الذهبي

الذهبي
والذهبي جاءت كلماته بترجمة يزيد متهافتة.
أمّا في (تاريخه)(1) فذكر ما ملخّصه أنّه روى عن أبيه، وروى عنه ابنه خالد وعبدالملك بن مروان، وأنّه بويع بعد أبيه، ثمّ ذكر أنّ أُمّه ميسون رأت في النوم كأنّ قمراً خرج من قُبلها، فقيل لها: تلدين من يُبايَع له بالخلافة(2)!
قال: وفي سنة خمسين غزا يزيد أرض روم ومعه أبو أيّوب الأنصاري، وحجّ بالناس سنة إحدى وخمسين وسنة اثنتين وسنة ثلاث.
ثمّ روى عن عبداللّه بن عمرو، قال: أبو بكر الصدّيق، أصبتم اسمه; عمر الفاروق، قرن من حديد، أصبتم اسمه; ابن عفّان ذو النورين، قُتل مظلوماً، يؤتى كفلين من الرحمة; معاوية وابنه ملكا الأرض المقدّسة; والسفّاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العُصَب، كلّهم من بني كعب بن لؤي، كلُّهم صالح لا يوجد مثله(3).
قال: روى نحوه محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبي أُسامة، عن الثوري، عن هشام بن حسّان، ثنا محمّد بن سيرين.. ـ قال: وله طريق آخر. قال: ولم يرفعه أحد ـ ..
ثمّ روى عهد معاوية، وأنّه قال: ابني أحقّ; وأنّه خطب فقال: اللّهمّ إنْ كنتُ أنّ ما عهدتُ ليزيد لِما رأيتُ من فضله، فبلّغه ما أَمّلتُ وأعِنه…
ثمّ روى أنّه وفد عبداللّه بن جعفر على يزيد فأعطاه ألف ألف، فقال عبداللّه له: بأبي أنت وأُمّي!! فأمَرَ له بألف ألف أُخرى، فقال له عبداللّه: واللّه لا أجمعهما لأحد بعدك(4)!!
ثمّ روى عن أبي الدرداء: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: أوّل من يبدّل سُنّتي رجل من بني أُميّة يقال له: يزيد(5)… وناقش في بعض إسناده.
وعقّبه بأنّ عبداللّه بن عمر بن الخطّاب قال لبنيه وأهله ـ لمّا خلع أهلُ المدينة يزيد ـ : إنّا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة اللّه ورسوله… فلا يخلعنّ أحد منكم يزيد.
وبأنّ محمّد بن الحنفيّة ردّ على من تكلّم في يزيد بأنّه يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم اللّه بقوله: «ما رأيتُ منه ما تذكرون، قد أقمتُ عنده فرأيته مواظباً للصلاة، متحرّياً للخير، يسأل عن الفقه»(6).
وروى بالتالي أنّ رجلا قال عند عمر بن عبدالعزيز: أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول: أمير المؤمنين؟! وأمر به فضرب عشرين سوطاً(7).
أقول:
فلم يذكر بترجمة يزيد شيئاً من مساوئه ومخازيه، ولربّما يُستفاد من سياق كلامه المدح له…
وأورده الذهبي في «أعلام النبلاء»! فذكر شيئاً من سيرته، إلاّ أنّه افتتحها بقوله:
«له على هناته حسنة، وهي غزو القسطنطينيّة، وكان أمير ذلك الجيش، وفيهم مثل أبي أيّوب الأنصاري; عقد له أبوه بولاية العهد من بعده، فتسلّم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستّين…»(8).
قال: «ويزيد ممّن لا نسبّه ولا نحبّه، وله نظراء من خلفاء الدولتين، وكذلك في ملوك النواحي، بل فيهم من هو شرٌّ منه، وإنّما عظم الخطب لكونه وُلِّيَ بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أَوْلى بالأمر منه ومن أبيه وجدّه»(9).

أقول:
فما معنى هذا الكلام وهو يعترف بأنّ يزيد هو قاتل الإمام الحسين عليه السلام; إذ قال: «افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس، ولم يبارَك في عمره…»(10)؟!
ثمّ لماذا عقّب هذا الاعتراف بما رواه عن عبداللّه بن عمرو، ولم يطعن في سنده، مع طعنه في سند الحديث عن النبيّ بأنّه: «لا يزال أمر أُمّتي قائماً حتّى يثلمه رجل من بني أُميّة يقال له: يزيد»(11)؟! على أنّ لفظه في (تاريخه): «أوّل من يبدّل سُنّتي»(12).
وكيف يروي الكلام المذكور عن عبداللّه بن عمرو في كتابيه، ويتغافل عن أنّ عبداللّه بن عمرو لم يدرك السفّاح ومَن بعده؟!
وأمّا ما رواه عن عبداللّه بن جعفر، فكذب قطعاً.
وبعدُ، فإذا كان يزيد «افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس» و «كان ناصبياً»(13)، فبِمَ يُحكم عليه في رأي الذهبي؟!
والجدير بالذكر أنّه تارةً يقول: «وإنّما عظم الخطب، لكونه وُلِّي بعد وفاة النبيّ بتسع وأربعين سنة، والعهد قريب، والصحابة موجودون، كابن عمر الذي كان أَوْلى بالأمر منه ومن أبيه وجدّه».
ويقول تارةً أُخرى ـ دفاعاً عن يزيد وخلافته ـ بأنّ عبداللّه ابن عمر قد قال لبنيه وأهله ـ لمّا خلع أهل المدينة يزيد ـ : «إنّا قد بايعنا هذا الرجل…»!

(1) تاريخ الإسلام 2 / 476.
(2) انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 36، تاريخ دمشق 65 / 398 ـ 399.
(3) انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 38.
(4) انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 39.
(5) انظر الحديث بمختلف ألفاظه وأسانيده، والمؤدّى واحد، في:
سير أعلام النبلاء 1 / 330 و ج 4 / 39، مصنّف ابن أبي شيبة 8 / 341 ح 145، تاريخ دمشق 65 / 250، البداية والنهاية 8 / 165 حوادث سنة 64 هـ ، الجامع الصغير: 169 ح 2841، سبل الهدى والرشاد 10 / 89 ب 13، تطهير الجَنان: 87، كنز العمّال 11 / 167 ح 31062 و 31063.
(6) انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 39 ـ 40، البداية والنهاية 8 / 186 ـ 187.
(7) انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 40، تهذيب التهذيب 9 / 376 رقم 8058.
(8) سير أعلام النبلاء 4 / 36.
(9) سير أعلام النبلاء 4 / 36.
(10) سير أعلام النبلاء 4 / 38.
(11) سير أعلام النبلاء 4 / 39، وقد تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة 439 هـ 3; فراجع.
(12) انظر: سير أعلام النبلاء 1 / 330.
(13) سير أعلام النبلاء 4 / 37.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *