مناقشات شيخنا الاستاذ

مناقشات شيخنا الاستاذ
ثم ذكر الاستاذ دام بقاه بأنه : لا ريب في وجود التضييق وتحقّقه في الموارد المذكورة ، ولكنْ لا دليل على أن ذلك هو الموضوع له الحرف ، بأنْ يكون مدلول الحرف وضعاً هو التضييق ، فلعلّ التضييق هو لازم المعنى الموضوع له الحرف ، وعلى الجملة ، فإنّ المدّعى أعم من الدليل .
ثم إنه لا يمكن أنْ يكون المعنى واقع التضييق ، لأن التضييق قدر مشترك بين الإبتداء والإنتهاء والظرفيّة ، وإلى جانبه يوجد في كلّ واحد من هذه الموارد تضييق يختصُّ به ، ولذا لايوجد جامع بين المعنيين الاختصاصيّين لحرفين من الحروف .
مثلا : كلّ من « من » و « إلى » يفيد التضييق ، فهما يشتركان في هذه الجهة ، لكنْ في كلّ منهما جهة امتياز ، فهل المعنى الموضوع له في هذين الحرفين هو الجهة المشتركة بينهما أو الجهة التي يمتاز بها كلّ منهما عن الآخر ؟ إن المدلول هو المعنى الذي في جهة الإمتياز ، أما التضييق فذاك هو المدلول الأعمّ الذي يشترك فيه الحرفان ، ولا يمكن أن يكون هو الموضوع له ، لأنه الجامع لتلك الموارد كلّها ، فمدلول « في » ليس تلك الحيثيّة التي بها يكون مصداقاً للقدر المشترك ، بل مدلوله ومفهومه الموضوع له هو حيثيّته المعاندة لحيثيّة « من » ، أعني تلك الحيثية الخاصّة ، وإلاّ ، فالتضييق موجود في كليهما ولا تعاند لهما فيه ، فجعل هذه الحيثية المشتركة التي هي اللاّزم الأعم في الحروف غير صحيح .
هذا أوّلا .
وثانياً : إذا كانت الحروف موضوعة لواقع التضييق لا مفهومه ، فمن المستحيل أن تكون مضيّقةً لواقع التضييق ، لأن المضيَّق لا يطرأ عليه تضييق ، لأن المماثل لا يقبل المماثل ، هذا من جهة . ومن جهة اخرى : إن التضيّق إنما يطرق على ماليس فيه ضيق ، وكذا التوسعة . وعلى ماذكرنا نقول : إن القضايا على قسمين ، منها : الشرطية الإنشائية ، كقولنا : إذا زالت الشمس فصل ، ومنها : الشرطية الخبرية ، كقولنا : إذا طلعت الشمس فالنهار موجود ، ولا ريب أن الشرط في القسم الثاني يرد على مدلول الهيئة ـ وهو مختار المحققين ، خلافاً للشيخ رحمه الله القائل برجوع القيد في الواجب المشروط إلى المادّة ـ فقيد : « إذا طلعت » يرجع إلى مدلول الجملة الجوابية والنسبة الموجودة بين النهار والوجود .
وحينئذ ، فلو كانت الحروف موضوعة لواقع التضييق ، لزم أن يكون التضيق بسبب « إذا » الشرطية ، وارداً على مدلول الهيئة وهو الضيّق ، ومعنى ذلك أن يضيَّق المضيَّق مرّة اخرى ، وهو محال ، لأن التقييد لا يقبل الإطلاق والتقييد ، كما أنّ الإطلاق كذلك ، لأن المقابل لا يقبل المقابل ، والمماثل لا يقبل المماثل .
هذا ما أورده في الدورة السابقة .
أما في الدورة اللاّحقة ، فذكر أن أساس هذا المبنى هو دعوى بطلان القول بوضع الحروف للنِسب ، لكنْ سيأتي صحّة هذا القول ، فلا أساس لمبنى التضييق . هذا أوّلا .
وثانياً : إن الموضوع له الحرف هو ملزوم التضييق ، وقد وقع الخلط في هذا المبنى بين اللاّزم والملزوم ، وهذا ما أشار إليه في تلك الدورة ، أما في المتأخّرة فأوضح قائلا : بأنّ « في » الذي هو « دريّت » بالفارسية يُصيّر « الصّلاة » حصة في قولنا : الصلاة في المسجد كذا . وكذا« من » و « إلى » يصيّران « السير » حصّةً في قولنا : سرت من البصرة إلى الكوفة ، فهي حروفٌ تخرج المفاهيم والمعاني عن إطلاقها ، وتحصّصها ، لكن ليس معاني هي الحروف هذه التحصيصات والتضييقات ، بل هي النسب ، فمعنى « في » النسبة الظرفية ، ومعنى « من » النسبة الإبتدائية ، ومعنى « إلى » النسبة الإنتهائية ، وهذه المعاني لازمها التضييق . وسيأتي تفصيل ذلك في بيان الرأي المختار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *