقة عرفيّة خاصّة ، فإنه في هذه الحالة لا يرجع إلى اللّغة والعرف العام ، لأنّ العرف الخاص يتقدّم على العرف العام في تشخيص مراد المتكلّم ، فإن لم يوجد العرف الخاص أو لم يقصد ، يرجع إلى الحقيقة العرفيّة العامّة .
* والمهم للفقيه هو تشخيص الحقائق العرفيّة ، ورجوعه إلى اللّغة إنما هو مقدّمة لذلك ، وهو يحتاج إلى ذلك لاستنباط الأحكام الشرعيّة من الأدلّة اللّفظيّة من الكتاب والسنّة ، ومن الأدلّة غير اللّفظية كالإجماع إنْ كان معقده لفظاً من الألفاظ ، فلابدّ للفقيه من استكشاف معنى تلك اللّفظة الواردة في الكتاب والسنّة والإجماع ـ على ماذكر ـ ليرتّب الأثر الشرعي عليها ، مثلا : عليه أن يحقّق عن معنى لفظة « الصعيد » هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب ؟ ولفظة « الشرط » هل هو مطلق الإلتزام ، أو خصوص الإلتزام في ضمن الإلتزام ؟ ولفظة « العقد » هل هو مطلق العقد الأعم من الجائز واللاّزم أو خصوص اللاّزم ؟ و «الزنا» يختصُّ بوطي القبل أو يعمّ الدبر ؟ وكذلك الكلام في « الوطن » و « الكنز » و « المعدن » ومئات الألفاظ من هذا القبيل الواردة في الأدلّة الشرعيّة .
ويحتاج إلى ذلك أيضاً في الموضوعات ، فعنوان « المضاربة » الذي هو أحد العقود العرفيّة الممضاة شرعاً ، ما معناه ؟ ومن هو المدّعي ؟ ومن المنكر ؟ ولهذا بحثوا عن أن العقود تنعقد بالمجازات أو لا ؟ فقال المحقق الثاني في ذيل قول العلاّمة في ( القواعد ) في العقد وأنّه لابدّ وأن يكون بالصيغة ، قال : « أي : المفيدة لذلك بمقتضى الوضع »(1) وقد يظهر من كلمات بعضهم دعوى الإجماع على أن العقود اللاّزمة لا تنعقد بالمجازات .
* وقد ذكر لتشخيص المعاني الحقيقيّة عن المعاني المجازيّة طرق كثيرة ، منها قطعيّة ومنها ظنيّة ، اقتصر صاحب ( الكفاية ) من القطعيّة منها على أربعة هي : التبادر وصحة الحمل وعدم صحة السلب والإطراد ، ولم يتعرّض للظنيّه التي منها : تنصيص أهل اللّغة ، ذكره المحقق العراقي ، غير أنه أجاب بأن اللّغوي يذكر موارد الإستعمال لا الحقيقة عن المجاز ، لكنّ مثل المحقق الكاظمي في كتاب ( المحصول ) يدّعي الإجماع على ثبوت الحقيقة بتنصيص أهل اللّغة ، ويقول العلاّمة في ( النهاية ) : المعنى الحقيقي يثبت بأخبار الآحاد .
والحق : إن تجاوز تنصيص أئمة اللّغة على أنّ اللّفظ الفلاني موضوع لكذا ، مشكل .
ثم إنّ التنصيص على المعنى الحقيقي قد يكون مبنيّاً على مسلك خاص ، كالقول بعدم وجود المجاز في لغة العرب ، كما عليه أبو إسحاق الإسفرائني ، أو القول بأن الأصل هو الحقيقة وأن المجاز خلاف الأصل ، فيكون مقتضى الأصل هو الحكم بكون المعنى حقيقيّاً ، كما عليه التّاج السّبكي ، أو كان التنصيص مستنداً إلى أمارات غير معتبرة ، كأن يكون مستنداً إلى التبادر مثلا وهو غير معتبر عندنا بالفرض ، ففي مثل هذه الموارد لا يكون التنصيص حجةً .
أمّا إنْ كان النصّ من أهل الخبرة ، فاعتباره مبني على الشروط المقرّرة في مسألة حجية خبر الثقة في الأحكام ، لأنّ المراد ليس خصوص الأحكام ، بل الأعم ، ليشمل كلّ لفظ وقع موضوعاً للأحكام الشرعيّة ، كلفظ « العقد » و« الشرط » ونحوهما ، والموضوعات من العدالة والتعدّد والوثاقة .
والمختار : أنه إنْ كان ثقةً كان خبره حجةً ، ولا يعتبر التعدّد والعدالة فضلا عن الإيمان .
نعم ، دعوى حجيّة قول اللغوي مطلقاً ممنوعة .
وبعد :
فإنّ هناك مراحل ، فالاُولى مرحلة أصل المعنى الموضوع له اللّفظ ، ثم مرحلة الإرادة الإستعمالية من اللّفظ ، ثم مرحلة الإرادة الجديّة ، فإنْ اجتمعت هذه المراحل فلا إشكال ، وأمّا إن تخلّف بعضها ، كأنْ جهل أصل المعنى ، أو وقع الشك في أصل الإرادة أو الإرادة الجديّة ، فلابدّ من قواعد وطرق يرجع إليها .
والطرق المطروحة في ( الكفاية ) وغيرها من كتب الاصول لكشف المعنى الحقيقي في المرحلة الاولى هي :

(1) جامع المقاصد 1/57 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *