(2) دلالته على العصمة

(2)
دلالته على العصمة
وإنّ حديث مدينة العلم يدلّ على عصمة سيدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام، ولا ريب حينئذ في خلافته بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا فصل…
وأمّا دلالته على العصمة، فقد أفصح عنها المحقّقون من أهل السّنة، قال إسماعيل بن سليمان الكردي في (جلاء النظر في دفع شبهات ابن حجر) بعد كلام له: «وإيّاك والاغترار بظواهر الآثار والأحوال من التزيّي بزيّ آثار الفقر، كلبس المرقّعات، وحمل العكاز وغير ذلك، لأنها ليست نافعة لمن اتصف بها وهو ليس على شيء من المعرفة بالله، بل قد يكون المتصف بها صاحب انتقاد على المشايخ بنظره إلى نفسه، حيث أنه يرى حقيقة الأمر عنده دون غيره، وكثير من أهل هذا الشأن هلكوا في أودية الحيرة، لأنّهم اغتراهم الجهل المركب، فلا يدرون ولا يدرون أنّهم لا يدرون، كابن تيميّة وابن المقري والسّعد التفتازاني وابن حجر العسقلاني وغيرهم، فإنّ اعتراضهم على معاصريهم وعلى من سبق من الموتى دالّ على حصرهم طريق الحق عندهم لا غير.
وقد زاد ابن تيميّة بأشياء ومن جملتها: ما ذكره الفقيه ابن حجر الهيتمي ـ رحمه الله ـ في فتاواه الحديثية، عن بعض أجلاّء عصره أنّه سمعه يقول ـ وهو على منبر جامع الجبل بالصالحية ـ : إنّ سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ له غلطات وأيّ غلطات، وإن سيّدنا علي ـ رضي الله عنه ـ أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان!! فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عمر وعلي رضي الله عنهما بزعمك؟ أما سمعت
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حقّ سيدنا علي: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟»…
فإنّ ظاهر عبارته واستدلاله بحديث مدينة العلم في الردّ على ذاك المتعصّب العنيد، دلالة هذا الحديث الشريف على عصمة الإمام عليه السلام…
وقال المولوي نظام الدين السهالوي الأنصاري في (الصبح الصادق) ما نصّه: «إفاضة ـ قال الشيخ ابن همام في فتح القدير ـ بعد ما أثبت عتق أمّ الولد وانعدام جواز بيعها عن عدّة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وبالأحاديث المرفوعة، واستنتج ثبوت الإجماع على بطلان البيع ـ ممّا يدلّ على ثبوت ذلك الإجماع ما أسنده عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: سمعت علياً يقول: اجتمع رأيي ورأي عمر في أمّهات الأولاد أن لا يبعن، ثمّ رأيت بعد أن يبعن، فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحبّ إليّ من رأيك وحدك في الفرقة، فضحك علي رضي الله تعالى عنه.
واعلم أن رجوع علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ يقتضي أنّه يرى اشتراط انقراض العصر في تقرّر الإجماع، والمرجّح خلافه، وليس يعجبني أنّ لأمير المؤمنين شأناً يبعد أتباعه أن يميلوا إلى دليل مرجوح ورأي مغسول ومذهب مرذول، فلو كان عدم الاشتراط أوضح لاكوضوح شمس النهار كيف يميل هو إليه، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، رواه الصحيحان، وقال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي، فالانقراض هو الحق.
لايقال: إن الخلفاء الثلاثة أيضا أبواب العلم، وقد حكم عمر بامتناع البيع. لأنّ غاية ما في الباب أنهما تعارضا، ثم المذهب أن أمير المؤمنين عمر أفضل، وهو لا يقتضي أن يكون الأفضليّة في العلم أيضاً، وقد ثبت أنه باب دار الحكمة، والحكمة حكمه».
ومفاد هذا الكلام دلالة حديث «أنا دار الحكمة وعلي بابها» على عصمة الإمام عليه السلام، وحينئذ تكون دلالة حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» ثابتة عليها بالأولويّة، وقد قال ابن طلحة الفقيه الشافعي: «لكنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم خصّ العلم بالمدينة والدار بالحكمة، لما كان العلم أوسع أنواعاً وأبسط فنوناً وأكثر شعباً وأغزر فائدة وأعمّ نفعاً من الحكمة، خصص الأعم بالأكبر والأخص بالأصغر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *